دراسة أوروبية: العمالة الوافدة توجد وظائف جديدة وتساهم في النمو

معظم الدول التي ازدهرت قامت على الأيدي العاملة الأجنبية

TT

تزداد العنصرية لدى العديد من الأمم في زمن الأزمات الاقتصادية، وغالبا ما تعبر عن نفسها حيال العمالة الأجنبية الوافدة، لكن دراسة اجتماعية بريطانية ـ ألمانية وجدت أن العمالة الوافدة تساعد على نمو الاقتصاد وتوفير وظائف جديدة بدلا من تقليص فرص العمل، فضلا عن تخفيف تكلفة اليد العاملة.

وقالت الدراسة التي وضعت بتكليف من مجلس الأبحاث الاجتماعية البريطاني، وحظيت بدعم من المؤسسة الانجليزية ـ الألمانية، إن هناك سوء تقدير لتأثير اليد العاملة الوافدة في أوروبا بالنسبة لفرص العمل، فبدلا من أن تكون ضارة، اتضح أنها مفيدة بالنسبة للأمور التي تخشاها اليد العاملة الوطنية تحديدا، فالفرضية السائدة هي أن فرص العمل المتاحة محدودة في دولة ما، والواقع أن هذه الفرص تزيد أو تنقص وفقا للعديد من العوامل الاقتصادية، أهمها احتياجات السكان ونمو عددهم أو نقصانه، ونسبة الشباب إلى الشيوخ، فضلا عن استعداد أصحاب الرساميل لضخ استثمارات تلبية للطلب المستجد، باعتباره فرصة مجزية.

وقالت الدراسة التي وضعها كريستيان دستمان، الباحث في مركز ألبرخت غليتس للهجرة والوظائف: «النظرية والبرهان والرأي»، إن الجدل العام يقوم على الاقتناع بأن هناك عددا محدودا من الوظائف في الاقتصاد، وأن المهاجرين يأتون لينافسوا المواطنين الأصليين على تلك الفرص. ونفى أن تكون هذه الفرضية صحيحة، مستعرضا مجريات الأمور منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا وحتى اليوم، مشيرا إلى أن الدول التي كانت أكثر ازدهارا تلك التي كانت أكثر استيعابا للعمالة الأجنبية الوافدة. ورأى أن الاقتصاد قادر على التوسع في إطار الاقتصاد العالمي إذا كان منفتحا على الخارج. وبالتالي يستطيع استيعاب العمالة الجديدة وخلق فرص العمل لها.

ولاحظت الدراسة أن المفاهيم الخاطئة بشأن العمالة المهاجرة كثيرة والدراسات العلمية قليلة للغاية. فهناك دائما مبالغات حيال حجم العمالة الوافدة لا سيما عندما يعاني اقتصاد ما من أزمة، وبالتالي يتخذ رجال السياسة مواقف مبنية على فرضيات اجتماعية مغلوطة. وأكد الباحث أن الهجرة غالبا تتجه نحو اقتصاد ما نتيجة الحاجة في الاقتصاد نفسه للتوسع. فاليد العاملة تأتي إلى دولة معينة بناء على حاجتها، وتسد اليد العاملة الوافدة نقصا في سوق العمالة، وتهاجر منها عندما تتضاءل فرص العمل. وساق مثالا على ذلك تدفق اليد العاملة على دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية تلبية لحاجة البلدان إلى يد عاملة تساهم في إعادة إعمار ما هدمته الحرب، وتلبية لتدفق رساميل مخصصة لإعادة الإعمار ضمن خطة مارشال. وأدت تلك الهجرات العمالية إلى تأمين تنوع سكاني فريد في الدول التي أتوا إليها، ونقلوا معهم خبرات تحتاجها الدول المضيفة. ورغم أن العمالة الوافدة تؤدي في الكثير من الحالات إلى تقليص أجور العمال غير المهرة، فإن هذا التأثير لا يدوم طويلا، لا سيما بعد أن يتوسع الاقتصاد تلبية لاحتياجات استيعاب العمالة الوافدة.

وفي دراسات أخرى وجد الباحثون في بريطانيا أن الهجرة تسد النقص في نسبة الشباب العاملين الذين يساهمون في إعالة الكهول من خلال الضرائب التي يدفعونها. ونظرا لنسبة الولادات الضعيفة في بريطانيا، كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية، هناك خطر في أن تعجز العديد منها عن تلبية احتياجات ضمان الشيخوخة. لكن الهجرة ساهمت في بريطانيا في نمو السكان وفي استمتاع الاقتصاد بازدهار يضاهي العديد من الدول الصناعية الكبرى الأخرى، إذ ارتفعت الهجرة من أرقام ضئيلة في مطلع التسعينات من القرن الماضي إلى 150 ألفا في السنة الماضية. ولو استمرت وتيرة الهجرة على حالها لارتفع عدد سكان بريطانيا إلى 69 مليونا في أواسط القرن الحالي، أي بزيادة 12 مليونا عما هو عليه عدد السكان حاليا. ومعه تحدث تحولات أساسية فــي التركيبة الديموغرافية، لا سيمــا فــي العــاصمة وفي المنطقة الجنوبية من بريطانيا، حيث الازدهار أعلى من المناطق الأخرى.

رجال الأعمال يرون أنه من دون الهجرة سيعانون من نقص فادح في اليد العاملة، وسترتفع الأجور فوق طاقتهم على التحمل. ومع زيادة السكان يرتفع الطلب على السلع والخدمات، وهنا تزداد الحاجة إلى مزيد من المساكن لخدمة السكان الجدد وأسرهم. ورأى العلماء أن نسبة المتقاعدين إلى العاملين ستنخفض من 4:3 إلى 2:2، أي بزيادة 70 ألف مهاجر سنويا، ثم تعود وتنخفض إلى 4:2 عندما يكون معدل الهجرة 190 ألفا في السنة، حسب مكتب مراقبة الهجرة البريطاني.