وزير التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي : الأمن عقبة رئيسية تقف في وجه تدفق المساعدات والاستثمارات الأجنبية

TT

أكد مهدي الحافظ، وزير التخطيط العراقي أن بلاده فقدت فرصا كثيرة بسبب الأعمال الإرهابية التي تتعرض لها. وآضاف في كلمة آلقاها أخيرا إن موضوع العراق اصبح هاجسا مقلقا بالنسبة لجهات عديدة، واذا كان الشعب العراقي هو الاشد تأثرا وصاحب المصلحة الاولى في معالجة مستقبل بلاده، الا ان العراق بما يملكه من ثروات طبيعية وموارد بشرية وميزات نسبية امسى ايضا موضع اهتمام اقليمي ودولي بمقاييس ملحوظة. والواقع ان ابعادا وعوامل كثيرة قد لعبت وتلعب اليوم في خلق القضية العراقية، وقد نختلف على تقدير حجم وأثر هذه العوامل والابعاد، لكننا نقترب من التوافق على ان مشكلة الحكم وانهاء الوجود الأجنبي في العراق هما المسألتان الأكثر الحاحا على جدول العمل السياسي في عراق اليوم. وهما مسألتان مترابطتان يتوجب حلهما بغية دفع عملية اعادة الاعمار والتنمية في البلاد الى الامام بما في ذلك تصفية تركة الماضي بجميع ابعادها. في هذا السياق يتعين ان نقترب من المعضلات والتحديات التي تواجهنا وان نلقي الضوء على الفرص الممكنة لإعمار العراق وإزالة اثار التخريب والدمار التي لحقت بالاقتصاد الوطني من ناحية، وتلمس إمكانات الدعم الدولي والاستثمار الاجنبي في بلوغ الأهداف المنشودة على هذا الطريق من ناحية ثانية. لقد توافرت معطيات ومؤشرات مهمة خلال الفترة المنصرمة منذ تغيير النظام السابق في ابريل 2003 مما تتطلب مراجعة وتقويما سليمين بهدف بلورة رؤية شاملة وصائبة لبناء مستقبل جديد. 1 ـ التحدي الاساسي: إنجاز العملية السياسية ان حل مشكلة الحكم وانهاء الوجود الاجنبي يرتبطان باستكمال مهمات العملية السياسية كما وردت في قرار مجلس الامن الاخير المرقم 1546 وكذلك أحكام قانون ادارة الدولة النافذ حاليا. فبموجب هاتين الوثيقتين يتعين أن تجري الانتخابات العامة قريبا لتأليف حكومة انتقالية جديدة، وصياغة دستور دائم تمهيدا لتطبيع الوضع العام وخلق مؤسسات تشريعية وتنفيذية في نهاية عام 2005 . وتتضمن هذه الخطة أيضا البت في بقاء القوات الأجنبية وفق ما يقرره الجانب العراقي. لا شك أن بلوغ هذه الاهداف وفق البرنامج الزمني المعتمد يمثل تحديا كبيرا أمام العراقيين كحكومة وتيارات سياسية مختلفة.

باعتبار ان المعضلة العراقية هي ذات طبيعة سياسية بالدرجة الاولى (مشكلة الحكم) ومطلوب أن تحل سياسيا. واليوم تطرح اول مهمة في هذه الخطة والمتمثلة باجراء الانتخابات في نهاية الشهر الحالي يناير 2005 . وعلى الرغم من الاستعدادات الجارية لتحقيق هذه المهمة الا ان تساؤلات كثيرة تبرز بشأن مدى ملائمة الظرف الراهن. وكذلك توفر المستلزمات الضرورية لاجراء هذه الانتخابات في التاريخ المذكور. وهذه مسألة جديرة بان تدرس وتقيم موضوعيا بعيدا عن أي مظهر من مظاهر التزمت السياسي والتعصب الطائفي توخياً لتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي في مناخ ديمقراطي شفاف وفي ظل توافق وطني بناء وأوضاع أمنية مستقرة في عموم البلاد.

والواقع ان اهمية انجاز العملية السياسية تكمن في الحاجة لخلق تجربة ديمقراطية في العراق، واعتماد نظام سليم لادارة المجتمع، أي انها تتضمن خلق مؤسسات للحكم، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، مستندة إلى الارادة الحرة للمواطنين على اساس التكافؤ والمساواة ومن غير تمييز لأية أسباب كانت. وهذا يتطلب أيضا صياغة قواعد للموازنة بين ارادة الاغلبية وحقوق الافراد، واحترام مصالح الجماعات الاثنية المختلفة، وأولاها خلق صيغة فدرالية للدولة لتأمين التكافل والتعامل الطوعي في ما بينها ولا سيما بين القوميتين الرئيسيتين العربية والكردية واحترام حقوق الجماعات القومية الأخرى.

