في ظل ازدهار الأعمال ببطء .. كردستان تقود الاستثمار في العراق

TT

السليمانية ـ رويترز: تتناثر حول مكتب رجل الاعمال العراقي وأحد اباطرة الاتصالات فاروق مصطفى رسول عشرات الرسومات لأحدث مشروعاته الكبيرة.. انه فندق حديث خمس نجوم من 28 طابقا.

قد يبدو هذا آخر شيء يحتاجه العراق في الوقت الراهن، فليس هناك سياح وأي مبنى جديد فرص تفجيره أكبر من فرص استكمال بنائه، لكن هذا ليس العراق الذي نعرفه. انها كردستان، حيث بدأت الاعمال تزدهر ببطء.

سيضم فندق رسول الذي يقام على قمة جبل مطعما دوارا وسيربط بوسط المدينة بقطار كهربائي. وسيبني رسول كذلك مصانع اسمنت وصلب على أمل ان يستفيد من موجة الاعمار في هذه المنطقة الشمالية المتمتعة بشبه حكم ذاتي.

ويريد رسول تحويل السليمانية، وهي مدينة تضم 700 الف شخص على جبال شمال شرقي العراق الى مركز للاعمال والصناعة أولا للمنطقة الكردية وفي نهاية الامر للعراق ككل.

وقال رسول بثقة وهو يتحدث لزائر عن خططه الاستثمارية «السليمانية ستصبح من اكثر المدن تطورا في الشرق الاوسط في غضون بضع سنوات». وأضاف «لن اقارنها ببيروت أو دبي لان المقارنة لن تكون سليمة، لكنني اتوقع ان تتطور على نطاق واسع للغاية وان تكون لها صلات كبيرة ببقية العالم». وقد تبدو رؤية رسول بعيدة المنال، لكن المستثمرين يتفقون عليها ويضخون المال في المنطقة على نطاق واسع.

واستفادت السليمانية وحدها من نحو ملياري دولار من الاستثمارات الخاصة والحكومية على مدى العامين الماضيين. وانتشرت الرافعات في المدينة التي كانت من قبل تتميز بالمباني المنخفضة.

وتجري حاليا اقامة مجمعات سكنية وفنادق ومستشفيات وحرم جامعي جديد وطرق دائرية وأنفاق ومصانع.

وفي حين لا يستطيع أحد أن يضمن ألا تستهدف المدينة من جانب المقاتلين، إلا انها ظلت آمنة حتى الآن ومحمية بشكل جيد. واستكمل حديثا مطار جديد يوفر صلات مع بغداد وعمان وبيروت واسطنبول. ويعتزم بدء مسارات جديدة قريبا الى الامارات العربية والقاهرة وبعض المناطق في أوروبا. وأعمال البناء تجتذب العمال من مختلف ارجاء العراق وايران وتركيا.

وتشرف الحكومة المحلية الكردية في المنطقة على وكالة التنمية والاعمار، وهو مكتب وضع قائمة طويلة باحتياجات المنطقة من مشروعات البنية الاساسية ويضاهيها الآن مع التمويل من الحكومة المحلية والمانحين الدوليين.

ويقول محمد عبد الله صالح مستشار الوكالة ان العمل بدأ في مشروعات تبلغ قيمتها 700 مليون دولار في العام الماضي، حيث يبني مقاول من كوريا الجنوبية مستشفى، وتعاقدت شركات ايرانية وصينية على شق انفاق وطرق وإقامة جسور.

وأضاف مستعرضا قائمة طويلة من الخطط «في غضون خمس سنوات سيتغير شكل السليمانية تماما... لكن هذا ليس لنا وحدنا بل يأتي في اطار تنمية العراق ككل». والى جانب الوكالة هناك مجموعة من القطاع الخاص على صلة كذلك بالحكومة الاقليمية التي توجه المستثمرين الاجانب لمشروعات مثل الفنادق والمراكز التجارية.

وتقدمت مجموعة مقرها دبي بعرض قيمته 200 مليون دولار لبناء مجمع سكني يضم مركز أعمال ومركزا تجاريا وبنوكا ومسجدا ومدارس كلها في موقع واحد.

وقال شيلان كاناكا وهو مسؤول يعمل مع الحكومة المحلية على جذب الاستثمارات الخاصة «الحكومة الكردية الاقليمية تريد تحويل السليمانية الى دبي جديدة. وهذا من الاسباب التي تجعلنا نتحدث مع العديد من الشركات الخليجية». لكن البعض ومنهم رسول يشككون في تسمية «دبي الجديدة». لكنهم واثقون من امكانية تحويل المدينة الى قاعدة للاستثمار وجعلها منصة انطلاق لبقية العراق.

والى الشمال الغربي من السليمانية عبر الجبال تقع اربيل عاصمة المنطقة الكردية ومدينة أخرى تتطلع للانطلاق. وتعتزم اربيل اللحاق بالسليمانية وستستضيف الشهر المقبل معرضا ومؤتمرا عن إعادة بناء العراق يستمر ثلاثة أيام ومن المتوقع أن يجتذب شركات من المنطقة ومن الولايات المتحدة وآسيا واوروبا.

ويقول هاري شوت مدير شركة استشارات أميركية ويعمل كذلك لدى الحكومة الاقليمية «اربيل لديها الكثير الذي يمكن ان تقدمه وهناك اقبال كبير على الاستثمار». ومن أكبر المشروعات الجارية في اربيل مشروع «مدينة الاحلام»، وهو مشروع سكني راق. كما يجري انشاء مطار جديد.

وفي حين يلوح الازدهار في الأفق يحذر البعض من أن التنافس بين المدينتين السليمانية واربيل قد يعطل طموحات المنطقة الكردية، اذ يؤدي التناحر السياسي بين المدينتين الى تداخل مكلف في السعي لجذب المستثمرين.

وتضم كل مدينة واحدا من الحزبين الكرديين الرئيسيين في المنطقة; الحزب الديمقراطي الكردستاني في اربيل والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية. وخاض الحزبان حربا أهلية محدودة في التسعينات.

وشبكة الهاتف الجوال التي تعمل في السليمانية وهي آسياسل لا تعمل في اربيل والعكس صحيح في الاغلب لاعتبارات سياسية. وليس هناك تعاون يذكر بين السلطات أو تنسيق في خطط الاعمال.

وقال رسول رئيس آسياسل مشيرا للحزبين «نجاح منطقتنا يعتمد على نزاهة الادارتين وسلوكهما». واضاف «اذا لم تتسما بالنزاهة مع بعضهما بعضا فان ذلك سيعرقل عملية التنمية. فلا يمكن لأي منهما القيام بذلك لوحدها».