خبراء: مصر تتطلع إلى ضخ 20 مليار دولار استثمارات جديدة لرفع معدلات نمو اقتصادها

ميزان المدفوعات يحقق فائضا قدره 2.7 مليار دولار والمركزي يعزوه لتحسن الفائض الخدمي

TT

قدر خبراء ومحللون اقتصاديون حجم الاستثمارات المطلوبة لإحداث طفرة في معدلات النمو المستهدفة في مصر خلال المرحلة المقبلة بنحو 20 مليار دولار، معتبرين أن توفير هذا التمويل يمثل أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة في سعيها لتحسين مناخ الاستثمار والارتفاع بمعدل النمو الى خمسة في المائة سنويا. وتتصدر قضية حفز الاستثمار أولويات الحكومة المصرية الجديدة برئاسة الدكتور أحمد نظيف التي باشرت مهامها منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي خلفا لحكومة الدكتور عاطف عبيد. وفي هذا الاطار أعلنت الحكومة تدشين وزارة جديدة للاستثمار تضم كافة الهيئات والجهات ذات الصلة بالتعامل مع المستثمرين بهدف تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار باعتباره الركيزة الأساسية لدفع النشاط الاقتصادى وتوفير فرص عمل جديدة.

وشدد وزير الاستثمار الدكتور محمود محيى الدين، على أن هذا الهدف يمثل توجها عاما للحكومة الجديدة التي تدرك أن الاستثمار هو «رهان المستقبل»، وأنه لا بديل عن تحقيق طفرة حقيقية في معدلات التدفقات الرأسمالية لضخ الأموال اللازمة لدفع النمو في مختلف قطاعات الاقتصاد التي عانت تراجعا في معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر في السنوات الأخيرة وتقلصت الى 89 مليون جنيه خلال النصف الأول من العام الجاري. ويرى خبراء ان مصر لديها إمكانيات تؤهلها لاحتلال مكانة مرموقة ضمن الدول والأسواق الجاذبة للاستثمار الأجنبي، إلا أنها بحاجة إلى جهود ترويجية لطرح ما لديها من فرص استثمارية عديدة أمام المستثمرين الأجانب في الأسواق الخارجية واقناعهم بوجود تحسن حقيقي في مناخ الاستثمار في الداخل. وتشمل حزمة السياسات التي أعلنتها الحكومة الجديدة تأكيدا لجديتها في تحسين مناخ الاستثمار وحفز المستثمرين المحليين أو الأجانب على السواء اعطاء أولوية متقدمة لاجراءات الإصلاح الجمركى والضريبى وازالة المعوقات البيروقراطية التي طالما حدت من اطلاق طاقات الاستثمار وأدت الى تراجع معدلاته في السنوات الأخيرة.

كما تسعى الحكومة الى تفعيل دور الجهاز المصرفي وتذليل المشكلات التي تحول من دون قيامه بدور أساسي في تنمية الاستثمار وتوفير التمويل اللازم للنشاط الاقتصادى وتعزيز الصادرات المصرية وتنشيط السياحة باعتبارهما أهم مصدرين لتلبية احتياجات الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي. وتستهدف الحكومة الوصول بعدد السائحين الوافدين الى ستة ملايين سائح بعد أن نجحت مصر في تجاوز حاجز الخمسة ملايين سائح في العام المنقضي.

ورهن خبراء نجاح الحكومة في انجاز مهامها بمدى قدرتها على تنسيق أعمال الهيئات والجهات المختلفة ذات الصلة بأنشطة الاستثمار وتجنب حدوث تصادم او تعارض في الاختصاصات والقرارات. وفي هذا الاطار تم دمج وزارتي الصناعة والتجارة الخارجية بهدف فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية والترويج لجذب الاستثمارات الخارجية الى مصر. وسعيا لكسب ثقة القطاع الخاص الذي تعاظم دوره في الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة، تم للمرة الأولى اسناد وزارتين مهمتين ـ التجارة الخارجية والصناعة، والسياحة ـ لرجال أعمال ذوي سجل بارز في هذه المجالات. وفي هذا السياق أيضا تم اخضاع البورصة وهيئة سوق المال وهيئة الاستثمار والهيئة المستحدثة للتمويل العقاري وقطاع التأمين الى وزارة الاستثمار الجديدة لتنسيق أعمال هذه الجهات في خدمة المستثمرين وتنشيط اسهامها في تعبئة المدخرات وضخ الأموال اللازمة لدفع عجلة الاستثمار وتسريع برنامج الخصخصة الذي تباطأت خطواته في العامين الأخيرين. كما عكس تشكيل الحكومة الجديدة رغبة في ضخ دماء جديدة للأداء الحكومي والاتجاه صوب الاعتماد على التقنية المتقدمة لتعظيم الاستفادة من حجم الاستثمارات البالغ 445 مليار جنيه في مشروعات البنية الأساسية في كافة القطاعات حتى حلول العام 2007 وتشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية لتعظيم العائد من تلك الاستثمارات. ويرى خبراء ان أمام الحكومة الجديدة فرصة للافادة من المؤشرات الايجابية التي عكسها أداء الاقتصاد المصري خلال الربع الثالث من العام المالى 2003/2004 بارتفاع قيمة الصادرات إلى الخارج ونمو الودائع لدى الجهاز المصري وتزايد احتياطيات النقد الأجنبي.

