قطاع العلاج والرعاية الصحية في مصر يواجه سلبيات الاستثمار الأجنبي وضعف التمويل الحكومي

TT

بعد أن كانت دور العلاج المصرية مقصد الكثير من المرضى سواء من الدول العربية أو الأفريقية خلال فترة الستينات، انقلب الحال تماما وأصبحت تلك الدور تواجه العديد من المشاكل والانتقادات على كافة المستويات، بل واتجه الكثير من المرضى القادرين ماديا للبحث عن الاستطباب الى دور العلاج بالخارج، وحيال ذلك فكر الكثير من أصحاب رؤوس الأموال المصرية والأجنبية في إقامة المؤسسات العلاجية الاستثمارية (مستشفيات الخمس نجوم )، وبدأت قضية الاستثمار الأجنبي في الطب تطرح نفسها مثيرة الكثير من الجدل بحكم حساسيتها والتصاقها بكافة طبقات المجتمع.

وبات المواطن المصري محدود الدخل في مفترق الطرق بعد تعوده على أن الرعاية الصحية حق تكفله الحكومة له، ونظرا للحالة المتردية التي صارت عليها المستشفيات الحكومية، لم يجد المرضى أمامهم سبيلا سوى اللجوء إلى المستثمر الأجنبي الذي لا يعرف إلا لغة الأرباح وكيفية تحقيقها من دون النظر إلى الحالة الاجتماعية أو الإنسانية للمريض الذي يطرق أبوابه بحثا عن العلاج.

ويوضح د. حلمي الحديدي أستاذ طب «القاهرة» ووزير الصحة الأسبق أن قضية العلاج والرعاية الصحية في مصر تتمتع بدرجة مفرطة من الحساسية والاهتمام وذلك منذ العصر الفرعوني حيث كان يتولى العلاج باستمرار رجال الدين والكهنة وليس أي شخص آخر، ثم تطور الأمر بعد ذلك وأصبح يطلق على الطبيب كلمة «حكيم» وهو لفظ يوضح مدى قدسية هذه المهنة، مبينا أن ظاهرة الاستثمار الأجنبي في الطب أخذت أبعادا سياسية واجتماعية ودارت حولها كثير من الشكوك عن النيات الحقيقية للمستثمرين، حيث ثبت بالتجربة من قبل عدم جدوى الاستثمار في الطب، ومؤكدا أن تحقيق الربح هو الهدف الأساسي من إقامة هذه النوعية من المشروعات ولا يتم ذلك إلا عن طريق التحكم في الإدارة، وهنا تفرض الملكية نفسها للحفاظ على رأس المال أو الانسحاب واتهام العنصر الآخر بأنه المسؤول عن الفشل، وللحفاظ على نجاح المشروع يترك الشريك المصري الباب على مصراعيه لنظيره الأجنبي، ومن هنا تأتي خطورة الاستثمار في مجال حيوي وهام يخص قطاعا كبيرا من المصريين، مضيفا أن سوء الإدارة في هذا المجال أحد أهم الأسباب في حالة التدهور التي يعانيها. فعلى سبيل المثال تنفق الحكومة ما يقرب من 850 مليون جنيه لعلاج المواطنين في الخارج، في حين أن مشروع التأمين الصحي يحتاج إلى 350 مليون جنيه فقط لتطويره وتفعيل دوره.

مطلوب توفر الشركات المتخصصة بالعلاج على أساس المنافسة ويرى د. حسام بدراوي أستاذ الطب وصاحب احد المستشفيات الاستثمارية ورئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب، أن المجتمع المصري بطبيعته يتخوف من كل ما هو جديد، فكيف إذا كان الموضوع يتعلق بقطاع هام مثل الصحة، والذي مرت عليه قرون طويلة دون أن تناله طفرة المتغيرات الاقتصادية، مؤكدا أن الفكر العام لدى الجميع يقضي بأن تظل الحكومة مسيطرة وراعية للخدمة الصحية دائما، وإن كان هذا من وجهة نظري في غير صالح المجتمع لأن دور الحكومة لا بد أن ينحصر في تنظيم ووضع القواعد والقيام بدور الرقيب، بالإضافة إلى مقاومة الأمراض المستوطنة والأوبئة، مبينا أنه يجب أن يكون هناك تقدير لتكلفة العلاج الحقيقية بمستشفيات بوزارة الصحة مع وجود من يقوم بسداد هذه التكلفة دائما، ويتحقق هذا من خلال نظام التأمين الصحي المعمول به في كافة دول العالم، أو أن تقوم شركات متخصصة بدفع قيمة العلاج للمواطن نظير اشتراك شهري يقوم هو بدفعه، موضحا أننا نستطيع بذلك الدخول في اقتصاديات سوق حقيقية تقوم على أساس المنافسة بين الشركات التي ستؤدي بدورها في النهاية إلى وجود خدمة صحية متطورة بتكلفة معقولة يدفعها المواطن وليس الحكومة التي يمكن أن تقوم بهذا الدور مع المواطنين محدودي الدخل.

