فؤاد الزيات : من بيت عتيق في دمشق إلى أحد أكبر المشاريع المائية في الخليج

TT

لا يعطي فؤاد الزيات الذي لم ينه دراسة الحقوق في جامعة دمشق، عامل الحظ دورا كبيرا في النجاح الذي يحققه المرء في دنيا المال والأعمال... إن النجاح في رأيه «هو نتيجة الجهود التي يبذلها المرء لتحقيق غاياته مصحوبة بالصدق والأمانة والالتزام بالكلمة والمواعيد».

وبين الزيات المولود في أحد بيوت حارة القيمرية القديمة في دمشق وبين النجاح «عهد مكتوب» إن صح التعبير. بدأه حين كان لا يزال بعد على مقاعد الدراسة، إذ تعهد حفلة سينمائية صباحية شهد فيها تباشير أول ثروة يجنيها (485 ليرة سورية).

كان ذلك في عام 1956 وكان في الخامسة عشر من عمره. أما اليوم، فلا أحد يعرف حجم ثروة فؤاد الزيات، على الرغم من ان هناك من يقدرها بعشرات الملايين من الدولارات. لكن الزيات الذي يؤثر ان يظل بعيدا عن الضوء، لا يحب الحديث عن ثروته. وهو يستشهد بقول الإمام علي: «مالك ما أنفقت وما أبليت وما تبقى فهو لغيرك». وإن سألته عن ثروته اجاب «هي كتاب صغير بين دفتيه أسماء وعناوين الأصدقاء».

وعلى الرغم من انه يتردد في الحديث عما يملك، لا يحجم عن القول تواضعا إنه ليس من رجال الأعمال، وإنما هو مجرد وسيط يتقاضى عمولات عن أتعابه كما يقول. يمارس عمله باسم شركة اسمها «سماتا»; وهي مجموعة عالمية لها مكاتب في لندن وقبرص واليونان ولبنان ويتجلى نشاطها في حقول اساسية هي المعدات والنفط والطيران والعقارات.

لا يشاطر الزيات رأي القائلين بأن الاقتصاد العربي يحتاج الى العولمة بصيغتها الحالية لأن ما يجري في الاقتصاد ليس عولمة، وإنما تكتل مصالح بهدف الهيمنة والاحتكار من جانب الحكومات، أو من جاب الشركات الكبيرة. وفي رأيه ان ليس في الدول العربية استثمارات هدفها الانسان. ومن وحي هذه القناعة يؤكد ان بنية الاستثمار في العالم العربي ليست انسانية، لأنها لا تخدم الانسان وإنما تخدم الشركات ورجل الأعمال واصحاب رؤوس الأموال.

ويرى ان افضل مشروع يستثمر به العرب هو انسانهم، أي صرف المال في الحقول التي تزكي روح المواطن وعقله وتطلعاته الى غد يسود فيه العقل وحكم القانون، كبناء المعاهد والجامعات ودور العلاج والمتاحف ودور الصناعات والمهن والفنون.

ويعطي فؤاد الزيات مثالا على قوة دول صغيرة لا خيرات عندها، لكنها تفوقت وازدهرت في المجالات كلها، لأنها اهتمت بالانسان ووضعت ثرواتها في خدمة عقله وروحه في المقام الأول و«يؤسفني القول ان الدول العربية حائرة ومقصرة ولا تسير على هذا النهج، لأنها لا تطبق قواعد العمل والاستثمار الصحيح، في حين انها تبتعد عن اصالتها وتنسى انسانها الذي هو رأس المال الأكبر».

على الصعيد الفردي لا يرى الزيات ان النجاح في عالم المال والأعمال نتيجة خصائص فردية تولد مع المرء كما تولد الموهبة عند الشاعر أو المطرب أو المصور أو النحات، وإنما نتيجة لطائفة من القدرات يكتسبها المرء بالممارسة وتراكم المعارف. وقد اختار هو «عالم البزنس» بعدما طلق السياسة على رغم ان نزعاتها لا تزال تؤثر فيه.

وفي أي حال، لم تكن السياسة في حياة الزيات نزهة أو نزوة أو فورة شباب. كانت نوعا رائعا من الايمان وجنون التضحية كما يقول. وكانت ونضالا قاده الى السجن في سورية زمن الحقبة الناصرية... وكانت الأيام التي أمضاها في السجن بسبب انتمائه القومي كفيلة لتعطيه دروسا مرة، وتعلمه انه كما ان في الحياة حنوا، فيها ايضا قساوة، ودروبها ليست كلها مفروشة بالزهور والرياحين.

في كل منا أثر أو قل آثار من الماضي، بعضها يبقى محفورا في اللاوعي والوجدان. وهناك اشخاص يتركون فينا أثرا من حيث لا ندري. ومن الذين أثروا في حياة الزيات العملية، يذكر والده الراحل الذي كان مسؤولا عن دائرة الحجاج في وزارة الداخلية السورية أواخر الأربعينات، ومنه تعلم الابن العمل الاداري والتعاطي مع الناس. ومن الذين يذكرهم بخير كثيرا خاله سري الحلبي، الذي فتح أمامه طريق العمل التجاري الحر.

أما في الميدان السياسي فيبرز اسم انطون سعادة، الذي يصفه الزيات بأنه كان رجلا مميزا. والمعروف عن سعادة أو المجهول عنه انه مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي.

الى جانب حياته العملية الحافلة بقصص النجاح، تزدان سيرة فؤاد الزيات المعنوية بمزايا من نوع آخر. فهو يملك رسائل تقدير من كثيرين من الشخصيات العالمية، وينتمي الى جنسيات ثلاث هي السورية واللبنانية والبرتغالية، الى جانب انتسابه كعضو اكاديمي في دائرة جيولوجيا السياسة وأمن الشرق الأوسط التابعة لجامعة روسيا الطبيعية.

لا يجد فؤاد الزيات في قاموس اللغة اجمل من كلمتي الحب والوفاء كما يقول. والحب عنده هو المحبة، محبة الله ومخافته ومحبة الناس جميعهم، وضيعهم وسريهم، فتاهم وشيخهم. يحس بعاطفة الوفاء نحو البلدان التي عاش فيها وتعامل معها فيقر بفضل اليونان وقبرص عليه. أما الكويت فلها في قلبه مكانة خاصة كما يقول، ويشعر نحوها بعاطفة من الاخوة ملؤها الحب والاعجاب. كما أبدى الزيات اعجابا بتجربة حاكم الامارات السابق الشيخ زايد بن سلطان.

ويعتبر حاكم البحرين الحالي الشيخ حمد بن عيسى رائد نهضة حقيقية.

كثيرة هي الصفقات التي حققها فؤاد الزيات. بعض مشاريعه كان موضع تساؤل في وسائل الاعلام وردهات المحاكم. لكن اكثرها جدلا مشروع مد أنابيب تنقل الماء من ايران الى الخليج عبر البحار. ويعتبر هذا المشروع الذي ما زال قيد التفاوض من اكبر المشاريع المائية في العالم العربي. ويصف الزيات مشروعه الذي ستنفذه شركات عالمية بأنه مشروع العمر، كما يشير الى ان العمل به سيبدأ خلال عامين بكلفة لن تقل عن ثلاثة بلايين دولار.