باحث عربي بجامعة جورج تاون: هيمنة المؤسسة السياسية ووجود الموارد النفطية أبرز معوقات الإصلاح الاقتصادي في المنطقة العربية

د. خالد يوسف لـ «الشرق الاوسط»: ارتفاع نسبة البطالة وضعف الأجور وتراجع نسب النمو مؤشرات ارتباك الاقتصاد عربيا

TT

أكد البروفسور خالد يوسف أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج تاون الأميركية والباحث في الشؤون الاقتصادية بالمنطقة العربية وأفريقيا، أن تدني الأجور وربط المصير بالنفط، سيؤديان في النهاية إلى مزيد من إرباك الوضع الاقتصاد العربي، محذرا في ذات الوقت من الهيمنة السياسية المطلقة على الوضع الاقتصادي، في حين أنه لا بد أن يكون هناك توازن بين القوى المؤثرة في مسارات السياسة والاقتصاد داخل البلدان العربية. وأشار يوسف في حواره مع «الشرق الأوسط»، إلى أن ربط الإصلاح الاقتصادي في الدول العربية بالإصلاح السياسي بدون اتخاذ خطوات في سبيل تنفيذ ذلك، قد يعوق حركة الاقتصاد العربي الهزيل حاليا، ولا يمّكنه من التقدم مع متغيرات الأوضاع الاقتصادية عالميا، خاصة في ظل التخلف الذي تعيشه الدول العربية في جميع مناحي الحياة.

والبروفسور خالد يوسف حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد في مجال الاقتصاد وإدارة صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عام 1997، وتخصص في اقتصاديات التنمية وتاريخ الاقتصاد مع التركيز على المنطقة العربية والشرق الأوسط. وقد كتب وأصدر العديد من الكتب والمقالات والدراسات والأبحاث عن الأوضاع السكانية والعمالية والتكامل التجاري والسياسي والإصلاحات الاقتصادية. ويعمل مستشارا لمشروع الألفية التابع للأمم المتحدة، والبنك الدولي، ولمؤسسات حكومية أميركية مختلفة، إضافة لعمله في جامعة جورج تاون الأميركية.

هنا نص الحوار:

* لا يشك أحد في أن سير العجلة الاقتصادية في الدول العربية القائمة غير فعال بالشكل المطلوب خاصة على ذلك النوع الاقتصادي الذي ينعكس بشكل مباشر على الفرد نتيجة تطبيق الاقتصاد بمعناه المحسوس والديناميكي.. أنت تؤمن بذلك فما مبرراتك؟

ـ نعم، أؤكد على ذلك بقوة حيث أن المعايير الاقتصادية الثلاثة والتي سأذكرها حاليا تثبت أن الاقتصاد في الدول العربية لا يزال كسيحا وغير فعال بالأبعاد المرجوة والمفترضة، وخلق تعوقا في حركة الاقتصاد العربي. خذ المعيار الأول وهو يخص ارتفاع نسبة البطالة في الدول العربية، ولعل كل فرد عربي يلمس ذلك في بلده ولا يحتاج لمزيد شرح. والمعيار الثاني ضعف نسبة معدلات النمو الاقتصادي، والمعايير الدولية التي تشير للدول العرب، تؤكد أن هناك نموا لكنه ضعيف وبشكل غير ملحوظ ولا يقارن ببعض الدول التي تبحث فعلا عن النمو. وثالث تلك المعايير تدني الأجور للعمالة العربية، وهذا المعيار بالمناسبة مكشوف وجلي في جميع الدول العربية النفطية منها وغير النفطية، وإذا ما استمر الوضع على حاله هذا سيؤدي إلى شل الوضع الاقتصادي وبقائه تحت رحمة الاجتهادات.

