من المسؤول عن ضبط أسعار النفط ؟

د. عبد الحفيظ محبوب*

TT

اعتبر مركز الدراسات الشاملة حول الطاقة في لندن في تقريره الشهري ان منظمة اوبك فقدت مصداقيتها كجهة ضامنة لاستقرار اسعار النفط. بل اعتبر التقرير ان تأكيدات اوبك ببذل كل ما في وسعها لضبط اسعار النفط لم تكن مجدية، والخطأ الذي وقعت فيه منظمة اوبك هو تأكيدها ان السعر العادل للنفط الذي تهدف اليه هو 25 دولارا للبرميل حتى نهاية يناير 2005، بينما هي في الوقت الحاضر تعتبر سعر خمسين دولارا للبرميل لسلتها من النفط مقبولا. بناء على ذلك يشير المركز الى تضاعف السعر المستهدف في غضون سنة، ويلقي المركز باللوم على دول اوبك في تقريره الذي يلقى اصداء قوية في السوق بقوله ان اعضاء اوبك لا يزعجهم على ما يبدو ان يختبروا الى اي مدى يمكنهم رفع اسعار النفط بدون اثارة رد فعل من جانب المستهلكين. لكن ماذا تفعل اوبك في الاسعار اذا كان الطلب محموما على النفط، والمتوقع له ان يزداد على الاسعار، مما يدفعها باتجاه السبعين دولارا للبرميل خصوصا مع اشتداد الطلب من السوقين الصينية والأميركية. فالتراجع الوحيد المحتمل في اسعار النفط يأتي من تراجع الطلب، او الزيادة في الانتاج، ولكن اذا كانت دول الاوبك تنتج اقصى طاقاتها ليصل انتاجها الحالي اكثر من 30 مليون برميل يوميا. والمنظمة تنتج بالفعل اكثر مما هو مقرر في سقف انتاجها الرسمي البالغ 27.5 مليون برميل يوميا. وسوف تظل اسعار النفط على ارتفاعها طالما لم تبادر الدول المستهلكة وشركات النفط الى امتلاك قدرات اضافية على التكرير خصوصا في ظل فشل السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة خاصة والغرب بشكل عام التي تهدف الى زيادة انتاج البترول من الدول غير العربية خصوصا بعد الدراسات التي صدرت منظمة (اويل تشينج انترناشيونال) والانتقادات الموجهة اليها، وجاء في التقرير (انها مرحلة اخرى فيما تسمى بلعنة الموارد المعروفة) اشارة الى الفشل التقليدي في ادارة الايرادات المتدفقة من الموارد الطبيعية في الدول الفقيرة بسبب خضوعها لحكومات مستبدة وفاسدة، فلم يحصل الفقراء الا على القليل من عوائد الثروة، وقد لا يحصلون على شيء على الاطلاق. وينتقد ستيف كريتزمان احد كاتبي التقرير استراتيجية الولايات المتحدة، بانها تعمق ديون الدول المنتجة للبترول من خارج الدول العربية، ويعتبر زيادة الانتاج مثلا في نيجيريا 160 في المائة من اجل الوصول الى 40 مليار برميل بحلول عام 2010، الا ان الدين الخارجي لنيجيريا ضخم للغاية، ويصل الى 30,5 مليار دولار، وهو من اكبر الديون في العالم، فبزيادة الانتاج ينتقلون من سيئ الى اسوأ، اي الى زيادة الديون. ويؤكد ذلك البنك الدولي الذي وجد ان 80 في المائة من عوائد صناعة البترول في نيجيريا تؤول الى واحد في المائة فقط من سكان هذه الدول الافريقية. فالهدف الاساسي من انشاء منظمة اوبك جاء من اجل تحديد حجم المعروض النفطي بما يمنع تدهور اسعاره. واصبحت اوبك في الوقت الحاضر في حل من مسؤولية ارتفاع اسعار النفط العالمية عما كانت من قبل من اجل التحكم في المعروض، اذا فسعر البترول تحدده اليوم سوق مفتوحة، يتحكم فيها العديد من الاطراف والاحداث، وخصوصا زيادة الطلب. فلا يملك احد سلطة كاملة على الاسعار بما في ذلك منظمة اوبك، ولكن تأثير الدول المستهلكة اكبر بسبب فرضها الضرائب العالية والتي تزداد بشكل طردي كلما زادت اسعار البترول العالمية، اذ تقول لينزي سورد المحللة في مؤسسة وود ماكنزي «شركات النفط لن تحقق ارباحا الان في عمليات التجزئة مع ارتفاع الاسعار الى هذا الحد، كما ان امكانية تحقيق ارباح من اصحاب السيارات مقيدة بشدة بسبب الضرائب الباهظة وخاصة في بريطانيا. ولا يذهب لشركة الوقود سوى اقل من ثلث ما يدفعه قائد السيارة في لندن ثمنا للوقود وهو 90 بنسا للتر. اما الباقي فيذهب للحكومة في صورة رسوم وضريبة القيمة المضافة. اذا فاكثر من ثلثي القيمة المباعة رسوم وضرائب تزداد بشكل نسبي مع زيادة البترول، فلو كانت الضرائب ذات قيمة ثابتة لما شعر المستهلك العادي بارتفاع اسعار البترول بهذا الحجم الكبير والهائل نتيجة الضرائب الطردية، فالمسؤول الاساسي عن ارتفاع اسعار النفط النهائية الدول المستهلكة وليس الدول المنتجة».

*رئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية المعلمين في مكة