هل ينخفض سعر النفط؟

سعود الأحمد*

TT

سؤال يطرح نفسه: هل سيعود سعر النفط إلى التراجع، أم أن سعر النفط مرجعه إلى الانهيار، وهل أن مستقبل أسعار النفط خلال عام 2005 سيكون مظلما؟ كما يعتقد البعض؟! ومن جهة أخرى: هل السعر الحالي معقول؟ ولأننا كمحللين ومنظرين نتحدث عن توقعات مستقبلية، ولا نعلم الغيب، لكن المفترض فينا أن نؤسس آراءنا وتوقعاتنا المستقبلية، على أسس ومقومات سليمة ومقنعة، حتى ولو لم تتحقق توقعاتنا. أما عن توقعاتي الشخصية، فهي أن ميل سعر النفط الحالي للارتفاع يحصل لمسببات ومعطيات طبيعية لا يتوقع لها أن تنجلي أو تنحسر وعقارب الساعة لن تعود إلى الخلف.

إن منظمة «الأوبك» حريصة على استقرار النفط أكثر من حرصها على تخفيض سعره، ولعلنا نتذكر أنه عندما أعلنت منظمة «الأوبك» تخفيضها العاشر للإنتاج، كانت الأسعار تراوح حول أو تفوق الـ30 دولاراً، ومع أن توقعات المحللين بأن ذلك الارتفاع سيجر وراءه للمستهلكين ويلات وويلات، ومع علم المنظمة أن تخفيض الإنتاج يعني تعرض انتعاش الاقتصاد العالمي للتأثر، فإن التخفيض العاشر حصل. ومع استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من ثلاثة دولارات منذ أن اتفقت دول «الأوبك» على خفض حصص الإنتاج بنسبة 4 في المائة منذ أبريل الماضي ووقف تجاوزات حصص الإنتاج التي كانت سائدة.

وأنه في الوقت الذي صرح فيه السيد «كلود مانديل» المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية بأن ألأسعار مرتفعة جداً، وينبغي أن تضع «أوبك» في الاعتبار أن الإمدادات في السوق غير كافية، وأن ذلك يضر باقتصاد الدول المستهلكة، ولن يكون في صالح الدول المنتجة، كان تصريح وزير النفط السعودي د. علي النعيمي، أن السعودية تضع في اعتبارها في المقام الأول ضمان عدم حدوث نقص، مشيراً للزيادة الطفيفة في الإنتاج (في سبتمبر وفبراير الماضيين)، إنما جاءت لمقابلة طلب موسم الشتاء، وأن ذلك لضمان استقرار سوق النفط ووجود إمدادات جيدة بها، لأنها تدرك مدى تأثير هذا في النمو الاقتصادي.

والذي يمكن قراءته من هذا الموقف، أن المنظمة تريد بذلك أن تبعث برسالة ضمنية للعالم مفادها، أنها لا تسعى لخفض أسعار النفط بقدر سعيها لاستقرارها. أما ما يُقال ويُبث ويُنشر من تصريحات من حين لآخر عن مسؤولي منظمة «الأوبك» عبر وسائل الإعلام المختلفة، بأن السعر المستهدف هو ما بين 22 ـ 28 دولاراً للبرميل، فقد لا يتعارض مع القبول بسعر يزيد عنه بعشرة أو عشرين دولاراً، وأن ذلك أمر يسهل تبريره من عدة مداخل ومعطيات، لتبرير القبول بسعر مرتفع (جديد)، منها أن سعر النفط الحالي غير حقيقي، بالنظر إلى أن برميل النفط يقيم بالدولار الذي انخفضت قيمته الحقيقية أمام العملات الأخرى بالأسواق العالمية. ففي دراسة لمنظمة «أوبك» لقياس حجم تآكل سعر النفط باستخدام سنة القياس 1973، وجدت أن السعر الحقيقي لبرميل النفط الذي يباع بحوالي 37 دولاراً يقارب الـ16 دولاراً مقارنة بسنة القياس، وأن أسعار السلع جميعها في العقدين الماضيين ارتفعت ما عدا النفط. انه ومع ارتفاع سعر النفط تستفيد أميركا (الدولة العظمى)، لأن العالم احتاج لمضاعفة الطلب على الدولار لشراء النفط (في عالم القطب الواحد).

