لبنان يستمد تجربة آيرلندا لتفعيل النمو الاقتصادي عبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

توفير التمويل المدعوم ليس بديلا لدور الأسواق المالية والتقنية

TT

تعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، وبالاخص في الدول الصناعية والمتقدمة، حيث تستقطب بين 60 و70 بالمائة من اليد العاملة، فيما تستوعب المؤسسات الصغيرة او «العائلية»، اكثر من 70 بالمائة من اليد العاملة في الدول النامية.

ومع انتشار مفهوم الثورة الرقمية منذ التسعينات، وما خلفته من آثار وتداعيات على اقتصادات الدول وارتباط نسبة الرفاه الاجتماعي والاقتصادي بنسبة اعتماد المجتمعات على التقنية، فقد تزايد الوعي العربي بأهمية تطوير فرص وجود وقيام الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالاخص القائمة منها على تقنية المعلومات والاتصالات، التي تعتبر فاعلة في تحريك عجلة النمو.

وقد تأثر لبنان كغيره من الدول بهذا التغيير، وبأهمية دعم المؤسسات الصغيرة، وتم اعتماد برنامج متكامل وفعال لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر شركة كفالات، كما تم انشاء حاضنة اعمال تقنية «بيريتك»، بالتعاون مع القطاع المصرفي، وذلك بهدف ايجاد بيئة مشجعة لقيام هذا النوع من الكيانات الاقتصادية.

لكن ومع ارتفاع نسبة الخريجين الجامعيين ونسبة الهجرة للطاقات الشبابية، التي يقابلها تطور وتنوع الاحتياجات الضرورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع اللبناني، تحول الاهتمام للبحث عن سبل تطوير هذه المؤسسات من الشكل العائلي الى الشكل القانوني، الذي يسمح لها باصدار الصكوك المالية وزيادة نسبة حصولها على التمويل المباشر في الاسواق المالية.. فهل الاسواق المالية جاهزة لهذا النوع من التمويل؟ وما هو دور الجامعات والخريجين في هذه القضية؟.

«الشرق الأوسط»، التقت العديد من المعنيين والخبراء في هذه الشؤون، واول اللقاءات كان مع رئيس مجلس الادارة والمدير العام لشركة كفالات، خاطر ابو حبيب، الذي اعتبر ان نسبة 98.78 بالمائة من المؤسسات في لبنان، هي مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وما وجود شركة «كفالات»، الا لدعم وتطوير اداء وانتاج هذا النوع من المؤسسات، بحيث يستفيد الفريق الذي يتقدم بطلب القرض من كفالات بناء على دراسة الجدوى للمشروع المقترح، سواء أكان لتطوير اداء وانتاج مؤسسة عاملة، او لتأسيس شركة جديدة، وذلك بتوفير تمويل مالي سقفه 300 مليون ليرة (200 الف دولار)، بفائدة لا تتجاوز عملياً 2.2 بالمائة، ولمدة سبع سنوات، وهنا لا بد من الاشارة الى اسباب الدعم التي يوفرها مصرف لبنان المركزي لهذه القروض، من خلال خفض نسبة المخاطرة على المصارف، عبر دعم الفوائد، مما شجع المصارف من قبول وتسهيل امر القرض، ومن كل المناطق وفي كافة الحقول الاقتصادية، وساعد على إقدام الشباب اللبناني على المخاطرة في انشاء مؤسساتهم الخاصة او تطوير ما هو قائم منها، لانه بوجود كفالات وضماناتها التي تكفل نسبة 75 بالمائة من قيمة القرض خفضت من حدة هذه المخاطرة، ولا ننسى من ان الدورة الاقتصادية اللبنانية تقوم في معظمها على هذه المؤسسات، اي انها خلقت حركة نمو اجتماعي واقتصادي في معظم المناطق اللبنانية.

وقال ابو حبيب: «ان ما قدمته كفالات حتى اليوم من نتائج ايجابية ليس بكاف، رغم جودته وأهميته، لذلك يجب تطوير عطاءات كفالات، وهذا ما سنفعله في المرحلة المقبلة، من خلال بعض البرامج المطروحة مع وزارة الاقتصاد والتجارة ومع مركز الابحاث الوطني في وزارة الصناعة، وبتمويل من الاتحاد الاوروبي بقيمة 4 ملايين يورو (نحو 5 ملايين دولار)، سيكون جزء منه لصالح رفع قيمة الحد الاقصى للقرض، والقسم الآخر لتأسيس حاضنات اعمال تقنية وغير تقنية لتطوير ودعم الافكار الخلاقة وتحويلها لمؤسسات ومشاريع قائمة، كذلك لتأليف كوادر فنية استشارية موزعة على هذه المراكز، التي ستوزع على كافة المحافظات، للوجود بصورة دائمة، وتقديم الارشاد والتدريب الفني والتقني والقانوني في حقل التأسيس والانتاج والتسويق للمستفيدين من هذه المشاريع».

