البنك المركزي الأوروبي يواصل تجاهل التباطؤ الاقتصادي

TT

بروس ستاينبرغ * مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي في الولايات المتحدة) يخفض معدلات الفائدة بطريقة اكثر اندفاعية من اي وقت مضى في السنوات الست عشرة الماضية. وبينما يشكو كثيرون من المستثمرين من انه يتحرك ببطئ كبير فاننا نتوقع ان هذا الخفض سيحدث نهضة اقتصادية في الفصل الاخير من هذا العام.

لكن لا بد ان نقر بان بنك الاحتياط الاتحادي قد يكون اخطأ عندما خفض معدل الاموال الفدرالية بنسبة نصف في المائة في 20 مارس (اذار) الماضي بدلا من تخفيضها بمعدل ثلاثة ارباع في المائة الذي كانت تتوقعه شريحة واسعة من المتعاملين. وفي رأينا، ان البنك المركزي، بفعله ذلك، يكون قد اخر احتمال بداية الانتعاش الاقتصادي بضعة اشهر. ونرجح ان تستمر السياسة النقدية في اتجاهها نحو التيسير فينهض الاقتصاد في الفصل الرابع من السنة ويتفادى ركودا بينا، لكن دلائل مستقبل النمو للفصل الثالث تبدو اكثر ضعفا وخطر الركود آخذ في الازدياد حسبما نرى.

ونلاحظ ان البنك المركزي الاميركي اراد الا يرقص على نغم موسيقى وول ستريت. ومن المؤسف، ان خيبة امل وول ستريت قد تفضي الى ايذاء الاقتصاد بكليته ونعني بذلك جيوب المستهلكين الاميركيين.

آثار الثروة السلبية في الاحوال الطبيعية، فان ربعا في المائة زيادة او نقصانا تكاد تكون دون اثر يذكر في عملية النمو. لكن، في الظروف الحاضرة، فان هبوطا كبيرا في سوق الاسهم يمكن ان ينتج اثارا سلبية جدية:

اولا: يمكن ان يوسع التصدع في ثقة المستهلكين ورجال الاعمال.

ثانيا: قد يقوي اثر الثروة الذي يتصف الآن اساسا بالسلبية حيث التوفير الخاص قد تقلص من جراء الهبوط الحاد في سوق الاسهم. وفي الواقع، خسارة نصف الـ3.5 تريليون دولار تقريبا في ثروة الاسرة في السنة الماضية قد حصلت في الفصل الاول من عام 2001.

ثالثا: وبما ان البنك المركزي لم يكن في الظاهر يسيطر على الاحداث فقد خسر بريقه لدى السوق وفقد الايمان بانه قادر على القيام بمهماته.

بيننا وبين الاجتماع القادم للجنة السوق المفتوحة الاتحادية ثمانية اسابيع، وكان على البنك المركزي ان يبقي الباب مفتوحا لتخفيض معدل الفائدة قبل عقد الاجتماع، وقد فعل ذلك. بيد ان هذا الامر يمكن ان يكون وسيلة من شأنها زيادة التقلب في سوق الاسهم، يتشجع بموجبها المتعاملون على دفع الاسهم الى الانخفاض في محاولة لحمل البنك المركزي على مزيد من تخفيض الفائدة.

تقاعس البنك المركزي الى اين نحن ذاهبون من هنا؟ لا يزال اعتقادنا قائما ان البنك المركزي سينجح في تحفيز الاقتصاد في الفصل الرابع من هذا العام. لكنه، بسبب تقصيره في اقتناص الفرصة لاستعادة الثقة الآن وتفادي آثار الثروة السلبية لكي لا تزداد عمقا، على البنك المركزي ان يكون اكثر اندفاعا من المعتاد. في رأينا، ان البنك المركزي قصر في تلك الطريق وعليه الآن ان يعوض عما فاته.

