أول مديرة مصرفية في السعودية: المرأة قادرة على الخوض في التجارب الاقتصادية الصعبة

نوف الجشي: إذا واجهتني مصاعب فلن أفكر في الانسحاب والعولمة أصبحت جزءا من حياتنا

TT

تعتز نوف كاظم الجشي بعملها المصرفي، على اعتبار أنها أول مديرة في قسم ادارة عمليات القروض المشتركة ـ البنك المدير ـ في مجموعة ـ سامبا ـ المالية في الرياض، وفي قسم يندر وجوده في البنوك السعودية، كما يندر وجود المرأة فيه، في البنوك الخليجية عامة. قد تواجهها علامات الاستغراب والتعجب كونها فتاة سعودية تعمل في هذا المجال، ومع ذلك فهي تشير الى التقدير والاحترام اللذين تلاقيهما من العملاء والزملاء على السواء، فوجودها في موقعها هذا يعتبر تقدماً مهنياً يُسجّل للمرأة السعودية. بداية تقدم لنا الجشي تفسيراً مبسطاً لطبيعة عملها في المجال المصرفي وشرحاً لمفهوم ـ البنك المدير ـ فتشير الى أن عملها في قسم ادارة القروض المشتركة ـ سامبا ـ ولمن يتساءلون عن ماهية القروض المشتركة أقول انه، عندما يكون التسهيل الذي يطلبه العميل كبيراً ولا يرغب بنك واحد في تحمل المخاطر يطلب عندها مساهمة عدد من البنوك معه لتأمين القرض المطلوب، ويتولى أحد هذه البنوك عادة إدارة هذا التمويل ويكون مسؤولاً أمام باقي البنوك مسؤولية الوكيل أمام موكله وهو في هذه الحالة يسمى «البنك المدير». ويتولى هذا البنك المدير مسؤولية إدارة القرض والاشراف على بنود الاتفاقية الموقعة مع العميل. وتكون طبيعة عملي بالتالي هي أن أقوم بالإدارة والإشراف على القرض كبنك مساهم أو بنك مدير والتأكد من تطبيق الشركة لجميع بنود الاتفاقية.

شكل الطموح حافزاً للجشي للوصول الى ما هي عليه الآن، وهي تصف نفسها بقولها: أنا طموحة جداً منذ صغري، ولم أكن أترك لأي مشكلة أن تكون عقبة في طريقي، فكنت اجتهد وأعمل لكي أصل الى أعلى المستويات، و بفضل الله وتوفيقه وصلت الى هذا الموقع وأعتبر انه بداية الطموح الذي يمكن ان يصل إليه أي إنسان يجتهد ويكافح ويطور ذاته باستمرار«.

وعند التقليب في أوراق سيرتها الذاتية المهنية يمكن الاطلاع على مراحل مهمة قطعتها الجشي منذ تخرجها حاملة شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم الادارية من جامعة الملك سعود في العام 2000 تخصص (أساليب كميّة). وباشرت حياتها المهنية في وزارة التخطيط وتحديداً بمصلحة الاحصاءات العامة، وبعد فترة وجيزة كونت خلالها خبرة مختلفة: هذه التجربة ساعدتني على ان أرى عالماً مختلفاً وتكوين خبرة مختلفة بعد ذلك عملت كمحللة مالية في البنك السعودي البريطاني في قسم تمويل الشركات وقد استمررت في عملي هذا قرابة السنتين.

ثم انتقلت الى مجموعة سامبا المالية (البنك السعودي الأميركي سابقاً)، وما زلت أعمل في سامبا بمنصب مديرة في قسم القروض المشتركة.

وتضيف: بصراحة لم أواجه عقبات كثيرة في عملي، تقول الجشي، لم تصادفني في عملي مشاكل كبيرة أو عقبات تجعلني أفكر بالانسحاب، بل على العكس تماماً فمع مرور الوقت أصبحت أتعلق بعملي أكثر فأكثر، وأفتخر بعملي كأول امرأة في قسم ادارة عمليات القروض المشتركة كبنك مدير في السعودية، وفي قسم يندر وجوده في البنوك السعودية، كما يندر وجود المرأة فيه في البنوك الخليجية عامة. وتؤكد أنه، حتى لو واجهتني مصاعب لن أفكر بالانسحاب، بل على العكس تماماً سوف أسعى للتغلب عليها بهدوء واعتبرها تجربة تصقلني وتساعدني على تطوير ذاتي وتنمية مسيرتي المهنية .

