مخاوف من انفجار الاقتصاد الصيني على ذاته في خضم ضغوط على بكين لفك ارتباط اليوان مع الدولار

القطاع العقاري يجتذب المضاربين من الدول المجاورة

TT

قبل 25 عاما بلغت صادرات الصين 20 مليار دولار واحتلت مركز 32 في قائمة الدول المصدرة ونمت الصادرات بمعدل 30 بالمائة سنويا، حيث وصلت الى 600 مليار دولار سنويا في عام 2004 واحتلت المركز الثالث في العالم ولحقت باليابان. واستمر نمو الصادرات خلال عام 2005 وحققت زيادة بنسبة 35 بالمائة في الربع الأول من العام الحالي، حيث وصل الفائض التجاري 16.6 مليار دولار مقارنة بنفس الفترة لعام 2004، حيث بلغ العجز التجاري 8.4 مليار دولار.

ولكن هذا النمو السريع المذهل جلب معه مشاكل تتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة وربط اليوان بالدولار وأسعار السلع الأولية. وفي السنوات الأخيرة أخذ الاقتصاد الصيني يتطور من تصنيع معدات استهلاكية إلى تصنيع وتصدير السلع الصناعية كالفولاذ والكيماويات وبنفس الوتيرة انخفضت استيرادات الصين من السيارات والمعدات الثقيلة، لأن الشركات الصينية والشركات المتعددة الجنسية تصنع هذه المواد والمعدات في الصين. وباتت الصين أكبر مستهلك للحديد للتصنيع وبناء البنية التحتية، وأكبر ثاني مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة. ولكن هذا النمو الهائل لم يكن بدون ثمن، حيث تشير تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية «جينز» البريطاني، إلى أن الاقتصاد الصيني يواجه عددا من المشاكل التي قد تؤدي إلى انفجار البالون الاقتصادي. وتتمثل هذه المشاكل في ثلاثة عناصر، وهي:

النمو الاقتصادي السريع الذي يغذي التضخم ويخلق بالون ضخم، أدى إلى تكهنات من قبل الخبراء انه قد ينفجر. والعنصر الثاني هو اتساع الثغرة بين دخل الفقراء والاغنياء. والعنصر الثالث القضايا البيئية الناتجة عن نمو اقتصادي خارج عن السيطرة.

وفي هذا الإطار دعا رئيس الوزراء، وين ياباو، في إحدى جلسات الكونغرس الوطني في آذار (مارس) 2005، إلى العمل على إبطاء عجلة النمو السريعة، ولكن احصائيات الربع الأول من العام قد ظهرت الآن والنتيجة لا تبشر بالخير.

وبينما تتحول الصين من اقتصاد موجه حكوميا لاقتصاد رأسمالي مفتوح، هناك حاجة لخلق شبكة أمان اجتماعي. وفي هذا الإطار تطالب الصحف الصينية الحكومة بالاستمرار في نهج الانفتاح الاقتصادي واتباع استراتيجية عالمية. ولكي يستمر النمو الاقتصادي على مستوى عالمي يجب اتباع سياسات استراتيجية للتعاون التجاري مع الدول الأخرى. وتحتل الصين المركز الثالث كأكبر دولة في التجارة العالمية، ولكنها تعتمد على الأيدي العاملة الرخيصة وكثافة عمالية للإنتاج، ويتعين عليها استخدام تقنية إنتاجية حديثة. ويقترح بعض الخبراء أن تتحول الصين من اقتصاد كمّي يعتمد على المنتجات الرخيصة وبكميات هائلة إلى منتجات ذات نوعية ممتازة.