اننا بصدد اعادة تحديد العلاقة بين الدولة والمجتمع، ففي العهد السابق كانت الدولة دولة شمولية ضالعة في كل شيء وكانت الجهة المهيمنة على مقدرات البلاد والنشاطات العامة. أما نموذج المستقبل فيجب أن يضع الدولة في وضع اكثر تقييدا، وهذه تركة ثقيلة من الصعب إزالتها. ان بلوغ حكم رشيد متعذرٌ اذا سيطرت الدولة على المجتمع، بل يجب الاخذ بقاعدة اللامركزية في توزيع السلطة في جميع انحاء البلاد. فسلامة الحكم تقتضي وجود مجتمع مدني نشط واعلام وصحافة مستقلين يتصفان بالمهنية وروح المسؤولية. وهذا لا يمكن تحقيقه ما لم تتوافر للدولة سلطة حقيقية وسيادة كاملة، ويسود النظام والقانون في ارجاء البلاد.

2 ـ استتباب الأمن وهنا تبرز معضلة الامن والاستقرار بوصفها تحديا رئيسيا في الصراع من أجل اقامة حكم ديمقراطي رشيد قادر على الاستجابة للطموحات الوطنية واستحقاقات المرحلة الراهنة. اذ ان الأمن الشخصي يعد شرطا اساسيا لأي حياة طبيعية، ولا سيما الحياة الاقتصادية والاوجه الاخرى من النشاط الانساني. فبدون الامن لا يمكن لعملية التحول الديمقراطي ان تتقدم، ولا يمكن ممارسة الحقوق وتنفيذ الالتزامات. وتتجلى هذه النقطة بوجه خاص في المجال الاقتصادي، حيث يؤدي غياب الامن الى فرار الناس ورأس المال وخصوصا خيرة الناس. ففي الوقت الذي يحتاج فيه العراق الى كل مورد يمكن ان يستفيد منه، ليصبح مجتمعا مزدهرا وآمنا وديمقراطيا، نجد ان العنف والخوف المنتشرين في عدة مناطق يدفعان هذه الموارد الى شفير الهاوية. ويمكن القول بلغة الاقتصاد الجافة إن نقص الموارد يؤدي الى انخفاض القيمة وارتفاع تكاليف العمليات التجارية بصورة هائلة. فمثلا يتطلب اصلاح انابيب نفط مخربة لمبالغ ضخمة، حيث تشير تقارير وزارة النفط العراقية الى ان قيمة الاضرار الناجمة عن تخريب انابيب النفط خلال الفترة المنصرمة قد بلغت نحو 7 مليارات دولار، بالاضافة الى الخسائر الناجمة عن الفرص الضائعة لتصدير النفط خلال الفترة الماضية، بينما يمكن ان يخربها احد بقنبلة في بضع ثوان. اما قطاع الكهرباء فقد عانى الكثير من عمليات التخريب التي ادت الى خفض معدلات انتاج الطاقة الكهربائية على نحو ترك آثارا سلبية عميقة على حياة المواطنين والفعاليات الاقتصادية. والواقع ان تفاصيل وعواقب اضطراب الامن في العراق منذ اشهر لم تعد خافية على احد، غير ان الشيء المهم والاساسي في هذا السياق هو التأكيد على ان حل هذه المشكلة يشكل شرطا جوهريا لانجاح عملية اعادة الاعمار ودفع عجلة التنمية الشاملة الى الامام بوتائر سريعة. وهذا التحدي لا يمكن مواجهته والتغلب عليه إلا ببناء دولة قادرة وذات سلطات حقيقية وكفيلة بحماية المواطنين وردع الارهابيين من خلال تعزيز قدراتها واجهزتها الامنية.

3 ـ تحدي الموارد والمعضلات الاقتصادية ويأتي بعد ذلك البحث في نقص الموارد الضرورية لمعالجة المعضلات الاقتصادية المزمنة والموروثة والمتراكمة خلال العقود الاخيرة فضلاً عن الآثار الجسيمة للحروب السابقة، وسوء الادارة الاقتصادية. هذه المهمات الكبيرة التي تشكل جوهر اعادة الاعمار والتنمية المنشودة في البلاد.

