تقرير: عملية الإعمار في العراق مهددة بأن تتحول إلى أكبر فضيحة فساد في العالم

يركز على الرشاوى في قطاع الإنشاءات الذي يصل حجمه إلى 3.2 تريليون دولار عالميا

TT

قالت منظمة الشفافية الدولية أمس الاربعاء في تقرير يركز على مشكلة الرشاوى والفساد على المستوى العالمي في صناعة البناء، ان عملية الاعمار في العراق مهددة بان تتحول الى أكبر فضيحة فساد في العالم.

واشارت المنظمة اللاحكومية التي تحارب الفساد في «تقرير الفساد العالمي السنوي» الذي صدر امس «ما لم تتخذ إجراءات عاجلة فان العراق لن يصبح منارة الديمقراطية الساطعة التي تتخيلها ادارة بوش، وانما سيصبح أكبر فضيحة فساد في التاريخ». ويشير تقرير عام 2005 الى برنامج النفط مقابل الغذاء الذي شابته فضائح وشكاوى من رشى طالت جميع عمليات الحكومة العراقية تقريبا. وانتقد التقرير الولايات المتحدة لسوء ادارة عقود التوريدات، وقال ان دعوات الخصخصة السريعة من أجل خفض الديون مضللة. ومن المرجح ان يتفاقم الفساد مع بدء الإنفاق الضخم على عقود البناء والتوريدات.

وقال بيتر ايغن رئيس المنظمة في بيان «ينبغي حماية الأموال التي تتدفق لاعمار بلاد مثل العراق من الفساد». واضاف «كما ينبغي أن تكون الشفافية كلمة السر فيما يتعهد مانحون بمبالغ طائلة لإعمار البلاد التي تضررت من أمواج المد البحري في آسيا». وقالت المنظمة ان عمليات المسح أظهرت مرارا أن الفساد يتفشى بشكل أكبر في قطاع البناء البالغ حجمه 3.2 تريليون دولار وتعاني منه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وتابع التقرير، ان الفساد يهدر الأموال ويقلص من الجودة ويمكن ان يتسبب في سقوط ضحايا نتيجة سوء المباني في المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية وقد يكون له تأثير مدمر على البيئة بتشجيع مشروعات غير ملائمة ولكنها مربحة. واضاف ايغن قائلاً: «يجب أن تكون الشفافية الشعار الأول، وخصوصا في هذا الوقت الذي تقوم فيه الدول المانحة بضخ مبالغ هائلة من أجل إعادة البناء في الدول الآسيوية التي تضررت بفعل مد تسونامي».

وقال التقرير، لقد أدى عدم الالتزام بمقومات الشفافية في عملية إعادة البناء في العراق إلى المخاطرة وانتشار الفساد إلى مستوى ضخم، ذلك لأن الأموال كانت تتدفق بشكل مفرط بدون إجراءات صرف وفق الأصول أو من خلال نظام بسيط لحصر الموجودات في الوزارات والمؤسسات وشركات القطاع العام. إضافة إلى ميراث الفساد الذي ورثه الشعب العراقي عن النظام السابق بسبب سيطرته على الاقتصاد، وأيضاً السرعة الكبيرة في تعريف المجتمع على سياسات الاقتصاد الجديدة بعد الحرب. إن قد ما تفرضه الرقابة الدولية على التمويل وصندوق النقد الدولي ونادي باريس من ضرورة خصخصة الشركات بسرعة كبيرة كشرط أساسي لتخفيض إعادة جدولة ديون العراق البالغة 120 مليار دولار أميركي قد تفسح مجالاً واسعاً لفرص ممارسة عمليات الفساد.

إن مصداقية المجتمع الدولي من أجل لعب دور أكبر في كبح جماح الفساد تعتبر مصداقية مجروحة بعد ما شهده العالم من فضيحة النفط مقابل الغذاء، والسرية المحيطة بحصة الحكومة الأميركية من مشاريع إعادة البناء في العراق. لقد تم تصميم المشاريع بطريقة لا تمكن الشركات الصغيرة من الدخول في دائرة المنافسة. إضافة إلى هذا فالكثير من العقود ربحته شركات مقربة من أشخاص لهم صلة في الوقت الحالي مع الحكومة مثل شركتي هاليبورتن وبكتل الاميركيتين. وبدأت تظهر بدايات دلائل عن الأرباح الهائلة التي تجنيها الشركات المتعاقدة الرئيسية والتي تقوم بدورها بتوزيع العمل على الشركات المحلية بعقود فرعية وبأسعار رخيصة لا تتعدى قيمتها الكسور من المبالغ الطائلة التي تربحها الشركات الأميركية.

