السلطات المصرية تتكتم على تكلفة دمج البنوك

وسط خطوات لتطوير الجهاز المصرفي وحماية المال العام وحقوق المودعين

TT

تتكتم الحكومة المصرية والسلطات النقدية منذ منتصف يوليو (تموز) الماضي على إعلان تكلفة دمج بعض البنوك الخاصة في بنوك عامة أو دمج بنك القاهرة العام في بنك مصر العام أيضاً على الرغم من أن التكلفة سواء جاءت في صورة قرض مساند بلا فوائد من البنك المركزي أو في صورة زيادة في رأس المال من وزارة المالية تشكل في الحالتين عبئاً على الخزانة العامة يتحمله المواطن في النهاية مما يتعين معه على الحكومة إعلام البرلمان والرأي العام بتكاليف عمليات الدمج.

وكان البنك المركزي قد أعطى مهلة للبنوك التي يقل رأسمالها عن 500 مليون جنيه لرفع رأسمالها، ثم انتهت المهلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي مسفرة عن وجود عدة بنوك يتعين دمجها أو تصفيتها، وقد تقرر دمج بنك المهندس في بنك الأهلي (قطاع عام) وتم ذلك بالفعل وفي الطريق سيتم دمج «بنك التجاريون» في الأهلي المصري أيضاً.

وفاجأت الحكومة الرأي العام منذ أيام بإعلان دمج بنك القاهرة في بنك مصر، وقد رفض محافظ المركزي الدكتور فاروق العقدة في أكثر من مناسبة الإجابة على سؤالي « ما هي التكلفة ومن الذي يتحملها؟»، كما رفض حسين عبد العزيز رئيس البنك الأهلي الإجابة فيما يخص مصرفه واكتفى بالقول «لن نختلف مع المركزي»، ولا تزال كل الأطراف متمسكة بالتكتم.

وأرجع مصدر مسؤول بالبنك الأهلي المصري عدم إعلان تكلفة الدمج إلى تجنب البلبلة بالسوق المصري وعدم التأثير على حركة التعاملات، وكان الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي قد رفض مراراً الإجابة عن أسئلة من هذا النوع في عدة مناسبات.

ورفض المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه الكشف عن تكلفة دمج المهندس والتجاريون ببنكه والإفصاح عن المقابل المالي الذي سيحصل عليه الأهلي المصري، لافتاً إلى أن ذلك يعد مسألة داخلية تخص بنكه فقط.

وأشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن البنك الأهلي ربما يحصل على قرض مساند من البنك المركزي المصري مثلما حدث في دمج بنك مصر اكستريور في بنك مصر الذي حصل على قرض مساند بقيمة مليار جنيه (نحو 172 مليون دولار) منذ نحو عام.

وأكد المصدر مساندة الحكومة المصرية للبنوك العامة لدمج بنوك خاصة دون الإعلان عن التكلفة، مشيراً إلى التزام الحكومة بتعويض البنوك الدامجة المملوكة لها خاصة أنها حالات دمج جبري لا بد من تنفيذها وفق خطة الحكومة لتطوير الجهاز المصرفي لحماية المال العام وحقوق المودعين ودعم التنافسية بالسوق وخلق كيانات مصرفية قوية.

وكشف المصدر عن رغبة الأهلي المصري في زيادة رأسماله المرخص به خلال المرحلة الزمنية المقبلة بالتنسيق مع وزارة المالية المصرية والبنك المركزي إلى 10 مليارات جنيه مقابل 5 مليارات حالياً، بعدها يتم زيادة رأسمال البنك المصدر البالغ حاليا 2.25 مليار جنيه.

في المقابل كشف محمد بركات رئيس بنك مصر عن الاتجاه إلى الاستعانة بأحد بيوت الخبرة العالمية لتقييم أصول وخصوم بنك القاهرة والوصول إلى أوزانها الحقيقية خلال مدة الستة أشهر تمهيداً للدمج والتي ربما تطول إلى أكثر من ذلك حسب الإجراءات، مشيراً إلى أن هذه الشركة ربما تكون ذات الشركة الهولندية التي يتعامل معها بنك مصر حالياً في إطار سداد التزامات وفواتير العملاء ضمن مشروع «جيرونايل» بالتعاون مع هيئة البريد المصري والتجاري الدولي ـ مصر، وقد تكون غيرها من الشركات المتخصصة.