يضاف لذلك أن دول «الأوبك» تدرك، أن دول العالم تأخذ منها برميل النفط بسعر بخس مقارنة بسعره بعد تصنيعه أو حتى تكريره واستخراج منتجاته، وأن دول عديدة تستغل طلب شعوبها على النفط لتفرض عليه الضرائب الظالمة. فأوربا مثلاً تربح جراء استيرادها للبرميل الواحد ما يقارب 320 دولاراً، نظير ما تفرضه عليه من الضرائب! من الطبيعي أن حكومات دول «الأوبك»، أخذت تنحو نحواً (براغماتياً) أكثر من أي وقت مضى. ويقول «جي سامليوس» الخبير في مجال النفط «إن انخفاض الأسعار يحرم حكومات الدول المصدرة من الاستفادة القصوى من أكبر مصادرها المالية، مما يمكن أن يهدد بقاءها. إضافة إلى أن تفاوت أسعار النفط بين الحين والآخر يؤدي إلى اضطراب سياسي، والاضطراب السياسي يؤدي إلى عدم استقرار الأسعار وهكذا دواليك».

حاجة العالم لترشيد استخدام النفط بالنظر إلى معدلات نضوبه المتسارعة، خصوصاً دولا مثل أميركا وعدم وجود بديل للنفط، في ظل فشل الغاز ليكون بديلاً له، وبقاء النفط مشكلاً 41 في المائة من استخدامات الطاقة في العالم، تشير الدراسات إلى أنه يمكن لهذه النسبة أن تستمر إلى عام 2025. هذا في وقت ما زال المخزون العالمي من البترول (الاستراتيجي والتجاري على اليابسة) وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يتراوح خلال الفترة من 1995 ـ 2001 بين 3830 و3844 مليون برميل.

ان الدول المنتجة المصدرة للنفط تعاني من أحداث مؤهلة لخفض العرض وبالتالي زيادة السعر، ومن ذلك مواقف رئيس فنزويلا «شافيز» ضد أميركا، ناهيك من تراكم مشاعر العداء العراقي ضد المحتل الأميركي والبريطاني، والذي قد يتسبب في تواصل تفجيرات أنابيب النفط العراقي، وهو ما سيؤدي إلى وقف أو خفض إمداد السوق النفطية بالبترول العراقي. وكذلك الأحداث غير المستقرة في الدولة المصدرة، نيجيريا وعدم استقرارها السياسي وتوقع كثرة المظاهرات، مما يصعب معه توقع تسويق انسيابي للنفط النيجيري.

وعلاوة على ذلك سيطرة دول منظمة «أوبك» التي بدأ وضعها المالي والتنظيمي يؤهلها للوقوف أمام التيارات بعد السنين العجاف التي مرت بها، وبعد كل ما مرت به واكتسبته من تجارب مع المعطيات والأحداث المؤثرة. وفي هذه المرحلة فقد توصلت معظم الدراسات إلى أن الدول المصدرة للنفط بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، لن تقوم بزيادة طاقتها الإنتاجية، لمجرد تحقيق هدف تخفيض عبء تكلفة النفط على الدول المستهلكة، إلا في الوضع الذي (لم يعد موجودا) يكون فيه سلوك زيادة الإنتاج هو الخيار الذي يحقق لها العائد الذي يمكنها من الصرف على المتطلبات الأساسية. وهو سلوك لم يعد له وجود، لأن الوضع القائم يمكنها بزيادة بسيطة في الإنتاج، أن تحقق نفس الإيرادات التي سيوفرها لها خيار الزيادة الكبيرة في الإنتاج، بسبب ارتفاع الأسعار في السلوك الثاني وانخفاضه في الأول. ولذلك أعتقد أن سعر النفط بين الأربعين والخمسين هو السعر المعقول.

* محلل مالي سعودي