منتدى الاقتصاد العربي في بيروت يطلق فعالياته وسط تركيز على فرص الاستثمار المتاحة للنهوض

ميقاتي يؤكد على أهمية المعالجة الجذرية للاقتصاد اللبناني وسط دعوته إلى «طائف اقتصادي»

TT

اكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي «ان الوضع الاقتصادي يتطلب معالجة جذرية وشاملة واستكمال عملية الاصلاح»، معلناً «ان الخيارات اضمحلت ولا يزال لدينا فرصة ثمينة وربما اخيرة، تمكننا من الدخول في المستقبل بثقة عارمة».

وطالب ميقاتي بالعمل على اطلاق «ميثاق بيروت» بمثابة طائف اقتصادي ـ انمائي، يكمل مؤتمر باريس ـ2 الذي نجح عربياً ودولياً لكنه تعثر في لبنان، وضرورة تأمين توافق وطني جامع لمشروع النهوض الاقتصادي والانمائي.

وجاء كلام ميقاتي اقرب الى خطاب سياسي اقتصادي شامل قبيل ايام على استقالة حكومته دستورياً بعد اكتمال انجاز الانتخابات النيابية، وقد اختار ان يطرح مجموعة عناوين للمستقبل امام حشد من رجال الاعمال والاقتصاد يشاركون في المنتدى الاقتصادي العربي الذي بدأ اعماله امس في بيروت، بمشاركة نحو الف شخصية من 25 بلداً عربياً واجنبياً، يتقدمهم رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان وعدد كبير من الوزراء والسفراء العرب والاجانب.

وقال ميقاتي في افتتاح المنتدى: «تمر منطقتنا اليوم بكثير من التحديات، فبالاضافة الى غياب الاستقرار السياسي على الساحتين الفلسطينية والعراقية، يواجه عالمنا العربي الحاجة المتزايدة الى الاصلاح واعادة هيكلة اقتصاداته بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد الحديث ومواكبة التطورات المالية والاقتصادية والتجارية على الساحة العالمية. والاهم من ذلك، يجب علينا اليوم العمل على ايجاد المناخ المناسب لاستثمار السيولة المتزايدة في العالم العربي، من خلال تطوير اسواقنا المالية وتحفيز الشركات العربية على اعتماد وسائل متطورة تسمح لها بادراج اسهمها على البورصات المحلية لتستقطب من خلالها بعضاً من السيولة المتوفرة. كل ذلك يجب ان يتم من خلال وضع آلية مراقبة تكون مهمتها الاساسية المحافظة على اموال صغار المساهمين اضافة الى تأمين الشفافية اللازمة لطمأنة المستثمرين. غير ان هذا يتطلب امرين اساسيين هما اولاً، انفتاح اقتصادي وتجاري كامل وشامل بين دولنا، وثانياً توحيد الاطر القانونية والتشريعية المحفزة على الاستثمار في بلداننا. ان الجهود في هذا الاتجاه من شأنها تشجيع الاستثمارات العربية البينية، ليس فقط في قطاعات اسواق المال، بل ايضاً في القطاعات الانتاجية الاخرى الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. ومن شأن كل ذلك المساهمة في استرجاع الطاقات والكفاءات العربية التي هاجرت او ربما هُجّرت». وتابع: «بالاضافة الى التحديات السياسية الداخلية والاقليمية، يواجه لبنان على الصعيدين المالي والاقتصادي تحديات جمة تقتضي منا التحرك وبسرعة لمواجهتها من خلال استكمال عملية الاصلاح، ولا يخفى على احد ان الوضع الاقتصادي يتطلب معالجة جذرية وشاملة، غير مجتزأة، بمشاركة جميع الفرقاء اللبنانيين. ولبنان، بما يملك من طاقات وقدرات بشرية، قادر على تخطي كافة الصعوبات في حال توفرت الرؤية السليمة والبرنامج الصحيح والارادة على التنفيذ، مما يتطلب توافقاً وطنياً شاماً حول دور لبنان الاقتصادي والخطوات الواجب المضي فيها من اجل تحقيق الاهداف المرجوة من الدور المنشود. لقد اضمحلت الخيارات امامنا، الا انه لا يزال لدينا فرصة ثمينة وربما اخيرة، وهي في متناول ايدينا، واذا ما احسنّا انتهازها سنتمكن من الدخول في المستقبل بثقة عارمة لتوفير حياة افضل».

