الخبراء منقسمون حول مستقبل الدولار بعد صعوده الأسبوع الأول من العام

مصلحة الدول النفطية تكمن في ارتفاع العملة الأميركية

TT

فاجأ الارتفاع القوي في قيمة الدولار خلال الأسبوع الأول من السنة كثيرين في أسواق المال وخارجها، فبعد أن تراجع في الشهر الاخير من عام 2004 إلى 1.37 مقابل اليورو عاد وارتفع الى 1.30 دولار لليورو في نهاية الأسبوع الماضي، وإن كان قد هبط مجددا إلى 1.31 في بداية الأسبوع. وترافق الارتفاع المفاجئ في قيمة الدولار مع الانباء الايجابية على جبهة الاقتصاد الاميركي وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. واستمر الدولار بالهبوط مقابل العملات الرئيسية لثلاث سنوات متتالية مما دعا بعض الخبراء البارزين في عمل تنبؤات تشائمية حول مصير الدولار. وعلى سبيل المثال توقع بنك نيويورك أن يصل اليورو إلى 1.45 يورو و90 ينا يابانيا قبل نهاية عام 2004. وكان «جي بي مورغان» أكثر حذرا فتوقع 1.40 دولار مقابل اليورو و96 ينا يابانيا، فيما توقع «دوتشيه بنك» الألماني أن يصل الدولار الى 1.43 مقابل اليورو و93 ينا يابانيا قبل نهاية عام 2004. وتوقع عدد من البنوك والخبراء أن يتجاوز الجنيه الاسترليني الدولارين قبل نهاية عام 2004 وأن يصل الى دولارين وخمسة سنتات في اواسط شهر يناير (كانون الثاني) عام 2005، لكن التوقعات كالعادة، خيبت آمال الكثيرين. الاقتصاد الاميركي مستمر في النمو بوتيرة أسرع من منطقة اليورو واليابان، وجاءت أخبار ارتفاع الدولار ليصل الى 1.30 مقابل اليورو عقب بيانات إيجابية تتعلق بعدد الوظائف الجديدة التي ولَدها الاقتصاد الاميركي في شهر ديسمبر (كانون الاول). ومن العوامل التي ساهمت في ارتفاع قيمة الدولار هي التلميحات القوية من مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بمواصلة رفع الفائدة في هذا العام، بينما عزا آخرون الأسباب إلى آليات السوق، وحركة جني المكاسب فضلا عن مضاربات صناديق التحوط على وجه الخصوص.

وتتركز التساؤلات الآن حول ارتفاع قيمة الدولار، هل هذا يمثل قفزة استثنائية مؤقتة أم انها بداية عملية تصحيح تأتي عقب هبوط حاد؟ جين كينينمونت المحللة الاقتصادية «لمؤسسة بزنس مونيتور انترناشيونال» البريطانية، توقعت أن يواجه الدولار عملية تصحيحية عاجلا أم آجلا.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» مع عبد العزيز الجندي مدير «شركة كابيتال بارتنرشيب للاستثمارات» قال «إن ارتفاع الدولار بنسبة 4.5% خلال اسبوع واحد فقط هو أمر ايجابي للمستثمرين في الدولار والدول العربية المصدِرة للنفط بالتحديد، ولا يظن أن هذا الارتفاع سيكون طويل الأمد لأنه جاء كرد فعل لأخبار ايجابية في قطاع العمالة واحتمالات رفع اسعار الفائدة». وأضاف «أي ارتفاع في قيمة صرف الدولار يأتي بالفوائد للدول التي تضررت من سياسة الدولار المنخفض».

كان اليورو أكبر الرابحين من هبوط الدولار، لأن اسعار صرف معظم العملات الاسيوية ولا سيما العملة الصينية الرنمنبي (يوان) مرتبطة بقيمة صرف الدولار. ومما لا شك فيه ان هبوط قيمة الدولار الى مستويات قياسية في الشهور الاخيرة من عام 2004 كان له تأثير سلبي على الاقتصاد الاوروبي الذي يعتمد على التصدير. وانخفاض الدولار جاء على حساب اليورو الذي وصل لمستويات قياسية، وبات مقدرا بأكثر من قيمته الحقيقية، وجعل الصادرات الاوروبية غير جذابة في الاسواق العالمية. ومشكلة الدولار ليست جديدة على العالم وسوف لا تنتهي بمجرد ارتفاع او نزول في قيمة الصرف مقابل العملات العالمية. وقبل أكثر من 30 عاما سمع العالم تعليق جون كونالي وزير الخزينة في عهد الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون أن الدولار هو عملتنا ونفتخر به، ولكنه مشكلة الآخرين. وقبل أسبوع قال مدير «دوتشيه بنك» للصحافيين «كل انخفاض بنسبة 10% في قيمة الدولار مقابل اليورو، يؤدي الى خسارة مالية لصانعي السيارات في ألمانيا ومنطقة اليورو تساوي 16% من المبيعات».

وارتفاع الدولار الأخير مقابل العملات الرئيسية سيساهم في رفع ايرادات الدول العربية المنتجة للنفط التي خسرت تقريبا 25% من القيمة الشرائية للارصدة النفطية المقومة بالدولار، لذا فإن اي ارتفاع في قيمة الدولار سيأتي بالفائدة للدول العربية التي شاهدت عائداتها النفطية تتدهور بالعملتين الأوروبية واليابانية رغم ارتفاعها دولاريا. وكانت اوبك قد قلَلت ارصدتها المقومة بالدولار عام 2004 بنسبة 13% لتنويع الاستثمارات في عملات ذات قيمة صرفية أعلى من الدولار، ولكن العديد من دول اوبك رفضت اقتراحات لتسعير النفط بعملة أخرى غير الدولار، والسعودية تحديدا كانت على رأس الرافضين كما جاء على لسان علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي اثناء انعقاد مؤتمر اوبك في القاهرة الشهر الماضي. هنري سيهايك المدير العام لشركة «مولتي كوروبورشن» البريطانية المعنية بالتصدير للدول المنتجة للنفط وأيضا بالمشاريع التي يقوم بتمويلها البنك الدولي والامم المتحدة في آسيا، قال لـ«الشرق الأوسط»: «ارتفاع الدولار له فائدتان: فهو يساعد دول الاتحاد الاوروبي في المنافسة والتصدير، والفائدة الثانية أن دول الخليج المصدرة للنفط ستستفيد من عملة ذات قيمة شرائية أفضل إذا استمر الدولار في الارتفاع، وهذه القوة الشرائية ستنعكس على المصدرين في اوروبا الذين يعتمدون على أسواق الخليج كسوق لصادراتهم». ولكن يشك هنري سيهايك أن الدولار سيواصل الصعود لفترة طويلة بسبب تدخل المضاربين الذين يحققون أرباحا من تحركات العملة، ولم يعزو ذلك إلى المشاكل البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي، وأشار إلى تسجيل الاسواق مضاربات كثيرة مارستها صناديق التحوط خلال عام 2004 المحققة لارباح طائلة.