ففي الاطار الداخلي تتركز موارد الدولة بعوائد تصدير النفط التي تشكل اكثر من 95% من موارد ميزانية الدولة، بشقيها المتعلق بالنفقات التشغيلية الجارية والنفقات الاستثمارية. غير ان استمرار الاعتماد على هذا المورد يتطلب رصد استثمارات كبيرة حتى يمكن ان تعطي مردوداً ماليا اكبر لمواجهة متطلبات السياسة الاقتصادية للدولة والالتزامات الخارجية. غير ان المصلحة الاستراتيجية والسياسة السليمة تقتضيان تنويع موارد ودخل الدولة وتطوير القطاعات الانتاجية الاخرى على المدى البعيد، تمهيدا للتحرر من الاعتماد الكلي على مورد واحد (النفط) وتفاديا لأية مخاطر او عواقب تنجم عن ظروف الصناعة والتجارة النفطية الدولية وسواها.

صحيح ان العراق يملك قدرات كامنة غزيرة سواء كانت ثروات طبيعية (النفط والغاز) او مائية او بشرية، الا ان هذه القدرات تستلزم استثماراً ماليا واسعا حتى يمكن تحويلها الى موارد حقيقية وجاهزة للاستخدام. ومن ناحية اخرى تأتي المراهنة على الدعم المالي الخارجي بوصفه المصدر الثاني للتعويض عن نقص الموارد. ففي اعقاب سقوط النظام في ابريل (نيسان) 2003 اظهر المجتمع الدولي رغبة واستعداداً قويين لدعم مسيرة اعادة الاعمار في العراق. وقد تجلى ذلك في عقد المؤتمر الدولي للمانحين في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وشهد المؤتمر الاعلان عن تعهدات مالية سخية بما يقرب من 33 مليار دولار للفترة من 2003 ـ 2007. وقد شملت هذه 23 مليار دولار على شكل منح و3.5 مليار دولار قروض ثنائية واكثر من 5.5 مليار دولار على شكل قروض ميسرة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومع تقديرنا الكبير لهذه المباردة الدولية المهمة الا ان الحصيلة المتحققة خلال السنة الماضية لم تكن مشجعة، اذ لم يجر تنفيذ هذه التعهدات المالية الا بحدود 4 مليارات دولار، وتشمل ما التزم به من مشاريع في اطار الصندوقين الدوليين والمعونات الثنائية بما فيها المنحة الاميركية (وهما الصندوقان اللذان يديرهما البنك الدولي ومجموعة منظمات الامم المتحدة). وهنا تبرز مفارقة ذات دلالة مهمة بين الإنفاق الحاصل في جميع المجالات من مصادر داخلية وبين قيمة عقود المشاريع الممولة من مصادر خارجية (المنح الدولية)، حيث بلغ مجموع ما انفق من أموال عراقية حوالي 30 مليار دولار مقابل 4 مليارات دولار تقريباً من مصادر خارجية منذ ابريل 2003. اما المصادر المالية العراقية فهي بالاساس متأتية من عوائد النفط والرصيد المتبقي من برنامج «النفط مقابل الغذاء» والاموال المجمدة سابقاً والتي اعيدت الى الحكومة العراقية. والواقع ان مشكلة الامن كانت عقبة رئيسية أمام تنفيذ التعهدات المالية ودخول الاستثمارات الاجنبية وكانت سببا في زيادة كلفة المشاريع بحيث تقدر تخصيصات الامن في بعض المشاريع بحوالي (60 %) من الكلف الاجمالية للمشروع. ومع ذلك فاننا نعتقد انه كان بالامكان وما زال تسريع تنفيذ هذه التعهدات والقيام بتنفيذ المشاريع عن طريق الافادة التامة من الآليات والقنوات العراقية والتعاقد معها كالوزارات وشركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني التي ستسهم في تقليل كلفة المشاريع ايضا. وهذا ما اقره الاجتماع الاخير للدول المانحة في طوكيو في اكتوبر الماضي بناء على طلبنا.

ومن جهه أخرى تجدر الاشارة إلى معضلات كبرى من شأنها ان ترهق كاهل الاقتصاد العراقي لفترات طويلة قادمة، اهمها مشكلة الديون الخارجية البالغة حوالي 125 مليار دولار. والمعروف ان تساؤلات وتحفظات كثيرة تثار بشأن طبيعة وشرعية هذه الديون التي قدمت الى النظام السابق واستخدمت لأغراض غير انسانية وغير اخلاقية وغير انمائية، حيث ان غالبيتها تمثل فوائد متراكمة عالية. وان الجزء الاعظم منها قد اسهم في تغذية ماكنة الحروب الطائشة السابقة وانفاقها العسكري الجنوني والباهظ الكلفة مما يضعها ضمن مصطلح الديون الشاذة ((Odious debt.

