أزمة ارتفاع النفط تدفع فرنسا لتعزيز قدراتها «النووية» لإنتاج الطاقة الكهربائية

باريس بلغت حد الاختناق بعد بلوغ سعر ليتر البنزين قريبا من اليورو

TT

استفحلت مسألة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية وانعكاساتها السلبية على أداء الاقتصاد الفرنسي الى درجة دفعت رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان الى دعوة الوزراء المعنيين بالموضوع الى قطع عطلتهم الصيفية وعقد اجتماع طارئ في مقر رئاسة الحكومة لتدارس التدابير الممكنة للتخفيف من وطأة ارتفاع المشتقات النفطية على المستهلك الفرنسي وخصوصا على القطاعات المرتبطة بشكل مباشر بالنفط مثل قطاع النقل والشحن والصيد البحري وخلافها. وصلت الأزمة الى حد الاختناق بعد أن بلغ سعر ليتر البنزين أقل بقليل من يورو، ونصف اليورو وهي معدلات لم يسبق أن بلغتها المشتقات النفطية. وبحسب ارقام وزارة النفط، فإن المشتقات النفطية ارتفعت بحوالي 50 في المائة منذ بداية العام الحالي.

والأسوأ من ذلك أن النفط أخذ يهدد نمو الاقتصاد الفرنسي بفعل ارتفاع قيمة الفاتورة النفطية. وفيما احتسيت وزارة الاقتصاد ميزانية العام الجاري على أساس معدل سعري للنفط لا يتخطى 36 دولارا للبرميل الواحد، فإن النفط لامس الـ67 دولارا للبرميل. ويرى الخبراء الاقتصاديون أن ارتفاع الأسعار مؤهل للاستمرار وأن الأزمة النفطية «ليست عابرة». والنتيجة أن الاقتصاد الفرنسي لن يحقق نسبة نمو تتجاوز 1.2في المائة فيما كان يرجح أن تصل الى 2 في المائة. وبسبب ارتفاع الفاتورة النفطية، فإن العجز في الميزان التجاري الفرنسي وصل للأشهر الستة الأولى من هذا العام الى 12 مليار يورو، فيما لم يبلغ في الفترة نفسها من العام الماضي سوى 581 مليون يورو. وبلغت قيمة الفاتورة النفطية الفرنسية في القسم الأول من العام الجاري 17. 2 مليار يورو. ويقدر الخبراء عجز ميزان الطاقة الفرنسي للعام الجاري، إذا ما استمرت أسعار النفط على حالها بأربعين مليار يورو، مقابل 19 مليار يورو للعام الماضي. في مواجهة هذا الوضع واستباقا للتململ الاجتماعي الذي سيفضي اليه ارتفاع المشتقات النفطية مع انتهاء فصل الصيف واشتداد الطلب على الفيول المنزلي، فإن رئيس الحكومة الفرنسية ووزراءه المعنيين عمدوا الى بلورة «خطة شاملة» لمواكبة أزمة المحروقات. وتتوكأ الخطة على مجموعة من الإجراءات، أولها التزام إعادة توزيع فائض الرسوم التي تجنيها الدولة من القطاع النفطي على المواطنين الأكثر هشاشة لجهة أوضاعهم المالية والإجتماعية. جدير بالذكر أن سبعين في المائة قيمة المشتقات النفطية المستهلكة رسوم تستوفيها الدولة. وكلما ارتفعت قيمة النفط الخام، كما هي الحال في الوقت الحاضر، زادت عائدات الدولة. كما تريد الحكومة الفرنسية تشجيع انتاج الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والطاقة المستمدة من قوة الرياح والمحروقات البيولوجية المستخرجة من بعض انواع الزيوت النباتية. غير أن التدبير الأهم في ما أعلنه رئيس الوزراء الفرنسي، يقوم على إعادة إطلاق مشاريع بناء المفاعلات النووية في فرنسا لإنتاج الطاقة الكهربائية. وحاليا تنتج فرنسا 78 في المائة من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية كما تؤمن 50 في المائة من حاجتها للطاقة الإجمالية من هذه المفاعلات التي يبلغ عددها 58 وحدة موزعة على كل الأراضي الفرنسية. وتفيد ارقام لجنة الطاقة النووية الفرنسية أن قوة المفاعلات الإجمالية تبلغ 63 ألف ميغاوات. وأكد دو فيلبان أنه يتعين على الفرنسيين «منذ اليوم التحضير لبناء الجيل الجديد من المفاعلات النووية». وتعتبر فرنسا التي أطلقت منذ الأزمة البترولية الأولى أوائل السبعينات برامج نووية طموحة لإنتاج الطاقة الكهربائية أن الاعتماد على هذا المصدر للطاقة، من دون إهمال مصادر الطاقة البديلة، له مزايا استراتيجية عديدة. وبحسب الوكالة المذكورة، فإن فرنسا تتمتع باحتياطي من اليورانيوم لمدة 250 عاما. وتعتبر فرنسا اكثر الدول الغربية استقلالية في مجال الطاقة بسبب استثماراتها الضخمة في مجال الطاقة النووية، وهو ما يجعلها اقل الدول انتاجا لثاني اوكسيد الكربون بين الدول الصناعية السبع في العالم. كما انها واحدة من سبع قوى نووية في العالم.

وقد نفذت فرنسا برنامجها للطاقة النووية بتصميم وعزيمة، فمنذ صدمة اسعار النفط في عام 1973 حتى الان، تعتبر الحكومات الفرنسية المتعاقبة الاستثمار في المجال النووي افضل الردود على افتقار البلاد الى الموارد الطبيعية. ونتيجة لذلك فإن فرنسا تعتمد على الطاقة النووية لانتاج ثلاثة ارباع احتياجاتها من الكهرباء، وهي الان ثاني اكبر دولة منتجة للطاقة النووية في العالم بعد الولايات المتحدة، الا انها متقدمة على اليابان وروسيا والمانيا. وأحدث المشاريع النووية هو سيفو واحد واثنين، وهما المفاعلان النوويان رقم 57 و58 في فرنسا. ويقعان على نهر فيين، جنوب بوتييه، وهما من سلسلة المفاعلات «1450 ميغاوات إن 4».