الاستثمار الأجنبي مطلوب الى جانب دور الدولة ويقول د. محمود محي الدين مستشار وزير الاقتصاد، كان يطلق الصحة لفظ مرفق وتغير ذلك المفهوم بعد ظهور قانون الاستثمار الذي حدد مجالات المشاركة الأجنبية ومن بينها إقامة المستشفيات، واشترط أن يدير المنشأة الصحية طبيب مصري، على أن تقوم لجنة من رجال الصحة بتحديد سعر الخدمات الطبية بها، مؤكدا على أهمية دور الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع الهام، وذلك وفقا لدراسة قامت بها اللجنة الاقتصادية أشارت إلى أننا نحتاج إلى 6 مليارات دولار سنويا لتطوير الصحة بمصر، وهنا يظهر دور المستثمر الخارجي الذي يأتي بخبرات جيدة وأساليب تسويق حديثة وخطط متطورة للبحث والدراسة، مستدركا أن هذا لا يعني خلو هذه العملية من العيوب، فقد تكون أموال المستثمر غير مشروعة أو أن يكون هو ذاته غير حريص ويغير نشاطه سريعا ويقرر الخروج من السوق المصرية مما يترتب عليه العديد من التأثيرات السلبية، مؤكدا أنه لتحقيق الاستفادة الكاملة من عملية الاستثمار الأجنبي لا بد من قيام المؤسسات الاندماجية التي تعتمد على وجود الجانب المصري إلى جوار نظيره الأجنبي في إدارة المشروع واتخاذ القرارات، الأمر الذي سيحقق التنمية بشقيها سواء للعامل البشري أو في مجال المكننة الحديثة للطب.

تعديل القوانين لصالح خدمة المواطن وتنبه مدير مستشفى قصر العيني د. مديحه خطاب إلى خطورة الاستثمار الذي يأتي ليشتري أصولا مصرية لتتحول إلى منشآت أجنبية، مما يولد الخوف من هذا المفهوم لأننا شعب تعداده كثير وله ظروف خاصة، إلا إننا لا بد أن نشجع وندعم الاستثمار بشرط أن يكون مراعيا للقوانين ويأتي ليسد حاجة تنقصنا ونطلبها، أي أنه شيء فعال ومطلوب ولكن المهم أين وكيف يكون ؟ موضحة أن الاستثمار الأجنبي في مجال الصحة والعلاج سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة موجود منذ سنوات ويخدم المواطن المصري ويدعم الاقتصاد، وأن هناك قوانين صدرت من المسؤولين لتنظيم تلك العمليات إلا أن هذه القوانين تحتاج إلى كثير من التعديلات أو استحداث مواد جديدة تدعم نوعية الاستثمار الجاد والمتوازن، مؤكدة على زيادة الاهتمام والسعي إلى جذب المستثمرين الأجانب للارتقاء بمستوى الخدمات عن طريق ضخ مليارات الدولارات لتنمية وتطوير قطاع الصحة بما يعود بالفائدة على نوعية العلاج التي تقدم للمواطن المصري، بشرط ألا تحتوي هذه الاستثمارات على ممارسات لا تتماشى مع التقاليد والأعراف المتفق عليها.

الانفتاح على التقدم التكنولوجي في الطب ضرورة حتمية يؤكد الدكتور شريف دوس استشاري الطب الباطني، أن الانفتاح على الغرب ضرورة حتمية في الطب، وذلك لنقل الخبرة وتنمية الموارد البشرية والتعليم وكذا استخدام التقنيات الحديثة فالتطور التكنولوجي في الطب أصبح سريعا جدا ويحتاج إلى تمويل ضخم، موضحا أن هناك فجوة كبيرة في الخدمة الطبية بين الدول الأوروبية ومصر، فعلى سبيل المثال يبلغ نصيب المواطن الإنجليزي من المصاريف الطبية 1500 دولار سنويا، أما في مصر فيصل إلى 45 دولارا فقط، وتدل هذه الأرقام على الحال الذي وصل إليه قطاع الصحة لدينا، مبينا أن الاستثمار الأجنبي ظاهرة يشوبها الكثير من السلبيات إلا أنه في الفترة الأخيرة بدأت تظهر بعض الحلول الإيجابية لحل هذه المشكلة وتتمثل في مشروع اندماج المستشفيات التي تتوافر فيها الشروط المتزنة للاستثمار من حيث وجود نسبة 85 في المائة من رأسمال الشركة يمتلكها مصريون، أي أنها ستحتفظ بكيانها واسمها التجاري وإدارتها، موضحا أن الهدف الأساسي من هذا المشروع إيجاد خدمة طبية متميزة دون زيادة في الأسعار، حيث توقعت الدراسات المبدئية انخفاض تكلفة الخدمة الطبية بنسبة 35 في المائة مع تطورها من حيث البنية والأجهزة في محاولة لملاحقة التطور العالمي في الطب. ويختتم د. شريف قائلا إنه إذا كان من حقنا الحرص على تطوير العلاج بالمستشفيات العامة، فلا بد أن ندعم ونشجع القطاع الخاص لأنه عصب المجتمع في معظم المجالات فما بالنا بالطب، وأنه في حالة قيام منشآت علاجية ضخمة بها إمكانيات عالمية وأطباء على مستوى متميز من الأداء، وأجهزة تساعد على تشخيص الأمراض بصورة دقيقة وفورية، كل هذا سيساعد على اطمئنان المريض ومن ثم ارتفاع ثقته واقتناعه بنوعية العلاج المقدم، وفي هذه الحالة ستوفر الدولة ملايين الجنيهات التي تنفق على العلاج بالخارج وسينعكس هذا بلا شك على الارتقاء بالاقتصاد المصري وعندئذ سيزداد التطور والاهتمام بقطاع الصحة.