ورغم اهمية الخطوات المتخذة في نادي باريس لاطفاء 80% من ديون اعضائه على العراق خلال ثلاث مراحل الا ان الجزء المتبقي منها يشكل عبئا كبيراً على الاقتصاد العراقي لفترة زمنية طويلة. ولذلك كنا وما زلنا نطالب بان يتم اعفاء العراق من هذه الديون ذات الطبيعة الشاذة وانصاف الشعب العراقي الذي عانى ويعاني الكثير من المصاعب الاقتصادية والحياتية. وما يزال علينا القيام بجهود كبيرة للتغلب على تحدي الديون. فعلينا ان نسعى للوصول الى اتفاقات منصفة مع الدائنين الآخرين من غير اعضاء نادي باريس وهم اصحاب الجزء الاكبر من الدين الخارجي على العراق.

ثم تأتي الالتزامات الاخرى المتعلقة بتعويضات الحروب التي تورط بها النظام السابق وهي تبلغ ارقاماً فلكية ( اكثر من 350 مليار دولار)، وكان مجلس الامن قد قرر ان يقوم العراق بدفع 5% من عوائد النفط لصندوق التعويضات التابع للامم المتحدة لتغطية طلبات التعويض وتفيد المعطيات الرسمية بأنه تم دفع حوالي عشرين مليار دولار فعليا من اموال العراق خلال السنوات الاخيرة وحتى الآن. الواقع ان مسالة التعويضات بحاجة الى مراجعة دقيقة على اسس من الانصاف الانساني، فليس من الصواب تحميل الشعب العراقي مغبة السياسات الطائشة التي ادت الى الحاق الضرر بجهات عديدة ومنها الشعب العراقي بالدرجة الاولى. ومع تقديرنا لأي مطلب مشروع في اطار طلبات التعويض، إلا اننا نعتقد بان الامر بحاجة الى مراجعة جدية من خلال مشاركة مباشرة للجانب العراقي، وايقاف عمل صندوق التعويضات في جنيف الذي يتحمل العراق نفقات وجوده وفعالياته التي بلغت مبالغ كبيرة.

4 ـ استراتيجية التنمية الوطنية وفي اطار العمل لحل مهمات اعادة الاعمار ومعالجة المعضلات الاقتصادية المتراكمة التي تعاني منها البلاد، كان لا بد لنا ان نضع خطة متكاملة وذات اولويات واضحة. وهذا ما تجسد في اصدار استراتيجية التنمية الوطنية التي تمثل حجر الاساس لوضع السياسات والبرامج المطلوبة للفترة من 2005 ـ 2007. وتهدف هذه الاستراتيجية الى تحقيق الاولويات التالية:

أ . استعادة الامن والاستقرار وتعزيز القدرات والاجهزة الكفيلة بذلك.

ب . تأهيل وتطوير الخدمات الاساسية ولا سيما توفير الكهرباء والماء بمقادير كافية.

ت . توفير فرص عمل وحل مشكلة البطالة.

ث . انجاز الاصلاحات الاقتصادية، وفي المقدمة منها ترشيد اداء الدولة وكفاءتها وتطوير دور القطاع الخاص وتعزيز امكاناته كحجر اساس في الحياة الاقتصادية.

والحقيقة ان الاستراتيجية تحوي اهدافاً وبرامج قطاعية متعددة فضلاً عن انها تحدد مصادر تمويل مشاريعها بشكل واضح. ومما هو جدير بالتأكيد هنا هو الاشارة الى ان حجم الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ هذه الاستراتيجية بما فيها تخصيصات الميزانية التشغيلية والاستثمارية للسنوات الثلاث القادمة يبلغ 71 مليار دولار. وتأتي هذه الموارد بجزئها الاعظم من المصادر العراقية، غير ان البرنامج الاستثماري الذي تبلغ كلفتة حوالي 30 مليار دولار يستلزم توفير نصف هذا المبلغ من مصادر خارجية، اي من الدول والمؤسسات المانحة، وتعكس هذه الحقيقة أهمية الاعتماد على المصادر الداخلية وتعطي الامل في امكانية الافادة السليمة من مصادر التمويل العراقية لمواجهة متطلبات عملية اعادة الاعمار لو توفر للعراق التحرر من الاعباء والالتزمات الخارجية واتبع سياسة اقتصادية حكيمة خالية من الهدر والفساد.

