خبير اقتصادي أردني يقدم خطة عشرية لتطوير التأمين الإسلامي عالمياً

في ندوة حول صناعة الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا

TT

قال المدير العام لهيئة التأمين في الأردن، باسل الهنداوي، إن عدم وجود سلطة شرعية عليا ذات قرارات ملزمة وموحدة سيعمل دائماً على إضعاف دعائم وأسس التأمين الإسلامي أو التكافل سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل، وسيبقى الحال كذلك حتى يتم الاتفاق على جميع مفاهيم التكافل وأسسه وتعميمها.

ودعا الهنداوي في كلمة أمام المشاركين، في ندوة عقدت أول من أمس في ماليزيا بتنظيم من مجلس الخدمات الإسلامية وبنك التنمية الإسلامي تحت عنوان «خطة عمل عشرية لتطوير الخدمات المالية الإسلامية»، إلى رسم خطة عمل لتطوير العمل التأميني الإسلامي (التكافل) بهدف مساعدة مجلس الخدمات المالية الإسلامية في صياغة خطة عشرية تهدف إلى تطوير وتنظيم الخدمات المالية الإسلامية في العالم خلال السنوات المقبلة. وأوضح الهنداوي أنه مع زيادة الوعي بمبادئ ومفاهيم الشريعة الإسلامية وقدرتها على بناء نظام اقتصادي مناسب وبديل للخدمات المالية المقدمة في النظام التقليدي، يعتبر التكافل في بعض الأسواق، خيارا للتأمين التقليدي، مؤكدا أن العولمة وتحرير الأسواق المالية أحدثت تغييرات جذرية لكل من القطاع المالي المحلي والدولي، وقد صاحب هذه التغييرات تسارع في تحرير الأسواق المالية المصحوبة بالتقدم التقني، وقد كان لهذا التقدم التقني أثر في إزاحة الحواجز في السوق، مما أدى إلى التوسع الملحوظ في صناعة التكافل عالمياً وخاصة في العالم العربي.

وأضاف انه خلال الأعوام العشرين الماضية شهدت مؤسسات التكافل العاملة في الدول الإسلامية وفي الدول التي يشكل المسلمون فيها الأغلبية توسعاً ملحوظاً. وقال ان مفهوم التكافل ظهر في السودان في عام 1979، ثم امتد تدريجياً إلى المملكة العربية السعودية والبحرين وإيران وقطر، كما ظهرت حديثاً مؤسسات تعمل على أساس هذا المفهوم في مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والكويت.

بالإضافة إلى ذلك فان المحاولات قائمة لتوسيع هذا المفهوم في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية مع أنها لم ترقى حتى الآن لمستويات النجاح، على الرغم من عدم وجود أدنى شك بوجود فرص نجاح التكافل في دول العالم الغربي وخاصة تلك التي تحتضن تجمعات إسلامية كبيرة. ولغايات تحقيق هذا النجاح، لا بد أن يماثل التخطيط الاستراتيجي والاستثمار في التكافل ذلك المتعارف عليه في صناعة التأمين التقليدي، مما قد يستدعي تغيير بعض الأطر التنظيمية لمفهوم التكافل.

وقال انه بالرغم من تجذر مفاهيم التكافل أو التأمين الإسلامي، الا أنها لا تزال تعتبر جديدة لم يتم التطرق لكثير من جوانبها بعد، وخاصة تلك المتعلقة بالتأمين على الحياة. ومن أبرز الجوانب التي يجب البحث بها، الحاكمية المؤسسية والممارسات المالية الاحترازية للسوق وإجراءات الإشراف بالإضافة إلى تنميط المفهوم العالمي للتكافل. وأضاف أن التكافل يشكل عنصراً رئيسياً في النظام المالي الإسلامي، كما انه يلعب دوراً رئيساً في النظام المالي العالمي من حيث قدرته على تحريك الموارد المالية الطويلة الأجل، والتزويد بآليات إدارة المخاطر المبنية على المشاركة، وفي نفس الوقت دوره كمستثمر مؤسسي، مما يهيئ هذا النظام ليصبح لاعباً أساسيا في الأنظمة المالية العالمية. وأوضح إن معظم أسواق التكافل الجديدة والمحتملة تتميز بارتفاع معدلات دخول أفرادها، مما قد يؤدي حال استغلال ذلك بالشكل الأمثل لرفع مستويات الأقساط المطلوبة مقارنة بأسواق التكافل الحالية كما في ماليزيا، أو أسواق التكافل المحتملة في أوروبا. بالإضافة إلى ما سبق فان العديد من الفرص توجد في الأسواق ذات الحجم الكبير والكثافة السكانية العالية على الرغم من كون مساهمات أفرادها متواضعة، مثل مصر وباكستان والهند وإيران.

وأضاف الهنداوي أن للتكافل المقدم عن طريق البنوك، والعلاقات مع البنوك الإسلامية، والبنوك التقليدية التي تقدم خدمات إسلامية، دورا كبيرا في فتح مجالات التقدم لمفهوم التكافل، مشيرا الى ان مستقبل التكافل يرتكز بشكل كبير على القدرة على تحويل التحديات إلى فرص لاستغلالها، ومن ابرز التحديات التي تواجه صناعة التكافل، عدم وجود مصطلحات فنية موحدة، والاختلاف في تفسير الشريعة، وتطوير عناصر الموارد البشرية وتطوير منتجات التكافل وإعادة التكافل وقلة استراتيجيات التسويق والترويج.