* مستوى وطبيعة المشكلة

* ويركز التقرير العالمي للفساد 2005، والذي وضع مقدمته الكاتب الاميركي المعروف فرانسيس فاكوياما، بشكل خاص على ممارسات الفساد في عملية البناء وإعادة البناء التي تلي انتهاء النزاع. ويظهر التقرير أيضا الحاجة الملحة للحكومات والشركات الدولية من أجل ضمان الشفافية في عمليات الإنفاق العام من أجل القضاء على ظاهرة الرشوة على المستويين الداخلي والخارجي.

وقال ايغن : «لقد أظهرت الفضيحة التي تم الكشف عنها في البرنامج الممول من قبل الأمم المتحدة (النفط مقابل الغذاء) والخاص بالعراق الحاجة الملحة لوضع قوانين صارمة فيما يتعلق بتضارب المصالح، وأهمية الانفتاح في عملية المناقصات». وفي الاطار ذاته قال راينود ليندرز وجستن الكساندر في تقرير الفساد لعام 2005 ، «إن أغلب الأموال المتوقع إنفاقها في عمليتي البناء والشراء في العراق لم يتم انفاقها بعد، فاذا لم تتخذ خطوات سريعة فسيصبح العراق عندئذ أكبر فضيحة فساد في التاريخ».

لقد كشفت عمليات المسح وبشكل متكرر على أن حجم الفساد في مجال الإنشاءات هو أكبر مما هو عليه الحال في باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى. ويمكن التعرف على مستوى الفساد في هذا القطاع من خلال حجمه وتنوعه، حيث أن قطاع الإنشاءات واسع الامتداد، يشمل أعمال البنى التحتية للمواصلات، بناء محطات توليد الطاقة، بناء المساكن... الخ. ويؤثر الفساد سلبا على مصالح القطاعين الخاص والعام على حد سواء واللذين يتنافس كل منها للحصول على حصته من سوق الانشاءات العالمي والذي يبلغ حجمه حوالي 3.2 تريليون دولار سنويا. ويشكل هذا السوق ما نسبته 5-7 % من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتطورة بينما يشكل ما نسبته 2-3% في الدول النامية.

ويقول التقرير قد لا تخلو أي مرحلة من مراحل الانشاءات من وجود ممارسات الفساد فيها، فقد تبدأ بواعث الفساد في بعض المشاريع حتى قبل انتهاء مرحلة التخطيط للمشروع. كذلك فإن إجراءات منح عقود الانشاءات للمشاريع و إجراءات عقود التشغيل والصيانة التي تأتي بعد الانتهاء من المشروع، كلتاهما عمليتان معرضتان للفساد. كذلك إجراءات العطاءات هي الأخرى عرضة لعمليات الفساد الدولي (فساد عابر للحدود) من خلال الأذرع الممولة للدول المتطورة الموجودة لدى الدول النامية قد تحاول تلك الدول الممولة التأثير على قرار الدول النامية في إجراءات منح العقود لاختيار الشركات الموجودة في تلك الدول المتطورة بالرغم من ان تلك الشركات لم تقدم أفضل وأقل الأسعار.

وأشار التقرير الى ان هناك بعض الخصائص في قطاع الإنشاءات تجعله أكثر عرضة لممارسات الفساد أكثر من القطاعات الأخرى مثل: المنافسة الضارية للحصول على العقود، وحاجة المشروع للموافقات والمصادقات عبر مستويات رسمية كثيرة، وكون بعض المشاريع فريدة من نوعها مما يجعل عملية مقارنة الأسعار أكثر صعوبة، زيادة إمكانية التأخيرات والتجاوزات وحقيقة أنه يمكن إخفاء عيوب البناء بطبقات الاسمنت أو مواد البناء الأخرى. وعادة ما يتم تنفيذ المشاريع من خلال العشرات بل والمئات أحيانا من العقود الفرعية والتي تقوم بالكثير من الاجراءات المربكة مما يجعل عملية المراقبة عليها في غاية الصعوبة.