ورغم كل ذلك، اشار ابو حبيب «نحن بحاجة لتغطية نواقص عديدة لو اردنا تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، من خلال دعم وجود هذه المؤسسات، ويأتي في مقدمها تطوير السوق المالي عندنا، فنحن بحاجة لصناديق استثمار متخصصة وناجمة، واي من شأنها المساهمة في عملية الرسملة الداعمة لهذه المؤسسات ومساعدتها على الخروج للاسواق العالمية من خلال الاستثمار فيها والمشاركة في رأس المال».

h,qp hki الى جانب كفالات التي توزعت مساعدتها وقروضها على كافة المرافق والمناطق، بحيث بلغ مجموع الكفالات المصدرة حتى نهاية مارس (آذار) الماضي، حوالي 34 ألف كفالة، ساهمت بحركة نمو اجتماعي واقتصادي واسعة تعمل مؤسسة (بيرتيك) على تطوير فرص وجود وانشاء شركات تقنية ناجحة قائمة على الافكار الجديدة للشباب اللبناني.

من جهته، قال مدير عام (بيرتيك) مارون نقاش: «المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عنصر رئيسي في عملية التنمية الاقتصادية في كل دول العالم المتطور، فهي تستوعب عادة اكثر من 60% من اليد العاملة، ولو نظرنا الى اميركا لوجدنا ان نسبة 80% من اليد العاملة موزعة على المؤسسات المتوسطة، وهذا يؤكد اهمية تطوير فرص تأسيس وتطوير هذا النوع من المؤسسات. ولبنان ليس ببعيد عن هذا الوضع، فمعظم المؤسسات اللبنانية هي صغيرة ومتوسطة، في ما لو اعتمدنا التصنيف العالمي».

واضاف نقاش: «لنتمكن من تطوير وتنمية الدورة الاقتصادية في لبنان، لا بد من اتخاذ عدة اجراءات، من اهمها ايجاد آلية مشتركة تنظم اسس التعاون في ثلاث جهات في المجتمع اللبناني، تبدأ بالجامعة، ثم القطاع الخاص، ثم الدولة، كما فعلنا في «بيرتيك»، التي تعتبر نقطة التقاء في هذه الآلية. فنحن نبحث عن فرص المواهب والابداع والطاقات المتوفرة لدى الشباب الجامعي، وفي كافة الحقول والقطاعات، ثم نمدها بالدعم الفني والتقني، وايضاً المادي، لاسيما تلك الافكار والمشاريع المتعلقة بالمشاريع التقنية، التي تعتمد على تقنية المعلومات وتقنياتها في انتاجها للحد من الرقمية او في عملية الانتاج، مما يضفي قيمة مضافة على المنتج اللبناني، كما توفر الدورات التدريبية لهذه الشريحة من الشباب والارشاد القانوني والفني الذي مررنا من حصوله التقنية الحديثة من الجامعة الى الشركة، كالاقتصاد الوطني ككل، وسط جو من التكامل من تبادل الخبرات في العملية الانتاجية، كما تساهم لتسويق هذه الافكار والخدمات في المحيط الاقليمي والدولي مما ساهم في جذب فرص للاستثمار الى هذه المؤسسات الصغيرة».

وتابع نقاش: «نركز على الاهمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه المؤسسات، من خلال ايجاد فرص عمل جديدة والحد من نسبة هجرة الطاقة الشبابية، وهذا ما حصل في ايرلندا مثلاً عندما اعتمدت في مرحلة التنمية الاقتصادية، على تقنية المعلومات وبدأت تدعم الافكار الشبابية في هذا المجال من خلال حاضنات التقنية وغيرها، التي ساهمت بارتفاع نسبة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في كافة الحقول، وبالتالي عادت هذه الخطوة لتجذب الرساميل الايرلندية للاستثمار في ايرلندا وعاد من هاجر، للعمل داخل وطنه الام وهذا ما نحن بحاجة اليه في لبنان، وهذا ما نحاول المضي قدماً فيه في (بيرتيك)، التي تحولت الى نقطة جذب للشباب اللبناني لتحقيق طموحاته».

واستطلعت «الشرق الأوسط» الرأي في دور القطاع المصرفي في عملية تأمين القروض وتنمية قرارات الكوادر اللبنانية المتخصصة، فقال الدكتور سامي نصيري، مستشار مجموعة الاعتماد اللبناني: «تعتبر حاضنة (بيريتك) لاعمال التقنية، من اهم المؤسسات التي تطور وجود الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعنى بشكل خاص بتقديم الخدمات التقنية وبالشركات التي تعتمد على تقنيات التقنية الحديثة لاعطاء قيمة مضافة لمنتجاتها وتنافسية في الاسواق العالمية».