وختم ميقاتي: «أود القول بصراحة ان باريس ـ2 نجح عربياً ودولياً وتعثر لبنانياً، لذا اود التأكيد على ان طريق الاصلاح الاقتصادي ومشروع الانماء يتطلب توافقاً وطنياً جامعاً، بمثابة طائف اقتصادي ـ انمائي، اطلقنا عليه اسم ميثاق بيروت. فكما تطلب خروجنا من الحرب انعقاد طائف سياسي برعاية كريمة من المملكة العربية السعودية وبدعم عربي ودولي، فإن ميثاق بيروت يتطلب، لنجاحه، توفير مثل هذا الدعم. غير ان المسؤولية الاساسية تقع على عاتق اللبنانيين انفسهم وعلى توافقهم الداخلي حول سلة الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة للنهوض باقتصادنا الوطني. وكلنا ايمان بأن هذا التوافق ليس امراً صعباً، خصوصاً ان الجميع اليوم لا بد واع الى مسؤولياته الوطنية في المساهمة في مشروع نهوض وانماء لبنان». وفي كلمة قال اردوغان انه عقب وصوله الى سدة رئاسة مجلس الوزراء في تركيا، عمد فوراً الى خفض عدد الحقائب الوزارية والتي كان يبلغ عددها 38 حقيبة. كما اوضح، انه في سبيل الحد من النفقات ووقف الهدر كان لا بد من اتخاذ هكذا خطوة. وانطلاقاً من مبدأ كسب الصديق، اشار اردوغان الى «ان تركيا سعت الى تعزيز علاقاتها الخارجية من خلال تدعيم سياستها التصديرية».

وتطرق اردوغان الى الدور الذي اولته حكومته للقطاع الخاص التركي واعطاء الاولوية له في مجال الازدهار الاقتصادي وقيادة مسيرة التنمية. وتابع: «ان فتح المجال امام القطاع الخاص المحلي واكبته عملية اصلاح اقتصادي شاملة ارتكزت على ايجاد الارضية القانونية المؤهلة والجاذبة للرساميل بهدف تحقيق الاستقرار في النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية». ثم عرض لرؤية حكومته فيما خص الاستثمار موضحاً ان تركيا لا تفرق ما بين مستثمر محلي وآخر اجنبي، انما يتم التعامل مع المستثمر الاجنبي وفق مبدأ المساواة التامة.

وقال رئيس وزراء تركيا «ان حكومتي مهتمة جداً باستقطاب الاستثمارات. ولذا نصر على المتابعة الشخصية لقضايا الاستثمار ونعمل على تقصير مدة الاجراءات المطلوبة لتأسيس الشركات في تركيا. وفي موازاة العمل على تحسين مناخ الاستثمار، فإن الحكومة التركية تضع نصب اعينها مسألة الخصخصة للعديد من القطاعات الاقتصادية. وكنا بدأنا بطرح مناقصات مرتبطة بصناعة الالمنيوم وعلى اجندتنا تخصيص قطاع الاتصالات».

ولخص اردوغان عمل الحكومة عموماً بفتح المجال امام الراغبين بالانخراط بالحقل الاقتصادي من خلال وضع الاطر والتشريعات الراعية للعمل وفتح السوق.

وختم اردوغان داعياً الى ضرورة العمل على تفعيل التعاون العربي ـ التركي لما فيه مصلحة الجميع في وقت يشهد العالم قيام تكتلات اقتصادية ضخمة في مواجهة رياح العولمة.

من جهته، اكد رئيس اتحاد المصارف العربية وجمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربيه: «ان طبيعة المرحلة الراهنة، بتداخلاتها الدولية والاقليمية وبابعادها الاقتصادية والاجتماعية، باتت تتطلب اكثر من اي وقت مضى، فتح الاسواق العربية امام حركة التجارة والاستثمار والعمل المصرفي والمالي بكل يسر وحرية وفعالية، لان تحرير الاقتصاد وفتح الاسواق يشكلان الرافعة الحقيقية لعجلة النمو والتطور والتعاون الاقتصادي العربي».

