«سينوك» الصينية تضع شعارات السوق الأميركية الحرة تحت الاختبار بعد الضجيج حول تقدمها لشراء «يونوكال» النفطية

محللون: الموقف الرافض يكشف عن تناقض في واشنطن من سعيها نحو تملك الأصول في دول أخرى

TT

قال محللون اقتصاديون إن العرض الذي تقدمت به الشركة الصينية الوطنية البحرية للبترول (سينوك) بشراء شركة يونوكال، وهي إحدى كبريات شركات البترول الأميركية، تسبب في وضع شعارات السوق الحرة التي تروج لها واشنطن تحت الاختبار الحاد، وان النتيجة حتى الان تكشف زيف بعض تلك الشعارات.

فالمعروف ان قواعد التجارة العالمية التي وضعها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية تشجع بشكل عام المستثمرين من الدول الغنية عموما على شراء الشركات في الدول الصناعية الأخرى أو في الدول الفقيرة ومنها الدول العربية مثل مصر والسعودية والاردن باسم الأسواق المفتوحة والنمو الاقتصادي.

لكن الضجيج ورد الفعل الاميركي الذي أحدثته شركة سينوك بعرضها هذا يُظهر ما يمكن ان يحدث في ذلك الظرف النادر الذي تتقدم فيها شركة من العالم النامي من أجل شراء أخرى في دول الشمال.

ومما يكشف التناقض في موقف الولايات المتحدة حقيقة قيام شركات اميركية بشراء اصول كثير ة في العالم وبدون مشاكل. اذ زاد ما اشترته الولايات المتحدة من أصول في الخارج بنسبة 855.5 مليار دولار في عام 2004، بعد أن كان 328.4 مليار دولار في عام 2003، وهو ما رفع مجموع ما تملكه الولايات المتحدة من الأصول في الخارج الى 9 تريليون دولار حتى نهاية عام 2004، بحسب المكتب الأميركي للتحليل الاقتصادي.

ورغم أنه كان من الواضح أن الشركة الصينية سوف تلعب وفقا لقواعد الرأسمالية العالمية التي وضعها وول ستريت، وهو شارع المال في نيويورك، إلا أن الكونغرس الأميركي تراجع سريعا متخذا موقفا دفاعيا، معتبرا هذا العطاء تهديدا للأمن القومي، وحث فيه إدارة الرئيس جورج بوش على إلغاء عطاء شركة سينوك.

وقد صرح «مايكل ر. ويسيل» عضو لجنة التجارة والأمن الاقتصادي الصينية الأميركية، وهي إحدى المجموعات الاستشارية في الكونغرس الأميركي والخاصة بالعلاقات مع الصين، لـ«الشرق الاوسط» قائلا: «من وجهة نظر السياسة العامة يثير العطاء مسائل خطيرة فيما يتعلق بالأمن القومي; فالطاقة أحد أصول الأمن القومي طبقا لأي تعريف معقول».

وأضاف: «وشركة سينوك شركة تديرها الحكومة الصينية، فهي ليست مؤسسة تجارية خاضعة للسوق الحرة».

وقد أكد ويسيل لـ«الشرق الأوسط» أنه في الوقت الذي توجد فيه أسعار متصاعدة للطاقة وموارد محدودة منها، فانه توجد فرصة كبيرة لقيام «شركة مملوكة للدولة» بشراء شركة أخرى، ثم تقوم «بتقييد فرصة حصول الدول الأخرى والمستهلكين الآخرين على هذا الأصل».

وفي هذا الشأن لا زالت إدارة بوش صامتة حتى الآن، وهي التي تملك القرار النهائي بشأن هذا الموضوع المتعلق بالأمن.

ومنذ أسبوعين أرسل عشرات من أعضاء الكونغرس خطابا إلى وزارة الخزانة يطالبون فيها اللجنة التابع للوزارة بإعادة النظر في عطاء الاستثمار الخارجي الذي قدمته شركة سينوك والذي يبلغ 18.5بليون دولار، وقد ارتفع هذا عن نظيره الذي تقدمت به شركة البترول شيفرون الأميركية العملاقة.

وقد حذرت مجموعة الكونغرس تلك، والتي يتقدمها ممثلون من ولايتي تكساس ولويزيانا، وهما كبرى الولايات المنتجة للبترول، من أن «الاستراتيجية الصينية الشرسة» من أجل زيادة مصادر الطاقة لديها يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بالولايات المتحدة، لأن 70 بالمائة من شركة سينوك مملوكة للحكومة الصينية.

وقد ردت الصين بتحذير الكونغرس الأميركي من «تسييس المسائل الاقتصادية والتجارية».