واشار الى ان «الاعتماد اللبناني» عضو مجلس ادارة في المؤسسة ويلعب ايضاً دوراً رئيسياً في تمويل وتفعيل معظم المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية القادرة على الحياة والاستمرارية في ظل النظام لاقتصادي الحر وسياسة السوق المفتوح، مبينا انهم من الرواد في برنامج «كفالات» للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تكمن مهامها في منح القروض الطويلة الاجل لهذا النوع من المشاريع وبفائدة شبه رمزية.

وقال نصيري: «يوجد اليوم اكثر من ألفي مؤسسة تحتاج للتنمية وتطوير كوادرها وانتاجها من خلال توجيه ادارات هذه المؤسسات باتجاه استخدام تقنيات التقنية الحديثة لمنح انتاجها الخبرة التنافسية في الجودة والنوعية وسرعة الانتاج، كما يجب تقديم المعونات المادية لهذه المؤسسات لما فيه مصلحة اعادة تركيب المجتمع اللبناني والاقتصاد الوطني والحفاظ على هذه الطبقة الوسطى عبر هذا النوع من المؤسسات. وصراحة، هذا ما يفعله الاعتماد اللبناني من خلال (بيرتيك) و(كفالات)، لا سيما تلك المؤسسات التقنية التي تنشأ بفضل الافكار الخلاقة لشباب الجامعات».

ويعتبر نصيري انه «على الجامعات ان تلعب دوراً رئيسياً في انشاء شبكة اتصال وتواصل بينها وبين القطاع الخاص في الاسواق المحلية والعالمية، لتأمين فرص العمل والتطوير والانتاج والتسويق داخل هذه المؤسسات الناشيءة، ولجذب الاستثمار للاستثمار فيها بما يتلاءم ومصلحة تنمية حركة النمو الاقتصادي والاجتماعي اللبناني».

وعما اذا كانت المصارف المتعاونة سواء مع (بيرتيك) او (كفالات)، تقدم عبر برامج قروضها المعتمدة التسهيلات اللازمة، اجاب رجا نعسان، المدير الرئيسي لخدمات لافراد في البنك اللبناني الكندي: «نحاول التوجه بنسبة عالية الى المؤسسات القائمة او التي ستقوم على استخدام التقنية الحديثة. كما نوجه معظم برامجنا للمؤسسات السياحية التي بدأت تستعيد دورها وتطور اداءها لفضل تقنية المعلومات والمؤسسات التي بدأت تستخدم التقنية لتطوير ادائها وانتاجها. واللافت ان لبنان بدأ يشهد أخيرا ارتفاع نسبة قيام هذه المؤسسات بعد قيام شركة كفالات وتخفيف نسبة المخاطرة في عملية الاقراض على المصارف، لكن يبقى اننا ما زلنا بحاجة لدعم اكثر في هذا المجال لرفع سقف القرض والى التركيز على نشر الوعي لاهمية ما يقوم به القطاع المصرفي وكفالات في تطوير فرص وجود مثل هذه المؤسسات من خلال التركيز على الناحية الاعلامية للبرامج المقترحة».

وعن الاحتياجات الضرورية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المجتمعات العربية قال الدكتور محمود عادل، الخبير التقني والفني في هذا المجال، من المملكة العربية السعودية: «لتأمين المناخ الملائم لتنمية ودعم وجود هذه المؤسسات، لا بد لحكوماتنا في العالم العربي من بذل الكثير من الجهود من انشاء بنوك المعلومات التي تقدم الدراسات والاحصاءات والارشادات اللازمة للمستفيدين من هذه المؤسسات الى ضرورة اعتماد برامج تدريبية وتوجيهية متنوعة في حفل الادارة والانتاج والتسويق المجانية للشباب الراغب بإنشاء مثل هذه المشاريع والاتفاق مع المنظمات والهيئات الاقليمية والدولية المتخصصة في هذا المجال للقيام بهذه الدورات، كما يترتب على الحكومات منح اعفاءات واسعة وتسهيلات في عملية تسجيل هذه المؤسسات واعفاءات ضريبية وجمركية على احتياجاتها وتجهيزاتها وبعد تأمين المناخ التقني والفني الملائم لقيام هذه المؤسسات تقوم الحكومات بتسيير وتأمين القروض الطويلة الاجل ذات الفوائد المخفضة لهم، وهكذا نؤمن البنية التحتية لقيام وتفعيل دور هذه المؤسسات التي هي بمثابة العجلات الصغيرة التي تزيد سرعة وحركة النمو الاقتصادي في المجتمعات».