وتصف علاقتها بالعملاء بالجيدة على الرغم من أنها قد تقابل بعلامات استغراب وتستطرد: فأنا أعمل في هذا المجال منذ حوالي الخمس سنوات وطبيعة عملي تقتضي التعامل مع كثير من الناس بينهم محامون ورؤوساء شركات وموظفون ممن يعملون في البنوك الأخرى الدولية أو المحلية، ربما أواجه أحياناً بعلامات الاستغراب والتعجب لوجود فتاة سعودية تعمل في هذا المجال، ولكني بصراحة لم أواجه إلا كل التقدير والاحترام مع كل من تعاملت معهم. وعما اذا كانت نظرة الرجل لعملها مشجعة أو محبطة قالت الجشي: هي نظرة مشجعة، فالسعوديون يفخرون أن الفتاة السعودية أصبحت تعمل في هذه المجالات الحساسة وينظرون لها بكل احترام، أيضا الأجانب ألاقي منهم علامات الاحترام والتقدير، كما أن البعض منهم لم يكن يعلم أن البنت السعودية تعمل في البنوك. وعلى العموم، فإن المرأة هي التي تفرض احترامها على الآخرين وتجعل من أمامها لا يقدر على معاملتها إلا بالمثل. وتعتبر أن وجود فتاه سعودية تعمل في هذا المجال يعتبر تقدماً ورقياً للمرأة السعودية، كما أنه دليل على أن المرأة السعودية أصبحت تعمل في مجالات كثيرة لم يتوقع البعض خوض المرأة فيها.

تلقت الجشي العديد من عروض العمل من البحرين والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا، وتضيف، على الرغم من إغراء العروض مادياً، لكنها بشكل عام لم تحز على رضائي. و تؤكد الجشي أنها قادرة على منافسة الزملاء والوصول الى أعلى المراتب لأن أي إنسان يعمل ويجتهد يمكنه الوصول الى أعلى المراكز سواء كان انثى او ذكرا. وحول المنافسة مع الزميلات لفتت الى أنه في أية مهنة توجد المنافسة، ولكن على الانسان ان يركز في عمله، ويعامل الجميع باحترام، لذا أنا اقوم بتأدية عملي بالشكل المطلوب وأحاول ان أحول أي موقف سلبي الى ايجابي يساعد على انتاجية اكبر وتفاعل مؤثر اكثر. العولمة مجال دراستها

* تحضر نوف الجشي حالياً، لنيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من بريطانيا بدوام جزئي، وعنوان رسالتها «العولمة في المؤسسات المالية في دول الخليج العربي وأثرها على الاقتصاد الوطني»، وتشير الى أنه سيتم تقريره والعمل فيه في الشهور المقبلة. وقد اخترت هذا الموضوع لان العولمة أصبحت جزءاً من حياتنا والدول باتت منفتحة إقتصادياً على بعضها بعضا، كما أن العولمة لها آثارها وأبعادها وأسبابها السياسية والاقتصادية والتقنية، فهي تطور تدريجي وليست هدفاً أو نهاية، والموضوع شائك وتكثر حوله الآراء، لذا سأبحث فيه. ولا يتوقف سعيها للعلم عند هذا الحد فمنذ فترة قصيرة بدأت فكرة الدراسة في مجال آخر تراود الجشي فتقول، بعد ان انهي دراستي الحالية، أفكر بعمل ماجستير في القانون أو في مجال آخر من مجالات الادارة المالية، والموضوع ما زال قيد الدراسة. وتطمح الجشي الى تطبيق ما درسته في عملها لكي تفيد المؤسسة المالية التي تعمل فيها وتحاول أن تضيف للمؤسسة كما أضافت المؤسسة لها. الدعم العائلي