كما أوضح فو تشينجيو رئيس مجلس إدارة شركة سينوك أن شركة يونوكال مسؤولة عن واحد بالمائة فقط من مجمل الإنتاج الأميركي من البترول والغاز، وهي نسبة لا يمكن أن تمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي. وبالإضافة إلى ذلك تعهدت الشركة الصينية ببيع البترول الذي تنتجه يونوكال داخل الولايات المتحدة، لكن هذا لم يخفف من حدة الانتقادات الموجهة للصفقة.

ومن جانبه قال ويسيل: «لقد دخلت الصين في ترتيبات خاصة مع السودان وإيران ودول أخرى; حيث تريد امتلاك البترول وغيره من أصول الطاقة منابعها».

وأضاف: «لا يبدو في المدى الطويل أنها (اي الصين) ستنافس في السوق الحرة على أصول الطاقة مثل الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وهذا ما يثير قلقا حقيقيا حتى إذا لم يشعر الإنسان بالقلق على الطاقة التي تمتلكها شركة يونوكال والتي تساوي 1.75 بليون برميل من البترول والغاز. إنها صفقة شديدة التأثير تمثل سابقة ستحسم اي نقاش مستقبلي مشابه». لكن تود مالان المدير الإداري لمنظمة الاستثمار الدولي، وهي منظمة تمثل الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة، أكد أن التحرك من قبل الكونغرس من أجل إعاقة الصفقة برمتها يمكن أن يرسل رسالة للعالم مفادها أن الشعارات الأميركية حول قواعد الاستثمار المفتوح ليست إلا «طريقا ذا اتجاه واحد» اي انها تخدم مصالح اميركا فقط. والجدير بالذكر ان هذه السياسة الخاصة بالانفتاح صارت تُعرف باسم إجماع واشنطن، والذي يشكل أساس الأيديولوجيا التي تحكم معظم اقتصاد العالم ومناصريها من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

لكن حتى البنك الدولي، الذي يُنظر إليه في الجنوب بشكل تقليدي على أنه أحد أدوات السياسة الخارجية الأميركية، قال بشكل هادئ إنه من الطبيعي للصين أن تسعى لامتلاك أصول خارجية، بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة.

ففي رسالة لـ «الشرق الاوسط» بعث بها ديفيد دولار، مدير البنك الدولي في الصين، عبر البريد الإلكتروني قال: «لقد وصلت الصين إلى مرحلة من التنمية أصبح من المعقول فيها لبعض شركاتها أن تتحرك عالميا وتقوم بالاستثمار في كل أنحاء العالم».

وأضاف: «إنني كمواطن أميريكي أعتقد أنه شيء جيد أن تقوم الشركات الصينية بالاستثمار في الولايات المتحدة، تماما مثلما فعلت الشركات الأميركية في الصين منذ عقود وحتى الآن».

وأكد دولار أنه بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية فإن مثل هذا التقاطع في الاستثمار يعني أن كل دولة لديها اهتمام كبير بأن ترى اقتصاد الدولة الأخرى في حالة نمو، وهو ما يشجع الحكومات على العمل سويا من أجل الحفاظ على نظام تجاري مفتوح، وعلى تنسيق سياساتهما الخاصة بالاقتصاد الكلي.

وأضاف قائلا: «إن التكامل بين الصين والولايات المتحدة يتطلب شيئا من التسوية المؤلمة لكلا الجانبين، لكن هذا التكامل يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية لكل منهما على المدى الطويل».

ويرى بعض المحللين الأميركيين ـ رغم اعترافهم بالحق الاميركي في حماية الأمن القومي ـ أن شركة سينوك قد صعبت الأمر على واشنطن التي لا تستطيع إثبات أن العطاء يمثل أي تهديد حقيقي. ووفقا للتقارير وعدت سينوك ـ على سبيل المثال ـ بالتنازل عن حقوق ملكية أصول شركة يونوكال أو تقنياتها ـ مثل التقنية الخاصة بالتنقيب الارضي ـ والتي تعتبر مركزية بالنسبة للأمن القومي الأميركي. وقد يشمل هذا المرافق التي تمتلكها يونوكال والتي تعتبر جزءا من احتياطيات البترول الاستراتيجية.

وفي هذا السياق صرح ألبرت كيدال، الخبير في الشأن الصيني في منظمة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن، قائلا: «إن تلوح بيدك قائلا إن الصينيين يمثلون تهديدا للولايات المتحدة، ولهذا لا نستطيع أن نبيع لهم شيئا نادرا في العالم يمكنهم به تقوية أنفسهم، هو شيء يصعب تخيل أن يبرره الاقتصاديون أو يبرره منطق استراتيجية الأمن القومي». واضاف: «من المؤكد أن البيع طبقا للسعر هو إحدى القواعد المتعارف عليها عالميا».