«الشرق الاوسط» ترصد آراء متباينة حول برامج الخصخصة والاستفادة من السيولة المالية في السعودية

السويلم: بيع حصص الدولة يؤدي إلى استيعاب السيولة * المرشد: بيع الدولة لقطاعات مربحة «خطأ اقتصادي »

TT

تباينت آراء بعض المحللين الماليين في السعودية امس حول الجدوى الاقتصادية من استثمار حجم السيولة النقدية، والتي وصلت إلى 137 مليار دولار في ابريل (نيسان) الماضي، اذ يرى البعض ان بيع حصص الدولة في بعض الشركات الكبرى في البلاد سيمكن من استيعاب السيولة الضخمة. في المقابل يرى آخرون ان تملك الدولة لتلك الحصص يحميها من مخاطر انخفاض أسعار النفط مستقبلا.

وكشف الدكتور توفيق السويلم، رئيس «دار الخليج» للبحوث والدراسات الاقتصادية وممثل شركة AGN للاستشارات المالية في المملكة، ان زيادة الاستثمارات التي تعيشها بعض الأسواق الخليجية، وخاصة السعودية تدفع الى ارتفاع السيولة، حيث يتطلب المجال تنفيذ برامج التخصيص التي أقرتها الدولة منذ تسع سنوات، مقترحا ان يتم طرح حصص الأسهم الحكومية في الشركات للبيع، وذلك لامتصاص السيولة العالية، ولكي لا تتجه الزيادة في السيولة نحو أسهم المضاربة، لما فيها من تأثير سلبي على السوق.

ويختلف مطشر المرشد، المحلل المالي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية مع الآراء التي تدعو الى بيع الحصص الحكومية في القطاعات المربحة، موضحا ان عملية امتصاص السيولة النقدية يجب ان تتم عن طريق إنشاء مشاريع جديدة او توجيه السيولة نحو قطاعات حيوية مثل بناء سكك الحديد وتحلية المياه، او الاستثمار في قطاع الطيران عبر شراكة أجنبية، مدللا على ذلك بأنه عندما باعت الدولة 30 في المائة من شركة الاتصالات طرحت بسعر 170 ريالا للسهم الواحد، في حين ان حصة رجال الأعمال بشركة الألبان «رأسمالها أصغر من رأسمال شركة الاتصالات» «سدافكو» وتم تقييمها بـ 260 ريالا للسهم الواحد.

وذكر المرشد ان بيع الدولة لقطاعات مربحة يمثل خطأ اقتصاديا ويجب على السلطات الرسمية عدم التساهل به، مفيدا انه في حال انخفاض أسعار البترول، مستقبلا، سيكون موقف الدولة في وضع محرج، لا سيما ان 80 في المائة من دخل الدولة يعتمد على مصادر النفط.

من جانبه، اشار السويلم الى ان زيادة السيولة دفعت الى ارتفاع المؤشر العام للسوق بنسبة عالية تجاوزت 85 في المائة خلال العام الماضي، مشددا على ضرورة ايجاد قنوات لاستيعاب السيولة النقدية، خاصة ان الاقتصاد السعودي يمر بحالة طفرة جديدة لم تحدث منذ أكثر من 20 عاما حسب وصفه.

واقترح المرشد لاستيعاب السيولة النقدية محليا طرح الدولة لقنوات وبرامج عبر تفعيلها للتخصيص وإعطاء التراخيص لبناء مصانع البتروكيماويات بشكل ضخم وتشجيع المشاريع الانتاجية الخدمية والصناعية الضخمة، مما يجعلها تمثل اضافة للناتج القومي الاجمالي، كون الأخيرة هي التي تميز الاتجاه نحو قطاعات اخرى وانها تمثل زيادة في الناتج القومي وهذا المهم، حسب وصفه، اضافة الى استيعابها لأعداد كبيرة من طالبي العمل والقضاء على البطالة، سواء في وظائف مباشرة للمشاريع او في وظائف تنتج عنها في مصانع تعتمد على منتوجات القطاع الأم. الى ذلك، بين الدكتور السويلم ان ارتفاع الفائدة سيؤثر مباشرة في العديد من القطاعات، مما يجعل المستثمر يجد الربح في الودائع التي تقدمها البنوك، مشددا على ضرورة وجود دور اكبر للبنوك عبر تقديمها للقروض الانتاجية وليس الاستهلاكية. واضاف ان المتضرر من المضاربات هم صغار المساهمين، لذلك من المهم اصدار سندات داخلية للشركات تسمح باستيعاب السيولة، اضافة للبحث عن قنوات جديدة حتى لا ينحصر امتصاص السيولة في صناديق الاستثمار في الأسهم، وانشاء مؤسسات متخصصة في قطاعات متنوعة مثل قطاع العقار وغيره من القطاعات الواعدة.

كما اقترح المرشد ايضا انشاء صندوق ضخم لجمع رؤوس اموال المستثمرين وبناء وحدات سكنية، مدللا بملياري ريال (530 مليون دولار)، والتي وجه ولي العهد السعودي بتمويل بناء مشاريع سكنية لذوي الدخل المحدود، مشيرا الى انه لو تم وضع ملياري ريال في صندوق استثماري عقاري يشابه صناديق الاستثمار في البنوك المحلية، حيث يستخدم المبلغ في تمويل عدد من القروض، ومن ثم طرح أوراق مالية مقابل التدفقات النقدية المستقبلية لتداولها في السوق المالية. واضاف المرشد ان هناك العديد من الطرق التي يمكن استخدامها لتذليل الصعوبات التي تواجه تمويل اي قطاع بناء سكك الحديد او الوحدات السكنية او حتى تخصيص تحلية المياه، والحل حسب رأيه عبر طرح الصكوك الإسلامية او السندات السكنية، موضحا انها عبارة عن اوراق مالية يتم تداولها من قبل البنوك والمستثمرين الأفراد، مشددا في ذات السياق على ضرورة إعادة النظر في الطريقة المستخدمة في احتساب العمولات على القروض بشكل عام، وخاصة السكنية التي تقدمها شركات التقسيط وغيرها من المقرضين لتصبح اكثر عدلا.

واضاف المرشد انه سيعطي مزيدا من العمق للسوق المالي السعودي ويشجع على ابتكار أوعية اسلامية جديدة ويخلق المناخ المناسب لخلق سوق ثانوية للاوراق المالية، ويخفف الضغط على صندوق التنمية العقاري مما يساعد على تسهيل حل أزمة السكن في السعودية. وكشف السويلم ان الاقتصاد السعودي وصل الى مرحلة معقولة من النضج، مما يسمح له بفتح قنوات تشجع الاستثمار في قطاعات تتمتع بميزة نسبية، مشددا على ضرورة القضاء على ما سماه «فيروسات التنمية الاقتصادية»، كون البيروقراطية والروتين من ابرز معوقات تطوير الاستثمار، وموضحا ان هناك تعقيدات في الحصول على التأشيرات، وهذا يعتبر هاجسا رئيسيا لتحريك الدورة الاقتصادية، اضافة للتعقيدات الموجودة في بعض جهات القطاع العام والتي تسبب تأخير وعرقلة مشاريع الاستثمار المحلية والأجنبية، وبين ان الدول المجاورة استثمرت هذه الثغرات والظروف، في الاقتصاد السعودي، فأصبحت تقدم تسهيلات ضخمة للمستثمرين السعوديين، مؤكدا ان كثيرا من الدول افتتحت مشاريع ضخمة تنتج نفس المنتجات الموجودة في السعودية، ومن ثم تسويقها داخل الاقتصاد المحلي.