وبين ان الفساد في قطاع الانشاءات قد يؤدي الى خسائر مباشرة في أرواح البشر. فمشاريع البناء غير المطابقة للمواصفات والمقاييس والملطخة بالرشوة قد تؤدي بالتالي الى قضايا قانونية مثل تشويه السمعة والظلم وحتى التسبب في القتل اذا كان المشروع في المناطق المعرضة لحدوث زلازل.

واضاف انه يتم سنويا انفاق ما مقداره 250 مليار دولار أميركي على مشاريع البنية التحتية في الدول النامية وحدها. الكثير من هذه الأموال تأتي عبر البنوك التجارية والبنوك المؤسسة من عدة دول مثل البنك الدولي. وهناك أموال تأتي عبر وكالات خاصة ولكن بإشراف حكومي، حيث عادة ما توقع هذه الوكالات عقودا لمشاريع إنشائية ضخمة. إن لهذه المجموعات تأثيرا كبيرا على ممارسات الفساد وأن أهمية تأثير البنوك متعددة الأطراف على ممارسات الفساد أهم وأبعد من المبالغ الطائلة التي تستثمرها (يخطط البنك الدولي لإنفاق 7 مليارات دولار على مشاريع البنية التحتية خلال عام 2005)، وذلك لأن هذه البنوك تعتبر محفزة للاستثمار من قبل القطاع الخاص، ولذلك تضع سياسة مشاريع البنية التحتية في الدول النامية. وبالرغم من أن البنوك متعددة الجهات (MDB) بدأت بوضع لائحة سوداء للشركات التي ثبت تورطها بقضايا الفساد، إلا أنه في الوقت نفسه ليس هناك أي ضمان من خلو المشاريع الممولة من قبلها من الفساد. أما فيما يتعلق بوكالات الإقراض الدولية فإنها كانت أقل رغبة لمعالجة الفساد، حيث أنها فشلت دائما في بذل أي جهد يذكر لوضع ضوابط ومعايير لمنع الفساد حتى في الحالات النادرة التي كانت تلك المعايير موجودة لم تقم بتطبيقها.

واعترافاً منها بوجود المشكلة فقد تم اتخاذ خطوات واسعة من قبل البنوك متعددة الأطراف ووكالات الإقراض الدولية تهدف إلى محاربة الفساد. وتأتي هذه الخطوات لأسباب منها الضغط الخارجي الذي مارسته المنظمات الأهلية على البنوك ووكالات الإقراض، وقد تم اتخاذ عدة معايير لمحاربة الفساد شملت حظر التعامل مع الشركات التي ثبت تورطها في قضايا الفساد والاحتيال، ووضع إجراءات أكثر صرامة في عملية الشراء، وتطوير الإدارة المالية والرقابة والإشراف، وكل هذا أفسح المجال لعملية التحسين، ولكن لا تزال هناك حاجة لزيادة عملية الرقابة، وأهمية خلق قنوات آمنة للتحذير من الفساد وكذلك يجب زيادة الانفتاح والشفافية ورفع مستوى المشاركة الشعبية.

* خطوات لمنع الفساد

* وتماشيا مع نشر تقرير الفساد العالمي 2005، أطلقت منظمة الشفافية الدولية مبادرة دولية تهدف للقضاء على الفساد في المشاريع الإنشائية. وقال نيل ستانزبري، مدير مشروع الهندسة والبناء في الشفافية العالمية ـ سيقل الفساد في مشاريع الإنشاءات إذا ما قام كل الأطراف بتطبيق المعايير التي تمنع الفساد، وهذا يتطلب خطوات دولية منسقة من قبل الحكومات والبنوك ووكالات الإقراض الدولية وأصحاب المشاريع والمقاولون وبقية الاطراف الأخرى ذات العلاقة. وقد عملت الشفافية الدولية سلسلة من تخمينات المخاطرة ووضعت خططا وطرقا لمنع الفساد في قطاع الانشاءات وسوف تلجأ لكسب تأييد المنظمات ذات العلاقة من أجل اتخاذ إجراءات لمنع الرشوة.

وقد تضمن التقرير العالمي للفساد 2005 كذلك تقارير وتقييمات مفصلة عن الفساد قي 40 دولة أعدته الشفافية الدولية وخبراء آخرون. وتضمن الكتاب «التقرير» أحدث النتائج المتعلقة بأبحاث الفساد وأفضل الطرق لمحاربته. ودراسات عن العلاقة بين الفساد وقضايا مثل التلوث، النوع الاجتماعي والاستثمار الأجنبي.