متى تتوقف أسواق المال العربية عن الارتفاع ?

TT

أنهت أسواق المال العربية تداولاتها خلال شهر رمضان الكريم بأداء أفضل من المتوقع. ودون أدنى شك، فإن التداولات التي صاحبت هذا الشهر كانت قياسية من حيث الحجم والقيمة بالمقارنة مع المعدل العام لتداولات شهر رمضان من كل عام، إلا أنها ظلت دون المعدلات العامة لبقية أشهر العام المالي. ارتفاع أعداد المستثمرين، المكاسب المادية وهوامش الربح وحجم السيولة الفائضة في المنطقة دعمت أداء هذه الأسواق في هذا الشهر الفضيل والذي شهد ارتفاعات جيدة في معظم الأسواق والتي أنهت جميعها على ارتفاعات باستثناء سوقي الدوحة ومسقط. وتمكن بعض المستثمرين من اقتناص أسهم جيدة في السوق الكويتي والتي كانت تتداول ضمن معدلات ربحية متدنية بالمقارنة مع أسهم بقية الشركات في الأسواق المجاورة، واستقر السوق الكويتي مع نهاية تداولات شهر رمضان عند مستويات 11630 نقطة بمكاسب 13% تقريبا وهو أداء يعتبر الأفضل ولم يتمكن أي سوق من الاقتراب من هذه النتائج باستثناء السوق الأردني الذي منح لمستثمرين مكاسب 9% خلال فترة شهر رمضان مع استقرار مؤشر السوق الرسمي عند حاجز 8548 نقطة. وتأتي هذه المكاسب لتضاف إلى مكاسب الأسواق المحققة منذ بداية العام الحالي والتي تأتي امتدادا لأدائها الكبير خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالأخص مع بدء ارتفاع أسعار النفط عشية الحرب العراقية الأميركية. ومع ارتفاع السوق السعودي بحدود 90% منذ مطلع العام الحالي، والمصري بما يقارب 100%، القطري 82%، الأردني 87% والكويتي 80% فيظل التساؤل إلى متى ستتمكن الأسواق من تحقيق ارتفاعات في ظل غياب شبه تام لمحاولات تصحيحية حقيقية؟ كانت قراءتي للأسواق وما يحيط بها من اطر اقتصادية عامة وتداخلات مايكروية تشير إلى حركة تصحيحية في فصل الصيف الفائت والذي نشرته في »الشرق الأوسط« تحت مسمى هل تذيب حرارة الصيف أسواق المال الخليجية؟ وباستثناء مرحلة تراجع محدودة في سوق الإمارات، فإن بقية الأسواق تمكنت من المضي قدما في الارتفاع. فأعداد المستثمرين الجدد المتدفقين بشكل يومي إلى الأسواق منحتها دماء جديدة باستمرار وحركة تبادل مستمرة في الأسهم بغض النظر عن قيمتها و ارتفاع مضاعفاتها، فالجدد إلى السوق يرغبون باستبدال السيولة المتوفرة لديهم إلى أسهم منذ اليوم الأول، ليكونوا تحت مسمى (مستثمر) أمام أصدقائهم ومعارفهم في ذلك اليوم، ومن ثم يترفعوا إلى مسمى ( المناظر) بعد شهر واحد من التداولات والمضاربات، وليرتقي إلى سلم ( الفهيم) بعد شهرين من زيارات منتظمة إلى قاعات التداول وقراءة الصحف والتلفزيون، وإعطاء النصائح إلى زملائه في المجالس والمقاهي. ومع دخول ربات البيوت، الطلاب، سواق الحافلات، وربما الملاحين ومضيفات الطيران وغيرهم من شرائح المجتمع إلى سوق الأسهم، فهذه إحدى العلامات التي أضعها ضمن قائمتي التي تتنبأ بحركة تصحيحية مرتقبة. وبالرغم من صعوبة رصد موجة انخفاض كبيرة مع ما تبقى من هذا العام، حيث كبار المستثمرين يرغبون بالحفاظ على موجوداتهم مع الربع الأخير للتمتع بالعوائد الربحية من ريع الأسهم، إلا أنني لا أجد لديهم النفس الطويل لركوب الأسواق على هذه الأمواج المرتفعة خلال عام 2006، إلا في حالة تراجع قيم الأسهم إلى مستويات معقولة ومغرية والتي لن تحدث إلا بموجة تصحيحية يخرج منها متوسطو وصغار المستثمرين بجروح بليغة، يوم لا يجدون أحدا يشتري أسهمهم إلا بأسعار تقل 30% عما يحلمون به، وإذا ما كانت أسهمهم ممولة، فإن الأمر سيكون أكثر دموية. وماذا سيحدث لأسهم قطاع التأمين في ذلك اليوم؟ وهم الذين يحاولون استعراض انجازاتهم تحت مسميات أرباح قياسية، إيرادات تاريخية، وغيرها من الشعارات التي يتراكض خلفها محدودو الخبرة من المستثمرين وما أكثرهم في أيامنا هذه، فأغلبية الأرباح المحققة لهذه الشركات تعود إلى استثماراتها المحفظية، وليس من الأرباح التشغيلية الفعلية التي تعتبر الجوهرية التي يجب الأخذ بها واتخاذ القرار الاستثماري على ضوئها. هذا الأمر لن يقتصر على قطاع التأمين، بل يصح على البنوك وشركات التمويل وغيرها من المجموعات والشركات القابضة إلى حد ما. لذلك، أنصح المستثمرين بأن يستغلوا هذه المرحلة التي يتمتعون بها بربح وفير، من بناء مواقع استثمارية حقيقية، تتميز بتوزيع جغرافي واسع وشامل، وتتغلغل ضمن قطاعات سوقية متعددة، وعدم الانجرار إلى توصيات المضاربين الذين لن تجدوهم يوم تهبط الأسواق حيث يكونون أول المنسحبين إلى خطوط التماس.

* خبير مالي واقتصادي ـ عراقي [email protected]