* تركز في بحوثك على قضية معوقات الإصلاح العربي، فما هي؟

ـ شخصيا أرى أن أكبر معوقات الإصلاح الاقتصادي العربي هي وجود الموارد النفطية التي جعلت الدول المصدرة لها تنتعش وتتقدم بشكل سريع باعتماد تام عليها فتسبب ذلك في تعطيل برامج واستراتيجيات اقتصادية عديدة مفترضة يمكن أن تقوم لولا وجود النفط، وهذا يشدني إلى النقطة الأخرى، وهي وجوب ربط الإصلاح الاقتصادي بالإصلاح السياسي، مما جعله يسير بوتيرة بطيئة جدا، إذ مهما بلغت الطاقات والإمكانيات المتوافرة للبلد والشعب من دون إرادة سياسية صالحة فلا تقدم للاقتصاد بشكل فاعل، وسيكون التقدم عبر الصدف أو تابعا لمصالح معينة. نعم أؤكد لك أن هذين المعوقين لم يسهما في إعادة التفكير في إدارة موارد الدول العربية بالشكل الاقتصادي المحترف، وإدخال أنظمة الشفافية التي هي بالضرورة لا بد أن تحجّم الهيمنة السياسية على الاقتصاديات.

* كيف يمكن جعل الاقتصاد بجميع أدواته فاعلا وفك حصار استفادة بعض الأفراد والبقية قابعون في عالم الفقر؟

ـ أنا مؤمن بأن جزءا من المشكلة القائمة في الاقتصاد العربي هو هيمنة المؤسسة الحكومية التي خلقت تشوهات في البيئة الاقتصادية في العالم العربي، مما انعكس على الوضع، خاصة أن تلك المؤسسات فيها خلل، فمن الطبيعي أن يكون في إدارتها للموارد الاقتصادية نوع من اللبس، فيضعف أداء القطاعات العاملة فيها.

* تؤمن بمبدأ أن الإصلاح الاقتصادي لا يسير أساسا إلا بنظام حكم صالح، حيث أن دور الحكومات عامل مهم في قضية الإصلاحات الاقتصادية، كيف تفسر تلك الفرضية؟

- كنت أقول وما أزال أن دور الحكومة في مجال الاقتصاد يحتاج إلى إعادة تحديد، فإذا لم يعد بوسع الدول أن تكون مصدرا أساسيا للتوظيف، فينبغي أن تكون قادرة على أن تلعب دورا أكبر كشريك في تحسين أوضاع نمو اقتصاديات البلدان بمعدلات تنافسية. أؤمن بأن الجهود التي يتطلبها إصلاح اقتصاديات المنطقة تتوقف على مصداقية الحكومات وعلى قدرة مؤسسات الدولة في إدارة عملية تغيير معقدة وبعيدة المدى، فالحكومات في هذه المنطقة تعوقها القيود المتمثلة بالبنى المؤسساتية التي أقيمت من أجل دعم سياسات إعادة توزيع الثروة والتدخل في الاقتصاد، وما تعانيه مثل هذه المؤسسات من صعوبات في التكيف مع أي مهام أو سياسات أو إجراءات تنظيمية جديدة، فالحكومات في حاجة إلى الأدوات المؤسساتية والتنظيمية لإدارة عملية التحول الاقتصادي الصعبة في ظل ظروف متقلبة اقتصاديا واجتماعيا. أرى أن إصلاحات نظم الحكم مسألة جوهرية لإتاحة الفرصة أمام حكومات منطقة الشرق الأوسط إجمالا بالإفصاح بمصداقية عن رؤية جديدة للعلاقات بين الدولة والمجتمع وفي وضع رؤية موضع التنفيذ. إن المهام المرتبطة بهذا الهدف تتطلب قسطا من المبادرة الحكومية ومن الإبداع، ومن الكفاءة التي يجب أن تتبنى بقوة في كل مكان من هذه المنطقة. على الحكومات نفسها إذا ما أرادت أن تتحرك قدما، أن تربط حسن الأداء الاقتصادي بالحكم الجيد، يجب عليها أن تؤسس آليات سيادة القانون لتضمن خضوعها الذاتي للمساءلة أمام الناس، ولتضمن الشفافية، بما في ذلك ما يختص بالميزانية العامة والسياسة المالية، كي يتمكن المواطنون من التدقيق في الأداء الحكومي وإلزام الموظفين الرسميين بالمساءلة إزاء ما يصدر عنهم من أعمال.