ومن ناحية أخرى أبدى الاقتصاديون مخاوفهم من النمو السريع الوتيرة في قطاعات الاستثمار والعقار والإقراض. وقد نجحت الصين إلى حد ما في تفادي هبوط صعب. وتشير أرقام حديثة إلى أن المؤسسات المالية أقرضت 61.6 مليار يوان (7.4 مليار دولار) في شهر واحد، وهذا ارتفاع يمثل 14.6 بالمائة فوق نفس الشهر العام الماضي. وفي هذا الصعيد قال اقتصادي بنك باريبا، تشين زندونغ، في بكين، «هذا دليل على أن سياسة تقليص السيولة النقدية بدأت تؤثر». وهناك قلق من أن النمو في قطاعات السيارات والمعادن والعقار خرج عن السيطرة الحكومية ويحتاج الى كبح. ولهذا يتفاءل بعض المحللين من أمثال كو هونغ بن، من بنك اتش إس بي سي، أن الهبوط سيكون سلسا. ويعتقد المسؤولون في الحكومة أن نموا بحدود 9 بالمائة سنويا يمكن استيعابه من دون زعزعة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للصين. ولكن مشكلة الاستثمار العقاري تبقى قائمة وبحاجة لإجراءات صارمة، حيث بلغت قيمة الاستثمارات في الموجودات الثابتة في الربع الأول من العام 132 مليار دولار، وهذا يمثل زيادة بنسبة 22 بالمائة في نفس الفترة عام 2004. وتشير الاحصائيات إلى أن 82 بالمائة من هذا الاستثمار ذهبت للمدن التي شهدت نموا بنسبة 25.3 بالمائة مقارنة بالمناطق الريفية التي نمت بنسبة 12.7 بالمائة. ويوجد قلق في أوساط الحكومة الصينية من أن الفروق في الدخل بين سكان المدن والأرياف قد تسبب احتجاجات ومظاهرات وتزعزع أمن الدولة.

ومن جهة أخرى وضعت 7 دوائر حكومية صينية مقترحات مشتركة لتهدئة أسواق العقار، لا سيما أسعار العقار السكني الذي شهد ارتفاعا مذهلا في السنوات الأخيرة. وفي نظر كثير من الخبراء في الشأن الاقتصادي الصيني، أن ارتفاع أسعار العقار سيكون من أصعب المشاكل التي ستواجه الحكومة، حيث ارتفعت أسعار العقار السكني بنسبة 14.4 بالمائة عام 2004 وارتفعت بنسبة 12.5 بالمائة في الربع الأول من العام الحالي. ورافق ذلك نمو كبير في الاستثمارات العقارية، مما عزز التضخم المالي السعري، وجعل الأسعار بعيدة عن متناول الصيني العادي وذوي الدخل المحدود. ولكن الحكومة ترددت في اتخاذ إجراءات حاسمة لكبح جماح أسعار العقار، لأن الحركة العمرانية تساهم في زيادة النشاط الاقتصادي على مستويات محلية وتخلق وظائف للعمال وسوقا جيدا لمواد البناء. ولكن أجراس الإنذار بدأت تدق عندما ارتفعت أسعار المنازل والشقق في شنغهاي بنسبة 100 بالمائة، أي تضاعفت خلال عام 2004. وهذا أجبر الحكومة على التدخل، واشتركت 7 دوائر حكومية في العمل الجماعي على إبطاء وتهدئة السوق العقاري. والذي يميز هذا التحرك الجديد من المحاولات السابقة أن الإجراءات لكبح جماح أسعار العقار هذه المرّة بأنها شاملة وجريئة. وذكرت الصحيفة الصينية تشاينا ديلي أن البنك المركزي الصيني «بيبول بانك أوف تشاينا» كان قد اتخذ خطوات نقدية في السابق خاصة عام 2003 لمنع الافراط في الاستثمارات العقارية. والآن تتعاون سلطات عديدة بجبهة مشتركة لعلاج الأزمة، وهي سلطات الاراضي والتعمير والتمويل والمصارف والضرائب. ومن المعتقد أن توفير عدد كاف من المنازل بأسعار معقولة وفي متناول الغالبية واتباع سياسات اقراض اسكاني وضرائب حكيمة، قد تأتي بنتيجة ايجابية في تهدئة السوق العقاري.