وقال: «ومع البدء بتنفيذ منطقة التجارة العربية الكبرى اعتباراً من مطلع العام الجاري، فإننا نأمل ان تكون بداية حقيقية لتعزيز التكامل والتنمية بين دولنا، وخطوة في الطريق الصحيح لزيادة مردود التعاون الاقتصادي بالنسبة لكافة دولنا وشعوبنا، بحيث تزيد من حجم التجارة البينية العربية التي لا تتعدى حالياً مستوى 10% من حجم التجارة العربية الاجمالية، وايضاً لرفع الاستثمارات البينية العربية التي لا تزيد في الوقت الراهن عن 0.5% من اجمالي الناتج المحلي والاجمالي العربي، وكذلك لتحسين وتعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد العربي. كما ان دولنا العربية مدعوة الى مواصلة اصلاحاتها، على الصعد التجارية والمالية والاستثمارية والاجتماعية، من اجل تعميق ارتباطها بالاقتصاد الدولي ودفع خطى التنمية في كافة الاتجاهات. فالدول العربية بحاجة لان تزيد من فرص تصديرها واستقطابها لاستثمارات مباشرة وغير مباشرة خارجية ونقل التقنية المتطورة الى اقتصاداتها الوطنية من اجل تسريع عملية نموها وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية، فبذلك تستطيع دولنا تكبير حجم اقتصاداتها الوطنية وتفاعلها مع السوق الدولية، حيث ان حجم الاقتصاد العربي، باسواقه التجارية والاستثمارية، لا يوازي اكثر من 2 الى 3% من حجم الاقتصاد العالمي. على الرغم من ان الوطن العربي يمتد على رقعة تمثل حوالي 10% من المساحة المكونة للكرة الارضية، ويبلغ عدد سكانه ما يقرب من 5% من سكان العالم».

ورأى طربيه: «ان تحسين الواقع الاقتصادي العربي يتطلب في المقام الاول تعزيز دور القطاع المالي، بشقيه القطاع المصرفي وسوق الاوراق المالية، بشكل يتيح له ان يساهم بشكل فعال ومؤثر في عملية التنمية الاقتصادية وتمويل المشاريع الانتاجية والخدمية. وضرورة الاسراع في عملية فتح اسواق الاوراق المالية العربية، في موازاة التوسع المصرفي عبر الحدود الذي بدأ في المنطقة العربية، لما لهذا الانفتاح المالي من تأثير مباشر وغير مباشر على تنشيط التبادلات الاستثمارية والتجارية بين الدول العربية، وهو امر مطلوب لمساندة تطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والانطلاق منها لبناء السوق العربية المنشودة».

من جهته، اكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: «ان لبنان مر بفترة صعبة كان لها آثارها على النمو الاقتصادي وعلى الثقة المالية. انما نشهد حالياً العودة الى النشاط الاقتصادي والاستثماري وقد قدر صندوق النقد ان العام الحالي لن يشهد نمواً سلبياً وربما يكون قريباً من الصفر مع امكانية ارتفاعه الى الـ 2% تبعاً للنتائج الاقتصادية في القسم الثاني من هذا العام. كما اننا شهدنا عودة الثقة الى القطاع المالي بحيث تراجعت الدولرة في الودائع من 80% في اشد الازمة الى ما من دون الـ 76% حالياً. مما مكن مصرف لبنان من اعادة تكوين موجوداته بالعملات الاجنبية التي عادت وارتفعت الى ما يفوق العشرة مليارات دولار».

وذكر سلامة بأن: «سياسة مصرف لبنان تهدف اساساً الى الاستقرار في الاسعار وبالاخص سعر الصرف، وهو مستمر في هذه السياسة التي سمحت بتخطي الازمات بسبب الثقة. كما مكنت لبنان من تجاوز المخاطر التضخمية التي نشأت بسبب ارتفاع اليورو والنفط معاً في وقت كان الطلب العالمي على مواد البناء وعلى الشحن نتيجة الفورة الاقتصادية في الصين يخلق ضغطاً تصاعدياً على الاسعار ايضاً، خصوصاً ان لبنان بلد يستورد معظم ما يستهلك».

