المتقاعدون في روسيا يصارعون الفقر

TT

\موسكو ـ د.ب.أ: يغلي حساء الخضر على موقد في مطبخ ماريا بيتروفنا ليملأ شقتها برائحة اللحم والبنجر الأحمر، ويشع موقد الغاز الدفء في جو المكان. وتحاول ماريا، 63 عاما، التي أحيلت إلى التقاعد أن توفر لنفسها حياة كريمة. وتعيش في موسكو، أحد أغلى المدن في العالم، بمعاش شهري يصل إلى 3600 روبل (نحو مائة يورو)، ولكنها لا تزال راضية عن حياتها. وتدرك ماريا أنه لا فائدة من الشكوى لأن أمثالها من العجائز لا يستطيعن تغيير شيء. وتقول «إننا نعيش بصعوبة». ولكن المهم أن الأبناء بخير. وتقاعدت ماريا، الموظفة السابقة عند سن الخامسة والخمسين، رغم أن هذه السن المبكرة تثير حقد البعض في أماكن أخرى، ولكنهم يجب أن ينتبهوا إلى أن متوسط عمر الفرد في روسيا يصل إلى 58 عاما للرجال و72 عاما للنساء.

وتعاني ماريا من ارتفاع ضغط الدم والسكر، ولذلك يزيد معاشها بنسبة ما عن المتوسط الذي يصل إلى 2764 روبلا. وتحصل على ألف روبل إضافية للعلاج. ويكفي هذا المبلغ لعلاج أمراضها المزمنة. ولكن عندما يشتد عليها المرض تضطر للجوء إلى مدخراتها. ويحصل المحاربون القدامى على أعلى معاش في روسيا يبدأ من 6055 روبلا. وعندما تذهب ماريا لشراء الطعام عليها أن تحسب كل كوبك (الروبل يساوي 100 كوبك). ولا يوجد سوى القليل من المتاجر التي تقدم تخفيضات في أسعار السلع الغذائية الاساسية لذوي الدخول المتواضعة. ولكن أصحاب المعاشات يركبون المواصلات العامة مجانا.

وكانت الحكومة الروسية ترغب في تغيير ذلك. وفي بداية العام الجاري خصصت مبالغ نقدية شهرية غير مرتبطة بمعدل التضخم بدلا من الإعانات التي كانت تقدم في عصر الاتحاد السوفياتي للطبقات الهشة اجتماعيا مثل استقلال المواصلات العامة مجانا ودعم الخدمات الطبية.

ولا تغطي هذه الأموال الشهرية في بعض المناطق سوى 40 في المائة من التكلفة الفعلية للإعانات حتى عند استبعاد نسبة التضخم. وأدى ذلك إلى تنظيم احتجاجات ضخمة في مختلف أنحاء البلاد منها الإضراب عن الطعام. واضطرت الحكومة للتراجع عن تلك السياسة ليعود استقلال المواصلات مجانيا مرة أخرى، وإن ظل دعم الخدمات الطبية من خلال مبالغ نقدية شهرية.

وزاد المعاش بنسبة بسيطة عقب الاعتراضات الواسعة. ولكن الوضع لم يتغير لأن أسعار الدواء ارتفعت هي الأخرى، ولذلك لم يتغير وضع أصحاب المعاشات من أمثال بيوتر دفيدوفيتش.

وديوفيتش الذي يعيش في موسكو هو واحد من 60 في المائة من أصحاب المعاشات في روسيا الذين لا يستطيعون تحمل نفقات علاجهم. وتوفيت ابنته في الآونة الاخيرة من مرض السكر لان الصيدليات المدعومة من الحكومة لم يتوفر لديها الدواء الذي تحتاجه، في حين كانت تقدمه الصيدليات التجارية بسعر مرتفع للغاية.

والإحالة إلى المعاش في روسيا تعني الاستغناء عن الكثير من أساسيات الحياة. وقال 11 في المائة فقط من ذوي المعاشات في إحدى الدراسات إنهم يستطيعون شراء أدوية وملابس جديدة وطعام. ويزرع العديد منهم الخضر في منازلهم الريفية، وهي عادة اكتسبوها منذ عهد الاتحاد السوفياتي السابق.

وقالت ماريا «كبرنا على الانخراط في السياسة»، مشيرة إلى أن احتجاج أصحاب المعاشات، الشتاء الماضي، لم يعجبها. ولم تكلف نفسها عناء لمعرفة الاخبار من التلفزيون. وتقول «كل ما أريده الهدوء والسلام». وقامت لإعداد المائدة حيث ان حساء الخضار أصبح جاهزا.

وبعد حوالي ساعة، ذهبت ماريا للجلوس على مقعد في فناء مجاور لمسكنها في بيريوليوفو، وهي ضاحية على مشارف موسكو، حيث تخطط لقضاء فترة المساء مع زميلاتها من المسنات في المساكن المجاورة ليتحدثن عن أسرهن وصحتهن وعن الأسعار أيضا. وهذا المشهد يتكرر في كافة انحاء روسيا، وأحيانا تلتزم النساء الصمت وتنظرن إلى المشاة، وكل من تحييهن تصبح مقبولة عضوا في جماعتهن.