وأدى هذا التدخل الجماعي المنسق والمركز الى هبوط في أسعار العقار في شنغهاي، ولكن ظهرت مخاوف أخرى تتجسد في التدخل الحكومي المكثف، الذي قد يؤدي الى تراجع كبير في الأسعار العقارية وانهيار الثقة، مما قد يؤثر في الاقتصاد العالمي. وتعتقد شركة ميدلاند للعقار التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها ان الأسعار ارتفعت بشكل قوي لمدة عامين متتالين مما شكل بالونا قابلا للانفجار. وفي السياق ذاته قال يوان جون من شركة ريتش وين للعقار في شنغهاي التي تتخصص في العقارات ذات المستوى الرفيع للطبقات الغنية في مقاطعة بودونغ التابعة لشنغهاي «شهدنا تقلصا في المبيعات يعادل 50 بالمائة في الأسابيع الأخيرة».

ويبدو أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة باتت فاعلة حيث هدأت أسواق العقار في بعض المناطق الاقليمية، ولكن في بكين العاصمة لا تزال الأسعار قوية بسبب الطلب المتنامي. وكان هناك قلق حكومي من أن الأموال والاستثمارات تحولّت إلى قطاعات العقار على حساب قطاعات الطاقة والنقل، حيث لا يتمكن قطاع الطاقة والنقل من تلبية الحاجة المتنامية ويدعو خبراء الاستثمار في تطوير بنية تحتية متكاملة لمواكبة النمو السكاني والنمو الاقتصادي، اضف الى ذلك الحاجة لترقية التركيبة الصناعية وتحديثها للاقتصاد في استعمال الطاقة.

وقال المحلل الاستثماري لمؤسسة جي بي مورغان المالية، ريموند نغاي، في هذا الخصوص « الخوف هو من أن الحكومة قد تتمادى كثيرا في حماسها لابطاء السوق العقاري، وإذا حدث ذلك قد نشهد انهيارا في الأسعار». وأضاف أنه حتى هذه اللحظة كانت الخطوات تدريجية ومدروسة مما ترك المجال لاجراءات جديدة أخرى». ووصلت أسعار الشقق الفاخرة في بعض المناطق لأسعار تعادل مثيلتها في الغرب، حيث تضاعف سعر الشقة ليصل إلى 300 ألف جنيه استرليني (560 ألف دولار)، وأسعار في هذا المستوى لا يقدر عليها سوى الاثرياء. واجتذبت الفرص الاستثمارية في الصين زبائن من تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة الذين يراهنون أن الحكومة ستفك ارتباط العملة الصينية «اليوان» من الدولار، مما سيرفع قيمتها ويجنوا بذلك أرباحا على الموجودات العقارية. وتجتذب شنغهاي التي شهدت نموا اقتصاديا بنسبة 13.5 بالمائة عام 2004 أكثر من 120 ألف صيني وافد من مناطق أخرى في الصين.

ولكن على الجبهة الاقتصادية العامة تواجه الصين مشاكل عميقة. ونقلت الصحف الصينية تفاصيل لبعضها، وأهمها: واجهت الصين هذا الربيع قحطا في أجزاء من جنوب وجنوب غرب الصين مما سيخلق صعوبات للقطاع الزراعي ودخل المزارعين وارتفاع أسعار المواد الغذائية، واقترح مدير مكتب الاحصائيات الحكومية زنغ جنغبنغ تقديم دعم مالي مباشر للمزارعين لتعويضهم عن الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها.

ولكي تتجنب الصين تراكم العقبات عليها اتباع استراتيجية الاربع خطوات التي طرحها الخبير الاقتصادي وانغ مينغكوي، في تشاينا ديلي:

التصنيع وبناء مدن جديدة ورفع مستوى نظام السوق المفتوح والانصهار في بوتقة التجارة والاقتصاد العالمي.

وتتعرض الحكومة الصينية إلى ضغوط شديدة من الولايات المتحدة لرفع قيمة اليوان الصرفية بفك ربطه بالدولار الأميركي. ويعتقد الخبراء أن رفع قيمة اليوان سوف لا يؤثر سلبا في الاقتصاد الصيني. وفي هذا السياق نفى حاكم البنك المركزي الصيني أن الصين ستقوم بتعويم اليوان عندما تقوم الصين بتوسيع نظام سوق صرف العملات الأسبوع المقبل. ويتم التعامل باليوان في النطاق 8.27 إلى 8.28 للدولار ولا تزال الولايات المتحدة تضغط على الصين بتبني نظام عملات مرن يتجاوب مع احتياجات التجارة العالمية.