جلسات العمل وعقد المؤتمر جلسة العمل الاولى تحت عنوان «الاصلاحات المطلوبة لتعزيز النمو وخلق فرص العمل». وادارها الدكتور جاسم المناعي المدير العام لصندوق النقد العربي، ثم كانت الكلمة الرئيسية لوزير النفط القطري عبد الله العطية حول انعكاسات اسعار النفط على السياسات الاقتصادية لدول الخليج. تلاه وزير المال التركي كمال اوناكتيان ووزير الصناعة السوداني جلال الدقير ورئيس مجموعة البحر المتوسط للاستثمار وزير المالية السابق فؤاد السنيورة.

وركز المتحدثون على اهمية الاستقرار الاقتصادي الكلي لجهة ضبط المالية العامة والتضخم وتحرير التجارة، وعلى اهمية طرح جيل جديد من الاصلاحات الاقتصادية تستهدف تحجيم القطاع العام وتسريع التخصيص وازالة القيود التجارية وعوائق الاستثمار.

واعتبر العطية: «ان القيادات الحكيمة والتخطيط الموضوعي السليم لا تكفي لوحدها لضمان المستقبل وتأمين متطلبات الاجيال المقبلة بما يتناسب وحصتها من خيرات طبيعية فمشاركة الشعب وتعاونه وتضامنه للعمل في جو يسوده الامان والطمأنينة والعدالة الاجتماعية من الامور الاساسية للنجاح وعليه فإن الاستثمار في كل ما يطور ويخدم العنصر البشري ويجهزه للمساهمة الفعالة في بناء وتطوير المجتمع يبقى اهم الاستثمارات والاكثر مردوداً بكل الاعتبارات».

واكد العطية: «ان الزيادات الاخيرة في الاسعار لم يكن لها التأثير المتوقع لتغيير الخطط والاهداف التي رسمتها الدول المنتجة وانما ساعدت على ترسيخ ما تم اعتماده وعجلت في المسيرة تجاه تنويع مصادر الدخل ودعم الاحتياطات المالية، الامر الذي جعل الدول المنتجة في وضع تفاوضي اقوى لتحقيق مردود اكبر مقابل استنزاف ثرواتها الناضبة وتأمين مستقبل افضل لاجيالها المقبلة وتحصينها وتقليل اعتمادها على ايراداتها النفطية والتي يجري التخطيط للتقليل من اهميتها والاعتماد عليها حسبما تأمل الدول المتقدمة».

وبعد تلبية دعوة الى مأدبة غداء اقامتها مؤسسة التمويل الدولية، التأمت جلسة العمل الثانية وتمحورت حول التحديات التي تواجه الشركات العربية في عصر الاسواق المفتوحة. واستهلها نائب الرئيس لبنك برقان الكويتي طارق عبد السلام، ثم بدأت نقاشات موسعة شارك فيها مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في دبي ورئيس شركة اعمار العقارية محمد العبار ونائب رئيس مجلس الادارة لمجموعة شركات الاتصالات المتنقلة سعد البراك ورئيس مجلس ادارة شركة كابلات السعودية خالد زينل الرئيس التنفيذي لشركة رسملة علي الشهابي ونائب رئيس شركة اتحاد المقاولين سامر خوري.

وتم تخصيص الجلسة التالية للمشاريع العقارية الكبرى في المنطقة وشارك فيها رئيس مجموعة زيدان القابضة عمرو بن فريد زيدان ورئيس شركة سوليدير ناصر الشماع ومدير عام شركة موارد الاردنية اكرم ابو حمدان والمدير العام لشركة العبدلي للاستثمار والتطوير جوزف الحلو ورئيس شركة الدار للاستثمار العقاري محمد صالح.

يختتم المنتدى اعماله اليوم (الجمعة) بعقد جلسة نقاش حول تحديات الصناعة المصرفية العربية وجلسة ثانية حول متطلبات استقطاب الاستثمار الاجنبي وورشة عمل حول السوق المالية التونسية وجلسة نقاش ثالثة حول فورة الاسهم في المنطقة، ثم جلسة خاصة حول افاق الاستثمار والاعمار في العراق. قبل ان يلتقي المشاركون مجدداً في حوار مفتوح مع رئيس مجلس الوزراء اللبناني.