مصر: إطلاق أوعية ادخارية بفائدة مميزة تثير مخاوف تعميق التباطؤ الاقتصادي وزيادة عبء خدمة الدين

البنوك المصرية تعيش حالة من الحيرة والترقب.. والغموض يسيطر على اتجاهات أسعار الفائدة في الفترة المقبلة

TT

رغم وجود زيادة واضحة في السيولة قدرها أحدث تقرير للبنك المركزي بنحو 46.9 مليار جنيه ما يعادل ( 7.55 مليار دولار) في مطلع يونيو (حزيران) الماضي وعن توظيف هذه الأموال في مشروعات جديدة بلغت التسهيلات الائتمانية حوالي 296 مليار جنيه ما يعادل ( 47.67 مليار دولار )، فقد أطلقت بعض البنوك المصرية العامة والمشتركة خدمة جديدة من الأوعية الادخارية بالعملة الوطنية وبفائدة مميزة 12% وبأجل 3 سنوات، الأمر الذي وصفه المصرفيون بالغموض لاسيما أن البنوك ليست في حاجة لجذب المزيد من المدخرات علاوة على أن رفع الفائدة سوف يعمق التباطؤ الاقتصادي ويزيد من عبء خدمة الدين، الأمر الذي سينعكس سلباً على عجز الموازنة العامة كما شكك المصرفيون في قدرة هذه الخطوة على كبح جماح التضخم وعللوا ذلك بأن التضخم في مصر ليس نتاج افراط في الانفاق الاستهلاكي وزيادة في الطلب على السلع والخدمات يتم التعامل معه بسحب السيولة من السوق بقدر ما هو ارتفاع في تكلفة الانتاج أدت إلى زيادة الأسعار. وفيما رصدت البنوك التي أطلقت الأوعية الادخارية الجديدة اقبالاً ملحوظاً عليها مؤكد عزمها التوسع في الاستثمار بقطاعات الغاز والأسمدة والطاقة وتقنية المعلومات والاتصالات تحفظت معظم البنوك الأخرى على هذه الخطوة واستبعدت مجاراتها معترفة بأنها تعيش حالة من الحيرة والترقب في ظل الغموض الذي يسيطر على اتجاهات أسعار الفائدة في الفترة المقبلة، هذا المعنى أكده رئيس مجلس ادارة بنك مصر ـ ايران ومحافظ البنك المركزي الأسبق اسماعيل حسن بقوله إن عدم وضوح الرؤية بالنسبة للفائدة يصعب اتخاذ القرار الائتماني والاستثماري السليم، ففي الوقت الذي يعطي فيه البنك المركزي مؤشرات على استقرار الأسعار نجد أن وزارة المالية ترفع الفائدة على أذون الخزانة وأحياناً يحدث العكس، وأشار إلى أن حالة التذبذب والتناقض امتدت إلى كل وحدات القطاع المصرفي حيث اتجهت بعض البنوك خلال الفترة الماضية لخفض أسعار الفائدة في محاولة منها لخفض تكلفة الأموال لديها وعدم تحملها الأعباء الناجمة عن ارتفاع معدل السيولة بينما قامت بنوك أخرى برفع أسعار الفائدة لديها في محاولة لجذب مزيد من الأموال. وأضاف أنه يفضل التأني في اتخاذ قرار رفع سعر الفائدة للتأكد مما إذا كان البنك المركزي مستمرا في سياسة التوسع في سحب السيولة أم أن ذلك حالة مؤقتة متوقعاً أن تستمر حالة الترقب بعض الوقت تجنباً لاعباء ضخمة يمكن أن تؤثر سلباً على ايرادات البنوك السنوية وبالتالي صافي أرباحها. ومن جهته استبعد رئيس مجلس ادارة البنك الأهلي المصري حسين عبد العزيز أن تؤثر الأوعية الادخارية الجديدة على سعر الفائدة على القروض فيما رصد تحولاً ملحوظاً في الودائع الدولارية لصالح الجنيه المصري خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت اطلاق هذا الوعاء الادخاري غير أنه رفض تحديد نسبة التحول، وقلل عبد العزيز من مخاوف تراكم السيولة لدى البنك نتيجة الاقبال الملحوظ على الوعاء الجديد ذي الفائدة المميزة 12% موضحاً أن هذه الخطوة تأتي في اطار تطوير السياسة النقدية لخدمة السياسات الاقتصادية وخطط التنمية وفي مقدمتها السيطرة على معدلات التضخم ورفع معدل الادخار من 17.5% إلى 25% واعادة الثقة في العملة الوطنية والقضاء نهائيا على الدولرة. وذكر أن البنك لديه خطط للتوسع في الاستثمار بقطاعات واعدة في مقدمتها الاتصالات والأسمدة والغاز وتقنية المعلومات، موضحاً أن الاستثمار في هذه القطاعات يحتاج أموالاً ضخمة كما أنه بدد عائداً كبيراً.