وبين انه من أبرز التحديات الأخرى الإطار القانوني، حيث انه وحتى تنتظم أعمال التكافل وتنمو لا بد من توفير البنية التحتية التي ستمكن السلطات المحلية من التنظيم والإشراف على أعمال التكافل، ولذا فان وجود الإطار القانوني أساس لهذه السلطات للسلطة لتمارس مهام الإشراف على أعمال التكافل ومتابعة تطابقها مع الشريعة. وقال الهنداوي إنه يوجد في معظم الدول الإسلامية نظامان ماليان يعملان جنباً إلى جنب، حيث أن ما يطبق قانونياً في النظام المالي التقليدي من حاكمية مؤسسية وكفاية رأس المال والتقيد بالتعليمات الأخرى لا بد أن يطبق في النظام المالي الإسلامي. كما أن القدرة على الاستجابة للمتطلبات السابق ذكرها، سيعمل على تحقيق موطئ قدم ثابت ومستقر للتكافل، على الرغم من اضطرار نظام التكافل وكغيره من الأنظمة المالية الأخرى إلى مواجهة منافسة عالية وذلك نتيجة العولمة، وتطبيق مفاهيم اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.

وأضاف ان التكافل في وقتنا الحالي يزدهر في الأسواق الإسلامية، حيث تنحسر خبرات هذا المفهوم في أيدي علماء الشريعة والمؤسسات الإسلامية. ولكن قوى العولمة والمنافسة قد تدفع شركات التأمين العالمية في الغرب إلى طرح مفهوم التكافل إلى عملائها المسلمين وغير المسلمين. لذلك لا بد من الاستعداد لهذه التحديات، وفرض معايير الأداء المستخدمة في أنظمة التأمين التقليدية على نظام التكافل.

وأشار الهنداوي الى أنه بالرغم من نجاح التكافل في توزيع المخاطر بين المساهمين تحت إدارة المؤسسات التكافلية، ما زالت إعادة التكافل أو إعادة التأمين تشغل العاملين والمفكرين في قطاع التكافل. كما هو الحال في التأمين التقليدي فان إعادة التكافل ضرورية، على الرغم من أن التطبيقات الحالية لمفهوم إعادة التكافل لا تتماشى إلى حد كبير ومتطلبات العاملين في قطاع التكافل، لذلك أصبح من الضروري بذل الجهود لتطوير أعمال التكافل.

وكقيّمين على المدخرات المالية العامة، قال الهنداوي ان مقدمي خدمات التكافل لا بد أن يحرصوا على أن تدار مدخرات التكافل بعناية، آخذين بعين الاعتبار أن الاستثمار في عمليات التكافل والمبنية على المشاركة في الربح هي على درجة عالية من الأهمية كعمليات الاكتتاب مثلاً. كما أفاد بوجود جوانب لا بد من أخذها بعين الاعتبار في حالة التكافل، وخاصة تلك المتعلقة بطرق الاستثمار والتي يجب أن تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهي في هذه الحال محدودة، لذلك أصبح من الضروري لكل الأطراف ذات العلاقة دراسة وتطوير وترويج التنويع في أدوات الاستثمار المقبولة في الشريعة.

ولغايات توحيد الآليات التي تم ذكرها سابقاً، ولغاية المساهمة مع مجلس الخدمات المالية الإسلامية في تطوير تخطيطه الاستراتيجي للسنوات العشر المقبلة، اقترح الهنداوي ملامح رئيسة لخطة العمل للمرحلة المقبلة.

واختتم الهنداوي كلمته بالتأكيد على أن المنجزات في مجال التكافل حتى وقتنا الحاضر ما زالت ضئيلة جداً، ولكن أداء العاملين في قطاع التكافل يبشر بوجود تطور ونمو مطرد، وخاصة عند الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة ضئيلة من المجتمع تتمتع بغطاء تأمين على الحياة، فان المجال لا يزال مفتوحاً لنمو التكافل في السوق، وبالتالي فان التكافل وجد ليبقى. ومن الجدير ذكره أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي تأسس عام 2002 بهدف وضع مبادئ ومعايير الإشراف على الخدمات المالية الإسلامية والتي تشمل البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي وأسواق رأس المال الإسلامية. ويأتي عمل هذا المجلس مكملاً للأعمال التي تقوم بها لجنة بازل في ما يتعلق بالرقابة على البنوك والجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين في ما يتعلق بقطاع التأمين والمنظمة لدولية لهيئات الأوراق المالية.

وقد ارتكزت محاور الندوة حول البنوك الإسلامية والتأمين الإسلامي (التكافل) وأسواق رأس المال الإسلامية، حيث حضرها حوالي 700 شخصية من صناع القرار من هيئات إشرافية وبنوك وشركات تأمين وعلماء وفقهاء وباحثين.