* نوف الجشي من المنطقة الشرقية ومن القطيف تحديداً، انتقل والدها الى الرياض منذ ثلاثين عاماً بعد تخرجه من ثانوية الدمام انتقل للدراسة في جامعة الرياض وتضيف، نحن من سكان العاصمة منذ ذاك الحين. والجشي من مواليد الولايات المتحدة الأميركية، من أسرة مكونة من الوالدين وابنتين هي كبراهما، وقد نشأت هذه الصبية وفق تربية سليمة أسهمت في تكوين شخصيتها وهي ترى أن تربية اي شخص عادة أساس تكوين شخصيته، وتربيتي في وسط عائلي متماسك ومتقارب أثرت فيّ بشكل كبير وإيجابي، مما ساعد على تكوين شخصيتي وتنميتها وصقلها. وبحكم كون الاسرة مكونة من بنتين فقط لذا لكلا الوالدين أثر في تربية البنتين وتعتبر نوف أن كلا منهما اثر في بناء شخصيتها بشكل ما، فالأم مدرسة تعلمك الحب والحنان وكيفية التعامل مع الناس، والاب يساعد في تكوين وتطوير الشخصية من الناحية العملية أكثر. وقد كان تأثر الابنة بأبيها المصرفي واضحاً لأنني الابنة الكبرى كنت قريبة لأبي كثيراً، وكنت في صغري أرافقه في بعض الاحيان الى عمله، وكنت اتأثر به كثيراً وبخبرته وتجربته مما ساعدني على صقل شخصيتي المهنية، كما انه مشجعي ومثلي الأعلى. والى جانب الدعم الأسري تحظى الجشي بمساندة من خطيبها فتقول: هو يقف الى جانبي في جميع الأوقات. ولأنها تحرص على الوفاء بالتزاماتها تجاه عائلتها وخطيبها من جهة وتجاه عملها ودراستها من جهة ثانية، لا تسمح الجشي لطبيعة وظيفتها القائمة على ساعات عمل طويلة، أن تؤثر عليها وتستطرد، الإنسان المنظم والذكي لا يدع أي جانب من حياته يطغى على الجانب الآخر، فأنا مثلاً أقسم وقتي فأحضر لشهادة الماجستير كما أنني أعمل وأقضي بعض الوقت مع الاسرة. وهي تسعى لتقسيم الوقت واعطاء كل ذي حق حقه حتى انها لا تخشى من فكرة استعدادها لتكوين أسرة. يمكن التوفيق بين العمل والأسرة، وهناك الكثير من النماذج المشرفة للمرأة العاملة والمرأة الام المثالية الناجحة فوالدتي درست في جامعة الملك سعود حوالي عشرين سنة ولم نشعر بأي تقصير في البيت من جانبها. وتشير الجشي الى أنها ستسعى مستقبلاً لتربية أولادها وبناتها على السواء على قدسية العلم والعمل، ففي هذا الوقت البنت والابن بحاجة دائمة للتوعية الاسرية على أهمية العلم والعمل. تتمنى الجشي أن يكون لها التأثير الايجابي على محيطها النسائي: في محيطي نماذج مشرفة للمرأة العاملة فمنهم الدكتورة والمدرسة والمصرفية. وأنا بشكل خاص أحاول أن أوجه الجيل الصاعد في محيطي القريب وأبين له أهمية العمل وان المرأة بالجد والعزيمة يمكنها الوصول الى اعلى المراتب. وهي تشجع الفتاة السعودية على العمل فالعلم والعمل هما المصباح الذي ينير ذهن الإنسان ويجعله في تطور ذاتي دائم وهما تحقيق للذات، وبهذا يمكن للفتاة أن تصبح رمزاً وعلامة فارقة في المجتمع.

المرأة السعودية مؤثرة اقتصاديا

* تعتبر الجشي أن المرأة السعودية قادرة على الخوض في المجال المصرفي كالرجل وبقوة، فهناك الكثير من النماذج النسائية في المجال المصرفي لسيدات وصلن الى أعلى المستويات وأصبحن قادرات كالرجل على خوض هذا المجال والاستمرار فيه. وحول نظرتها المستقبلية للعمل المصرفي النسائي ترى أن المرأة السعودية كأي أمرأة في العالم، المجال مفتوح لها لكي تثبت نفسها وتطور ذاتها وان تكون رائدة في هذا المجال وغيره.

وحول دور المرأة في الحركة الاقتصادية في السعودية، رأت الجشي أن دور المرأة بات مؤثرا اقتصادياً بشكل كبير في بلادها فهناك الكثير من سيدات الاعمال اللواتي قمن بنشاطات اقتصادية وادارة مؤسسات مالية كبرى في السعودية، واصبحن يشاركن في الكثير من الندوات والمؤتمرات العالمية، حتى في الغرف التجارية أصبح لديهن قسم خاص بهن وهذا دليل كبير على دورهن الفعال.

وختمت الجشي بالاشارة الى أنه مع ظاهرة العولمة وتطور الحضارة أصبحت المرأة السعودية تعمل في جميع المجالات تقريبا، وأصبحت رائدة في الاقتصاد والادارة والطب وفي مختلف المجالات. وعن تجربتها الشخصية قالت: طموحي كان العمل في مجال تخصصي وفي نفس الوقت إكمال دراستي العليا، والحمد لله أتيحت لي الفرصة لأعمل في هذا المجال الحساس مما يعطيني الفخر والاعتزاز بالذات. وبالتأكيد فإن كل امرأة تستطيع الوصول إلى ما تريد بالعزم والارادة والاجتهاد.