ووفقا للبيانات الرسمية فقد ارتفعت حصيلة الصادرات المصرية الى 2890 مليون دولار مقابل 2286 مليون دولار في الربع الأول من عام 2004، كما قفزت الصادرات البترولية خلال الفترة ذاتها الى 1148 مليون دولار مقابل 874 مليون دولار. وزادت الواردات الى 4831 مليون دولار مقابل 4121 مليون دولار، وتصدرت السلع الوسيطة تلك القائمة بنحو 1432 مليون دولار تلتها السلع الاستثمارية بقيمة 1057 مليون دولار. وارتفعت الاحتياطيات الدولية في مايو (أيار) الماضى الى 14 مليارا و419 مليون دولار مقابل 14 مليارا و305 ملايين دولار في شهر ابريل (نيسان)، وتراجعت معدلات التضخم الشهرية (وفقا لأسعار المستهليكن) في شهر مايو الماضى الى 0.1 في المائة مقابل 0.5 في المائة في ابريل وبلغت السيولة المحلية 432.3 مليار جنيه في نهاية مايو 2004 بزيادة قدرها 48 مليار جنيه بمعدل نمو 12 في المائة. وعزا الخبراء هذا التحسن الى ارتفاع المعروض النقدى بمقدار 9 مليارات جنيه بنسبة 13 في المائة الى جانب ارتفاع صافى الأصول الأجنبية للجهاز المصرفى بما يعادل 16 مليار جنيه بمعدل نمو 63 في المائة. وفي المقابل زاد الدين الخارجي في نهاية مارس (آذار) بنحو 0.7 مليار دولار ليصل الى 29.4 مليار دولار مما رفع أعباء خدمة الدين بنحو 188.8 مليون دولار لتصل الى ملياري دولار. كما ارتفع الدين المحلي المستحق على الحكومة الى 284.2 مليار جنيه في نهاية مارس بزيادة قدرها 32 مليار جنيه.

وحقق ميزان المدفوعات فائضا جاريا بلغ 2.7 مليار دولار في الفترة من يوليو الى مارس من العام المالى 2003 /2004 مقابل 0.8 مليار خلال الفترة المناظرة من السنة المالية السابقة. وأرجع البنك المركزي هذا الارتفاع الى تحسن فائض الميزان الخدمي بنسبة 52 في المائة ليصل الى 9.6 مليار دولار وارتفاع ميزان التحويلات بنسبة 5.3 في المائة بمقدار 2.7 مليار دولار.

وعلى صعيد السياحة التي تعول الحكومة المصرية كثيرا على تحقيق طفرة في معدلاتها في الفترة المقبلة فقد أعلنت الحكومة أفكارا وسياسات جديدة لتشجيع الاستثمار السياحي العربي والأجنبي شملت تقديم الأراضي في مناطق الاستثمار السياحي الجديدة بأسعار رمزية «دولار للمتر المربع» وتسدد على عشرة أقساط واعفاء رؤوس الأموال من رسوم التمغة والتوثيق والشهر العقاري وتخفيض الجمارك على المعدات والتجهيزات اللازمة للمشروعات السياحية. كما تم اخضاع الشركة القابضة للاسكان والسياحة والسينما الى وزارة السياحة بهدف الاسراع في خطوات نقل ملكية الشركات والمنشآت والأراضي المملوكة للدولة في قطاع السياحة والفنادق والانشطة الترفيهية الى القطاع الخاص وجذب الشركات العالمية للدخول بقوة في هذه المجالات.

وفي تصريح له أكد أحمد المغربي وزير السياحة أن الفترة المقبلة ستشهد اهتماما متزايدا بسياحة التسوق التي يمكن أن تدر دخلا سنويا يبلغ نحو 3.5 مليار دولار سنويا مع التوسع في الافادة من الطاقة الفندقية التي زادت الى 160 ألف غرفة حاليا. وأكد المغربى أهمية الاعتماد على السياحة العربية في المرحلة المقبلة الى جانب السياحة الأوروبية التي تحتل المرتبة الأولى في حجم السياحة الوافدة الى مصر...وفي هذا السياق أعلنت وزارة السياحة عن اتجاهها لانشاء مكاتب سياحية للتنشيط في الدول العربية وتقديم تسهيلات كبيرة للسائح العربي تتمثل في سهولة الحصول على تأشيرة الدخول وتجديد فترة الإقامة للسياحة والزيارة والعلاج لمدة عام وامكانية اصطحاب المرافقين والسيارات لمدة ستة أشهر واعفاء الهدايا التي يشتريها السائح العربي من الجمارك واعطاء حق التمليك لعقارين بقصد السكن.

ووفقا لأرقام وزارة السياحة فقد تجاوز عدد السائحين العرب المليون سائح خلال العام الماضي، كما ارتفع حجم الاستثمارات العربية في مجال السياحة الى 5.3 مليار جنيه تصدرتها الاستثمارات السعودية التي سجلت 2.1 مليار جنيه في أكثر من 21 مشروعا سياحيا. وترى مصر امكانية واسعة لزيادة حصتها من السياحة العربية البينية التي تمثل حاليا نحو 42% من اجمالي الحركة السياحية العربية، وتستحوذ السياحة العائلية على 85% من حجم السياحة العربية، فيما تمثل سياحة الافراد 15% وتشكل سياحة الاجازات 90% من السائحين العرب فيما لا تتجاوز سياحة رجال الأعمال نسبة 10% فقط.