مطالبات جديدة بخفض سعر صرف الجنيه المصري وامتناع المركزي عن التدخل لتثبيته

رجال أعمال يدعون لتفادي أزمة مقبلة بسبب ارتفاع تكلفة الدفاع عن العملة

TT

حذر رجال أعمال وخبراء من استمرار ما يعتقدون أنه تدخل من البنك المركزي المصري للحفاظ على سعر صرف الجنيه إزاء الدولار عند مستويات غير حقيقية، وأعربوا عن اعتقادهم بأن خفضا تدريجيا وهادئا للجنيه حيال الدولار قد يكون مطلوبا تفاديا لحدوث أزمة مستقبلا عندما تكون تكلفة الدفاع عن سعر الصرف فوق طاقة الاقتصاد والبنك المركزي.

وعلى الرغم من أن الدعوة إلى خفض سعر الجنيه لا تلقى تجاوبا واسعا من مجتمع الأعمال كله في الوقت الراهن إلا أن مصدرين بارزين باتوا يلحون عليها، كمدخل لزيادة الصادرات وترشيد الواردات من ناحية، ولتقليل مخاطر استمرار الجنيه مقوما بأعلى من قيمته، وإذا أخذنا في الاعتبار انعكاس ذلك على تعاملات مصر مع شركاء تجاريين لديهم أسعار تضخم أقل وبالتالي تكاليف أرخص.

وقال منير فخري عبد النور، رجل الأعمال والسياسي المعارض، إن استمرار ثبات سعر صرف الجنيه يهدد بأزمة اقتصادية جديدة ولو بعد أعوام، وسيؤدي إلى انخفاض قدرة الاقتصاد المصري على منافسة ومواجهة الاقتصادات العالمية في ظل تحرير التجارة العالمية وحرية انتقال رؤوس الأموال، وحاجة مصر لمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ويؤكد أنه يجب ألا تفاخر الحكومة بزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي لأنه ليس هدفا في حد ذاته وانما يجب أن يوجه جزء من هذا الاحتياطي للاستخدام في عمليات التنمية الاقتصادية، بما يقوي قيمة الجنيه واقعيا بدلا من القوة الظاهرية التي يتمتع بها حاليا. ودعا عبد النور إلى خفض هادئ وتدريجي للجنيه يتحاشى أي ردود فعل سلبية من مستهلكي السلع الأساسية ويحقق في نفس الوقت ميزة تنافسية للصادرات المصرية.

ويؤكد د. أحمد جلال، الخبير السابق بالبنك الدولي والمدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، انه يجب أن يكون هناك هدف واضح للسياسة النقدية، فإما ان يكون استهداف التضخم أو استهداف سعر الصرف أو مستوى الأجور.

ويضيف انه على الرغم من أن الحكومة المصرية أعلنت أنها اتخذت من معدل التضخم هدفا للسياسة النقدية إلا أن جميع الشواهد والمؤشرات تؤكد عكس ذلك، لأن الاقتصاد المصري تعرض في الفترة الأخيرة لحالتين تؤكدان تدخل البنك المركزي لتثبيت سعر الصرف، الأولى بعد الحادث الإرهابي الذي تعرضت له مدينة شرم الشيخ والتوقعات بتراجع العائد من السياحة وبالتالي انخفاض المعروض من النقد الأجنبي وارتفاع سعر الدولار، وهذا لم يحدث، والثانية ـ وما زالت مستمرة ـ هي ارتفاع ما لدى البنك المركزي من احتياطي نقدي أجنبي وزيادة الفائض في الميزان الجاري ما يعكس وجود فائض من المعروض من النقد الأجنبي وانخفاض سعر الدولار، وهذا أيضا لم يحدث.

ويشير إلى أن تجارب كثير من الدول تؤكد أن الأسلوب الأفضل لإدارة السياسة النقدية في مصر يستلزم السماح لسعر الصرف بالتحرك بأقل قدر من القيود، حتى لو أدى ذلك إلى انخفاض قيمة الجنيه بشكل كبير.

ويؤكد أنه لا يخلو نظام لسعر الصرف المرن من تدخل البنك المركزي ـ أي بنك في العالم ـ ولكن يجب أن يكون هذا التدخل من أجل المحافظة على استقرار السوق ومنع الصدمات أو المضاربات العشوائية.

ومن جانبها تؤكد د. فائقة الرفاعي، نائبة محافظ البنك المركزي المصري السابق، أن جهود الحكومة المصرية نجحت خلال الفترة الماضية في القضاء على السوق الموازية لسعر الصرف وفي الوصول إلى سعر واحد للجنيه المصري، إلا أن هذه الجهود استمرت في تثبيت السعر عند مستوى يتراوح بين 575 قرشا إلى 576 قرشا للدولار، وهو أمر غير مقبول اقتصاديا في ظل مؤشرات تعكس قيمة أخرى للجنيه أهمها زيادة حجم الاحتياطيات النقدية وزيادة الفائض في الميزان الجاري، ما يعني ان البنك المركزي المصري يتدخل في السوق لشراء فائض العملات الأجنبية والحفاظ على السعر الحالي.

وتشير إلى أنه طالما اتبع البنك المركزي سياسة صرف مرنة وقرر تعويم الجنيه فيجب أن يترك سعره يتجدد وفقا لقوى العرض والطلب لتعكس قيمته الحقيقية.

وتقول د. هبة حندوسة، أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إنه في حالة سعي مصر لأن تكون دولة مصدرة، وصاحبة هيكل صناعي سليم، يجب عليها اتباع القواعد الاقتصادية السليمة والتي من أهمها استخدام سعر الصرف كأداة جيدة لتوجيه الصادرات، وذلك من خلال استخدام سعر صرف مرن يعكس القيمة الحقيقية للجنيه بتركه لقوى العرض والطلب، لكن الوضع الحالي لا يزال ملتبسا.

وتقول د. هناء خير الدين، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن هناك فرقا بين الاستقرار والثبات، وأن من المطلوب أن يستقر سعر الصرف لأن تقلبه باستمرار يثير قلق المستثمرين، أما ثباته فهو أمر غير مقبول أيضا لأن ثباته خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 1997 عند مستوى 340 قرشا أدى فيما بعد الى ضغط تضخمية كبيرة في السوق المصري.

وتشير إلى أن هناك أحداثا ومؤشرات داخلية وخارجية وعدة صدمات واجهت الاقتصاد المصري في الفترة الماضية كانت تستلزم تغير سعر الجنيه إلا أن البنك المركزي من خلال تدخله بشراء الزيادة من المعروض أو عرض مزيد من الدولارات في السوق منع زيادة سعر الجنيه أو انخفاضه، وعطل آليات العرض والطلب.

وفي مواجهة ما تقدم تؤكد د. يمن الحماقي، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس والقيادية في الحزب الوطني الحاكم، أن سعر الجنيه لا ينطوي على تقييم مبالغ فيه، وأن السعر يتجدد بالفعل تحت تأثير حركة السوق الطبيعية، مشيرة على ان السعر انخفض من 7.25 جنيه في منتصف 2003 إلى 5.76 جنيه حاليا وأن الثبات النسبي في الأسابيع الأخيرة يعكس ثباتا في مكونات العرض والطلب، أكثر مما هو تدخل من المركزي.