وقال نائب رئيس بنك مصر عباس الجوهري إن طرح هذا الوعاء الادخاري يتوافق مع توجهات الحكومة خلال الفترة المقبلة، كما أنه يعزز توجه البنوك العامة وبعض البنوك الاستثمارية الأخرى نحو مد جسور الثقة مع الجادين من رجال الأعمال ومشاركة القطاع الخاص في تغطية وضمان الاكتتاب في السندات التي يعتزم القطاع الخاص اصدارها خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن نجاح بنوك مصر والأهلي المصري والاسكندرية في ابرام عقد لتغطية الاكتتاب في سندات شركة أوراسكوم تليكوم القابضة بقيمة 1.6 مليار جنيه يؤكد أن البنوك قادرة على توظيف الأموال لديها بكفاءة. وأكد رئيس مجلس ادارة بنك النيل كمال الصباغ أن التوجه نحو تدعيم السيولة لدى البنك أمر ايجابي ولا يتناقض مع سياسة البنك المركزي والحكومة خلال الفترة المقبلة، وأضاف أن طرح أوعية ادخارية بفائدة مميزة أحد أهم الأدوات المعروفة التي يمكنها احتواء التضخم على المدى القصير واستعادة الثقة في العملة الوطنية، وأشار إلى أن رفع الفائدة إذا اتخذ ضمن منظومة متكاملة من الاجراءات وعلى رأسها خفض الضرائب بالسوق سوف يعود في النهاية بالايجاب على زيادة الاستثمارات الأجنبية وإن كان على المدى القصير سيؤدي لزيادة الدين العام المحلي، وتابع الصباغ أن استمرار مؤشرات البنك المركزي المصري على وضعها الحالي وأسعاره على عطاءات أذون الخزانة التي يقبلها لفترات تبدأ من يوم وحتى سنة ستكون بمثابة الضوء الأخضر لرفع الفائدة على ودائع العملاء بالبنوك وهذا هو المرجح. وذكر أن بنك النيل في حاجة لمزيد من السيولة ولذلك لجأ إلى اصدار وعاء ادخاري بفائدة مرتفعة معترفاً أن حصيلة هذا الوعاء تأثرت بشدة عقب اطلاق بنكي مصر والأهلي المصري وعاء ادخارياً بفائدة 12%. ومن جانبها توقعت العضو المنتدب للبنك التجاري الدولي سحر السلاب هذه الخطوة، ورجحت أن تشهد أسعار الفائدة سواء بالبنوك العامة أو الخاصة ارتفاعات تدريجية بدرجات متفاوتة تبعاً لاتجاهات أسعار أذون الخزانة التي تطرحها وزارة المالية، وأوضحت أن البنك التجاري الدولي لجأ إلى تحريك أسعار الفائدة لديه بنسبة 0.5% سعياً لتوظيف أفضل للسيولة المالية المتاحة لديه والموائمة بين استثمار الأموال في أذون الخزانة بسعر أعلى ومنح سعر فائدة مميز للعملاء، وافترضت أن يساعد ذلك المقترضين على تحمل زيادة مماثلة في أسعار الاقراض. وترى أن اطلاق الأوعية الادخارية الجديدة سوف يشجع الكثير من البنوك المترددة لاسيما الخاصة على اتخاذ قرارات برفع أسعار الفائدة تجنباً لعمليات سحب لصالح الأوعية الجديدة وكذلك سعياً لتوسيع حصتها من السيولة المتاحة في السوق. وأوضح رئيس بنك الدلتا الدولي علي نجم أن لجوء بنك أو أكثر إلى رفع أسعار الفائدة للمودعين لديه يخضع لدرجة احتياجه لزيادة السيولة المالية والامكانات المتاحة لتوظيف هذه الأموال، وذكر أن هناك توجهاً لزيادة معدلات الائتمان خلال المرحلة المقبلة والخروج من دائرة الشك التي تسببت فيها مشكلة التعثر، الأمر الذي يتطلب مزيداً من السيولة، وأضاف أن الأوعية الادخارية الجديدة تمنح الأسرة المصرية عائدا أفضل وبصفة دورية للأسرة المصرية وتحد من الانفاق على السلع والخدمات وبالتالي تساهم في خفض معدلات التضخم وتمنح البنوك مرونة في الائتمان خاصة أنها معفاة من النسبة التي تخصم لصالح الاحتياطي النقدي للبنك المركزي. ومن جهته حذر وزير التخطيط السابق الدكتور أحمد الدرش من الهرولة تجاه رفع أسعار الفائدة، مؤكداً أن التكلفة ستكون كبيرة على الموازنة العامة للدولة، وأوضح أن رفع الفائدة بنحو 1% يكلف الموازنة عبئاً اضافياً قيمته 2.1 مليار جنيه.

وأضاف أنه في مقابل ايجابيات رفع سعر الفائدة هناك سلبيات خطيرة تتمثل في ارتفاع تكلفة الاقراض مما يؤثر سلباً على المشروعات التنموية ويحد من فرص جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وقال ان السيطرة على التضخم أمر جيد غير أن التضخم في مصر ليس نتاج زيادة سيولة لدى المواطنين مصحوبة بزيادة في الطلب على السلع والخدمات بمستوى يفوق المعروض منها مما يؤدي لارتفاع الأسعار، وأشار إلى أن رفع الفائدة في هذه الحالة ربما لا يأتي بالنتيجة المستهدفة خاصة أن التضخم كان نتاج ارتفاع في تكلفة الانتاج.