ان تنفيذ اهداف استراتيجية التنمية الوطنية يرتكز على المضي في تحقيق الاصلاحات الاقتصادية. والمعروف ان اجراءات مهمة عديدة قد اتخذت لإصلاح الهيكل الاقتصادي والسياسات الاقتصادية بما يكفل تعزيز الادارة الاقتصادية وارساءها على اسس جديدة تعتمد آليات السوق وتأهيل مؤسسات الدولة والعناية بالقطاع الخاص والاندماج بالاقتصاد الدولي ، فضلاً عن التخلص من مظاهر البيروقراطية والفساد في جميع المجالات. وتضمنت تلك الاجراءات قوانين جديدة في مجال الشركات والمصارف والاوراق المالية والاستثمار الخارجي والادارة المالية العامة وإصدار عملة وطنية جديدة وغير ذلك. وكيما تحقق هذه التشريعات مردودها الكامل لا بد من تعزيز سلطة القانون والمؤسسات والتقيد بالانظمة وفق نظام صارم للرقابة بهدف إدارة الاقتصاد بطريقة سليمة.

ولعل الاهتمام بتشجيع الاستثمار الاجنبي في العراق يشكل مهمة رئيسية في التوجه الاستراتيجي الاقتصادي، وهذا ما انعكس في إصدار قانون الاستثمار الاجنبي والسعي لتطويره بما ينسجم وحاجات البلد وتوفير الحوافز والاعفاءات الملائمة للمستثمرين الاجانب. وتبرز هنا اهمية خاصة لمساهمة رجال الاعمال العرب التي نحرص على تعزيزها وتوسيعها كجزء مهم من سياستنا لتوثيق التعاون الاقتصادي مع الاقطار العربية الشقيقة وخدمة المصالح العربية المشتركة.

وبالنظر لجسامة معضلة البطالة وما تسببه من عواقب اقتصادية ثقيلة بالنسبة لقطاعات واسعة من السكان فقد تناولت الاستراتيجية معالجة هذه المعضلة في مقدمة أولوياتها. والمعروف أن معدل البطالة يبلغ اليوم حوالي 28% بالاضافة الى حوالي 22% كبطالة ناقصة.

وتبدو هذه المشكلة جسيمة من زاوية أخرى حيث ان معدل نمو القوى العاملة مرتفع جداً ويبلغ 3% سنوياً حيث يدخل سوق العمل سنويا حوالي (200) الف شخصا، كما يشكل الشباب (50%) من فئة العاطلين وان غالبيتهم لم يعملوا من قبل. لهذا يتعين التركيز على برامج خلق وظائف وفرص عمل جديدة والاهتمام ببرامج اجتماعية تصون مصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة من السكان كمشاريع حزام الامن الاجتماعي وسواها من الاجراءات الهادفة لسياسة اجتماعية عادلة.

وعلى صعيد الموارد الاستراتيجية يتعين إيلاء اهتمام كبير بتطوير قطاع النفط نظراً لكونه المورد المالي الاساسي للدولة. والمعروف ان العراق يمتلك احتياطات نفطية كبيرة (ثاني احتياطي في العالم)، الامر الذي يستدعي وضع خطة ناجحة لاعادة تأهيل البنية الاساسية لهذا القطاع ورفع القدرة الانتاجية وحجم الصادرات.

فاليوم يبلغ حجم الانتاج حوالي 2.2 مليون برميل يومياً ويبلغ حجم التصدير 1.65 مليون برميل يومياً مع وجود طاقة إنتاجية معطلة بحدود 400 ألف برميل يومياً (في كركوك بسبب أعمال التخريب).

لذلك ينبغي توجيه استثمارات ضخمة الى عمليات الاستكشاف والتطوير الاولية في مراحل البحث والتنقيب الى جانب تطوير المصافي والبنية الاساسية للنقل. ويعد توفير رأس المال الخاص والاستثمار الاجنبي أساسياً في هذا التوجه، بالاضافة الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان الادارة الفعالة والسليمة لعمليات القطاع النفطي.

ان تحديات ومصاعب كثيرة تحف بمستقبل العراق، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والتنمية وإعادة الاعمار. إلا أن التغلب على هذه العقبات يستلزم التمسك باستراتيجية وسياسات اقتصادية سليمة في ضوء حاجات الاقتصاد الوطني، وفي إطار إدارة اقتصادية سليمة ومتحررة من مظاهر الفساد والمحاباة وهدر الثروات. وهي امور أساسية يتوقف النجاح في معالجتها على مدى التقدم في العملية السياسية وتأمين قيادة مستنيرة تراعي مصالح الشعب وتحترم المؤسسات ومتطلبات التفاعل مع التطور العالمي وروح العصر. =