ان معدل الفائدة على الاموال الفدرالية في الوقت الراهن هي 5%. ونتوقع تخفيضا بمعدل 0.5% في ابريل (نيسان) على الارجح ولكن ليس بعد 15 مايو (ايار) موعد اجتماع اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة. كما نعتقد الآن ان الاموال الفدرالية ستخفض الى 4% عند الاجتماع المزمع ان ينعقد في 26 يونيو (حزيران). فضلا عن ان ارجحية تخفيض آخر في الفصل الثالث تتزايد.

ان البنك المركزي، وبالرغم من خيبة املنا الاخيرة، يخفض فعلا في الوقت الحاضر بطريقة اكثر اندفاعية من اي وقت مضى حصل فيه تباطؤ اقتصادي واحد ونصف في المائة في الفصل الاول وهذا يعتبر في هجوميته اشد استجابة مما كان يحصل في الماضي. فاذا خفض البنك المركزي الفائدة بمعدل 1% في الفصل الثاني ـ كما نتوقع الآن ـ يكون قد خفض في مدة 6 اشهر اكثر مما فعل في اي زمن منذ 16 عاما. والذي يجعلنا نأمل ان الاقتصاد سيتجنب ركودا فعليا هو سرعة استجابة البنك المركزي. فالسياسة النقدية تتطلب عادة بين ستة وتسعة اشهر كي تؤثر في الاقتصاد. هذا ما يجعلنا نتوقع استئناف ارتفاع النمو في الفصل الرابع.

نتوقع أشهراً من الفتور ولكن لا ركود في الولايات المتحدة رغم ان الظروف الحاضرة ليست مريحة، فالاقتصاد ليس في ركود. نقدر ان الانتاج المحلي القائم قد نما بمعدل 1 الى 1.5% في الفصل الاول من هذا العام ونتوقع انجازا مماثلا في الفصل الثاني لان تصحيح المخزون يكون على الارجح قد اصبح في معظمه كاملاً في ذلك الوقت ونتوقع بعض التماسك في الفصل الثالث بالرغم من ان النمو قد يبقى فاترا في الصيف.

كيف يمكن ان يعرف المستثمرون ان احوال السوق قد ازدادت سوءا؟ قد تكون طلبات العاطلين عن العمل الاسبوعية افضل معطيات لهذا الغرض. تبدأ العمالة عادة في الانكماش في اول شهر من الركود وتستمر في ذلك الى اواخر الانخفاض.

تبلغ طلبات العاطلين عن العمل حاليا نحو 380 ألفا في الاسبوع وهذا يتوافق مع زيادة الداخلين في سوق العمل الذين يقدر عددهم بنحو 100 الف شهريا. فاذا فاق عدد العاطلين رقم 450 الفا بكثير، تأخذ العمالة فورا بالهبوط. وبتعبير آخر، يكون الاقتصاد قد دخل حينئذ في ركود. لا نتوقع ان يحصل ذلك ولكن اذا حصل لزم علينا في ذلك الوقت ان نغير، وبطريقة واضحة، تكهننا الاقتصادي.

البنك المركزي الأوروبي لا يتحرك اذا نظرنا الى الخارج نرى الدولار يقوى رغم هبوط اسعار الاسهم في الولايات المتحدة. وفي سياق التباطؤ العالمي، نعتقد ان اميركا لا تزال ملجأ آمنا. وبرغم كل انتقادنا للبنك المركزي الاميركي، فسلوكه يكاد يكون دون عيب اذا قارناه بغيره من البنوك المركزية.

ويبدو ان البنك المركزي الاوروبي على الاخص يتصرف كأنه يطمر رأسه في الرمال. لكن يتراءى لنا الآن ان احتمالات تباطؤ النمو تزداد. مع هنا، لم يخفضوا معدلات الفائدة في آخر اجتماع لهم عقدوه يوم الخميس الفائت لبحث السياسة النقدية، محدثين بلبلة في توقعات السوق. نتيجة لذلك، قد يتعرض النمو في اوروبا لخطر اكبر مما هو عليه في الولايات المتحدة. وهكذا تبقى الولايات المتحدة الاميركية، رغم كل مشاكلها، بقعة مشرقة في مستقبل عالمي تتكاثر فيه الغيوم.

* كبير الاقتصاديين في شركة مريل لينش