* هناك دعوات بالخصخصة وحرية الاقتصاد في العالم العربي، بل وتزايدت في الآونة الأخيرة، المهم الآن كيف يتم ذلك؟

ـ دعني أقول لك بصراحة نحن الآن لدينا إشكاليات ظاهرة للعيان وفي عمليات شد وجذب في قضية الخصخصة التي هي حل اقتصادي ناجح بلا شك، إنما كما ذكرت سابقا ارتباط الاقتصاد بالحزم السياسية المطبقة في العالم العربي بوضعها الحالي وشكلها الخاطئ، لن يجعلنا نفكر بالخصخصة، بل ما سيحدث هو زيادة معدلات الفقر وارتفاع البطالة وتراجع مستويات النمو، مما لا يسمح للدول العربية القيام بالتزاماتها المتكررة. وللحقيقة لا بد من الإشادة ببعض الدول التي تحاول التقدم ببعض الخطوات وتنفيذ بعض الأساليب الاقتصادية في تطوير مصادرها وإمكانياتها كبعض دول الخليج.

* ضمن التحولات الجوهرية التي تدعوا لها في دراستك المتعلقة بتصحيح مسار التجارة والاستثمار وخلق فرص عمل أكثر في المنطقة العربية إعادة تنشيط القطاع الخاص، كيف يتم ذلك؟

ـ اسمح لي أن أقول لك أن محاولات دول المنطقة والتي اختلفت في درجة النجاح والكثافة في توسيع نشاط القطاع الخاص والذي قابلها تدني في أهمية القطاع العام عبر الخطوات التي اتخذت تجاه خصخصة المشروعات المملوكة للدولة وتخفيض الدعم الذي يقدم لها، إلا أنه مع ذلك فقد ظلت حصة حكومات المنطقة في الناتج المحلي الإجمالي كبيرة مما جعل مساهمة القطاع الخاص محدودة جدا. وهذا الأمر ذو أثر سلبي لا يشجع الدخول في مشروعات أو تأسيس شركات جديدة مع ما تواجهه من مصاعب وعقبات جمة تعترض دخولها سواء فيما يخص الوقت، أو التكلفة المالية اللازمة للحصول على الموافقات الإدارية. إن منطقة الشرق الأوسط إجمالا أسوأ مناطق العالم فيما يخص التعقيدات التي تعترض القيام برفع أية دعوات قضائية أو البت فيها أو إنهائها. بل حتى في حال وجود قوانين وقواعد منظمة فإن عدم الاطمئنان إلى تطبيقاتها يخلق مشاكل كبيرة لدى أصحاب المشروعات الجديدة.

* برغم نبرة التشاؤم الحالية التي تعتري رأيك، ما هي القطاعات الاقتصادية التي لا بد من إعطائها الأولوية في المشروع الإصلاح الاقتصادي العربي؟

ـ أنا من الذين يؤمنون بأن الدول العربية لها قدرات خارقة بعقليات شعوبها، وتوافر بعض المحفزات الأخرى كالموارد الطبيعية والأيدي العاملة، ويمكنها إذا ما استفيد منها بشكل جيد خلق شعوب متقدمة. والمشروع الإصلاحي الاقتصادي في الدول العربية الذي زادت الأصوات المطالبة به، يعود إلى كل بلد وسياسته وخصوصياته في تنفيذ تلك الإصلاحات، لكن لابد من الإسراع في تنفيذ تلك البرامج لدفع أدائها وانعكاسها بشكل سريع على الواقع المعاش بحيثياته الاقتصادية، إن أهم تلك الإصلاحات في رأيي هي فك هيمنة الحكومات ولو بشكل جزء على الوضع الاقتصادي، وذلك بإعطاء القطاع الخاص حرية أكثر في فرض هيمنته الاقتصادية، وتسيير الأوضاع الاستثمارية مع مراقبة حكومية محددة الوظائف وبارزة المعالم، ثم لا بد من دفع النشاط الاقتصادي للاندماج مع الاقتصاد العالمي المتطور والسريع، كما لا بد من تخفيف وتقليل تأثير النفط وتقلبات الأسعار على الاقتصاد المحلي للدول المصدرة له. وأهم القطاعات الاقتصادية التي يجب على الدول العربية الاهتمام بها، قطاعا الخدمات والتجارة وما يتضمناه من نشاطات قوية يمكنها ضخ أموال سريعة للبلدان العربية، كالسياحة وتقنية المعلومات ونشاطات التأمين والشركات الكبرى، خاصة أن الدول العربية مؤهلة لذلك لما يمتلكه الفرد من تحصيل علمي جيد وثقافة واسعة وانتشار استخدام التقنية بين شبابها.