وقال بركات إنه قد يلجأ إلى طلب زيادة رأسمال بنكه لإتمام خطوات دمج بنك القاهرة في بنك مصر بنجاح دون تحديد المدى الزمني والقيمة المطلوبة لذلك، وأشار إلى أنه من الوارد بيع بعض فروع بنك القاهرة إذا تبين عدم جدواها على أن يستخدم عائد البيع في تمويل جزء من تكلفة الدمج.

على النقيض استبعد نائب رئيس بنك مصر محمد كفافي الاستعانة ببيت خبرة لتقييم بنك القاهرة، مؤكداً أن الإجراءات لا تستدعي ذلك خاصة أن البنكين مملوكان للدولة.

ومن جهته أكد إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك مصر إيران للتنمية إمكانية تكرار تجربة القرض المساند التي نفذها المركزي مع بنك مصر عند استحواذه على مصر اكستريور، مشيراً إلى أنه نموذج يعد قابل للتكرار. وتابع إن بنك القاهرة لا بد من تقييمه حالياً كباقي البنوك المعروضة للاندماج لوضوح الرؤية لدى المالك والبنك الدامج ومعرفة تكلفة الدمج، واستبعد ذكر أي تقديرات شفوية لتكلفة الدمج قبل الانتهاء من التقييم، لافتاً إلى أن بنك القاهرة المعروض للدمج في بنك مصر خلال 6 أشهر لديه العديد من المشاكل والمزايا.

وأكد إسماعيل حسن أن العبرة بالتقييم والوصول إلى صافي الأصول التي تكون أساساً للتقييم خاصة أن لدى بنك القاهرة أصول قيمت بأقل من قيمتها ومنها المباني والأصول العقارية، وقال حسن إن حالة بنكي القاهرة ومصر هي مجرد إفصاح عن نية الحكومة المصرية للدمج لأن المالك واحد غير أن ذلك لا يعني أن العملية يسيرة.

وشدد محافظ المركزي الأسبق على ضرورة توضيح الحقوق والقيمة الحقيقية للأصول لعدم إلحاق أية أضرار بالملاك، وكذا معرفة الحسابات المدققة من خلال مراقبي الحسابات والتحقق من التقييم خاصة في حالة دمج بنك القاهرة في بنك مصر بعدها يتم رؤية سبل التعويض عن الدمج وتحديد التكلفة، مؤكداً أن القرض المساند يمثل تكلفة على البنك المركزي والموازنة العامة للدولة ويتحمله المجتمع في النهاية.

أما محمد رضوان نائب رئيس بنك الإسكندرية فيرى أن تكلفة الدمج تتحدد طبقاً لحالة البنك المدمج وكيفية التعويض والمساندة لاستيعاب المشاكل التي تنجم عن الدمج خاصة في الفحص الذي يظهر مدى توازن الهيكل المالي. ولفت إلى أن أهداف ومصالح الدمج التي تتحقق من ورائها تبرر التكلفة التي تترتب عليها للقضاء على المشاكل.

وجدد الحديث عن زيادة رأسمال بنوك القطاع العام المصرية والذي تم فتحها من قبل، متوقعاً أن يتم حسمه على فترات لاحقة. وقال حسن الشافعي عبد الحميد عضو مجلس إدارة البنك المصري الأميركي إن الدمج الجبري يهدف إلى الحد من تآكل رأس المال والمشكلات.

وتابع إن القروض المساندة الممنوحة من البنك المركزي للبنوك الدامجة تمثل في حقيقة الأمر ضغوطا على الموازنة العامة للدولة ووزارة المالية وتسهم في زيادة عجز الموازنة، مشيراً إلى أن المركزي هو صاحب القرار في تحديد تكلفة الدمج والمقابل المالي الذي يحصل عليه بنكا مصر والأهلي المصري لإتمام الاندماجات أو زيادة رؤوس أموالهم لتغطية الالتزامات الجديدة التي تنجم عن الدمج.

وتوقع مرونة من الحكومة المصرية في التعاطي مع قضية الاندماجات وعدم الوقوف أمام التكلفة من منطلق مشروع الإصلاح المالي والمصرفي، وعلى الأساس أن العائد سوف يكون جيداً على المالك (الحكومة) وعلى البنية المصرفية في المدى الطويل.