جدل واسع في مصر حول تطبيق حكم عدم دستورية رسوم الخدمات الجمركية بأثر رجعي وسط توقعات بتجاوز الأموال المحصلة 806 ملايين دولار

TT

يسود الاوساط الاقتصادية في مصر حاليا جدل واسع مصحوب بحالة من الترقب والحذر بعد الحكم الذي اصدرته المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية رسوم الخدمات التي كان يتم تحصيلها في المنافذ الجمركية بموجب قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993 و 123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين رقمي 1208 لسنة 1996 و752 سنة 1997 والصادرة جميعها على ضوء المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1966 حول تطبيق الحكم بأثر رجعي على الدعاوى المستقبلية أو المعروضة حاليا على المحاكم بجميع درجاتها خاصة وان الحكومة عندما اعلنت عن الغاء هذه الرسوم يوم 7 سبتمبر (أيلول) الماضي اكدت على لسان وزراء المالية والاستثمار والصناعة والتجارة انها خطوة اصلاحية نحو تخفيض الرسوم الجمركية لتحسين البيئة الاستثمارية وتنقية المناخ الاستثماري مما يساعد على تنشيط حركة الاقتصاد القومي.

لكن احد الخبراء أكد ان الحكومة المصرية كانت مجبرة على الغاء هذه الرسوم عقب صدور حكم بعدم دستورية هذه الرسوم يوم 5 سبتمبر أي قبل اتخاذ قرار الغائها بيومين فقط، مضيفا ان هذا الحكم وضع الحكومة في مأزق حيث باتت وزارة المالية مهددة برفع دعاوي قضائية لاسترداد رسوم الخدمات التي سبق تحصيلها بدون وجه حق أي المطالبة بتطبيق حكم المحكمة الدستورية بأثر رجعي وهو ما قد يكلف خزانة الدولة نحو 5 مليارات جنيه (حوالي 806 ملايين دولار).

وكان الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية قد عقد مؤتمرا صحافيا مشتركا مع وزيري الاستثمار والصناعة والتجارة يوم 7 سبتمبر الماضي اعلن فيه ملامح التعريفة الجمركية الجديدة مشيرا الى الغاء كافة رسوم الخدمات داخل المنافذ الجمركية بهدف تبسيط الاجراءات وتحسين البيئة الاستثمارية، الا انه تبين بعد ذلك ان المحكمة الدستورية كانت قد اصدرت حكما، حصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منه، يوم 5 سبتمبر بعدم دستورية رسوم الخدمات بالمنافذ الجمركية، وقضت المحكمة بعدم دستورية الفقرتين الاولى والاخيرة من المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963، ومن ثم سقوط القرارات الوزارية التي تنص على فرض رسوم خدمات بالمنافذ الجمركية.

وقال كامل النجار رئيس مصلحة الجمارك الاسبق ان تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي في بداية التسعينيات استتبعه تخفيض بعض فئات التعريفة الجمركية ولتعويض عجز الحصيلة الناتج عن هذه التخفيضات اصدر وزير المالية ـ دون سند من القانون ـ القرار رقم 255 لسنة 1993 بفرض رسوم خدمات على شكل وحصر وتصنيف البضائع بنسبة 1% وعندما انعكست ايجابيات القرار على الحصيلة اصدر وزير المالية القرار رقم 123 لسنة 1994 بفرض رسوم اضافية على نفس الخدمات بواقع 2% من قيمة الرسائل التي تخضع لفئة ضريبة اكثر من 30% الامر الذي ادى الى لجوء اصحاب الشأن الى القضاء للمطالبة برد ما تم تسديده بدون وجه حق وبالفعل صدرت مئات الاحكام برد رسوم الخدمات التي سبق دفعها وبعد مرور 10 سنوات جاء حكم المحكمة الدستورية ليلغي المادة 111 من قانون الجمارك ويسقط القرارات الوزارية الخاصة بفرض رسوم خدمات على الواردات بالمنافذ الجمركية ثم جاء قرار وزير المالية رقم 1230 لسنة 2004 الذي الغى كافة الرسوم والمصاريف الإدارية تطبيقا للحكم.

وأكد ان وزارة المالية قامت برفع بعض فئات التعريفة الجمركية الأخيرة على بعض السلع لمواجهة عجز الحصيلة المتوقع بعد إلغاء رسوم الخدمات، مشيرا الى المأزق الذي تواجهه وزارة المالية حاليا وهو عبء تنفيذ الأحكام التي صدرت وقد تصدر تباعا برد رسوم الخدمات التي تم تحصيلها ـ دون سند قانوني ـ منذ عام 1993 وحتى صدور قرار وزير المالية بإلغائها، مبينا انه يعتقد ان ما تم تحصيله خلال هذه الفترة يصل الى نحو 5 مليارات جنيه، مؤكدا ان هذا الدين لا يسقط بالتقادم. الا ان مصدر قانوني بمصلحة الجمارك نفى ذلك مؤكدا ان احكام المحكمة الدستورية لا تطبق بأثر رجعي على الضرائب والرسوم التي تم تحصيلها وفقا لنصوص حكم بعدم دستوريتها، مشيرا الى ان القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 اكد على ان الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الاحوال الا اثر مباشر على سقوط النص من دون ان يكون لاي ممول الحق في تطبيق احكام الدستورية بأثر رجعي.

ومن جانبه أكد الدكتور زكريا بيومي استاذ التشريعات المالية والمحامي بالنقض ان الحكم بعدم دستورية رسوم الخدمات سيطبق عليه مبدأ الاثر الرجعي لسببين، الاول هو ان القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 لم يلغ الاثر الرجعي لاحكام عدم الدستورية المتعلقة بنصوص غير ضريبية وقد تتابعت احكام الدوائر المدنية لمحكمة النقض مؤكدة على ذلك، اما السبب الثاني فهو أن حكم المحكمة الدستورية القاضي بسقوط قرارات وزير المالية بفرض رسوم خدمات يعتبر حكما صادرا في شأن نص غير ضريبي حيث انه يتعلق بالغاء رسوم وليس ضريبة، مشيرا الى ان الحكم اوضح بجلاء الفرق بين الرسم والضريبة وبناء عليه فإن حكم عدم دستورية رسوم الخدمات هو حكم يتعلق بنصوص غير ضريبية وبالتالي يتعين تطبيقه على الدعاوى المستقبلية أو الدعاوى المعروضة امام المحاكم على اختلاف درجاتها بأثر رجعي.