* ما قلته حول النفط، هل لك أن تسهب فيها قليلا؟

ـ انظر إلى وضع جميع الدول العربية المنتجة للنفط، وهو وضع مقلق ويجعلها على شفير خطر مستمر، إن على تلك الدول ألا تربط نفسها بالنفط وتقلباته، وأن تبدأ في اتخاذ سياسات وإجراءات للتملص من الحبل الملفوف على رقبتها، والذي قد يخنقها مع صعود أو هبوط الأسعار العالمية، عليها أن تتوجه لفتح مجالات أخرى ومصادر دخل ثانية وثالثة، وإن كان الأمر سيتطلب معاناة مريرة وطويلة المدى في تنفيذها وخلق الفرص المؤدية إليها.

* في ما يخص الإدارة الأفضل للثروة النفطية التي تؤمن بأنها أبرز نقاط التحول الإصلاحي في مجال الاقتصاد، ما هي رؤيتكم للخطوات التي يجب أن تتم لإدارة الموارد النفطية العربية؟

ـ أقول هنا، أن دولا كثيرة في منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى إجراء تحول من أجل أن تصبح اقتصادياتها أكثر استقرارا وتنوعا، وهو ما يتطلب إدارة أفضل لثرواتها النفطية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية لنشاطاتها الاقتصادية، وهو ما يعني بالضرورة إقامة المؤسسات المناسبة، وإدخال الضوابط على ميزانية الدولة التي تكفل حماية الإنفاق الحكومي من تقلبات أسعار النفط، كما تحقق المحافظ على عائداته بما يمكن الأجيال القادمة من استمرار الاستفادة منها عندما تنضب موارده. ببساطة هذا يعني تحسين فاعلية الإنفاق العام عبر تطوير نظم الميزانية العامة والتأكيد على رفع مستوى الأداء وعلى مبدأ الفاعلية والمساءلة. وأعيد هنا، أن تنويع النشاطات الإنتاجية هو أولوية متنامية ليس فقط للدول المعروفة باقتراب نضوب احتياطياتها النفطية، ولكن لجميع الدول المنتجة للنفط، إن معدل صادرات المنتجات الهيدروكربونية للفرد ظل في تدهور مستمر في مختلف بلدان المنطقة، وقد صحب هذا التدهور انخفاض في الطلب المحلي على الطاقة مع تسارع نمو السكان، ومن ثم فإنه يتحتم على حكومات المنطقة أن تطور مصادر جديدة لإيراداتها من أجل أن تضمن فعالية نفقاتها العامة.

* تتحدث بشكل كثيف عن الاندماج مع الاقتصاد العالمي، كيف ذلك؟

ـ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفيها بالطبع الدول العربية، من أقل المناطق اندماجا مع الاقتصاد العالمي، والذي أراه أنه من أهم التحولات في الاقتصاد العربي إذا ما تم، إلا أنني كما أسلفت فشلت تلك المناطق من الاستفادة من النمو الذي طرأ على التجارة العالمية ومن الاستثمار الخارجي خلال العقدين الماضيين، إن استجلاب المنطقة لتدفقات رأس المال الخاص العالمي كان هو الآخر ضعيفا على النقيض مما حدث في التجمعات القطرية الأخرى. إن ضعف الاندماج في الدول العربية مع الأسواق العربية يعكس الحوافز المحلية غير المواتية والتي ضاعف من تأثيرها معوقات التعامل داخل البلدان بفضل نظم التجارة بالمنقطة، وتكاليف النقل والاتصالات الباهظة والضعف في بيئة العمل في عدم تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي، هو أحد عناصر الاندماج مع الاقتصاد العالمي.