وكالة الطاقة: 6 دول نفطية ستسيطر على القرارات الاقتصادية لبقية العالم بحلول 2030

خبراء: التقرير يحمل نظرة متشائمة لمستقبل الطاقة لا تخلو من التسييس

TT

يبدو أن وكالة الطاقة الدولية عبر تقريرها الذي أصدرته، أرادت من زاوية تنظيرية على الأقل، أن تضغط على دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط وأعضاء منظمة أوبك وتحميلها المسؤولية الأكبر لحل المشاكل النفطية التي يسببها المستهلكون العمالقة، القدامى في أميركا وأوروبا والجدد في الصين والهند والتي تستدعي صرف مليارات من الدولارات سنوياً لحلها، قد ترى تلك الدول صرفها بطرق أخرى. ففي تقريرها الذي يظهر حالة قلق غير مسبوقة على مستقبل الطاقة العالمي، أظهرت وكالة الطاقة الدولية الاتجاهات الرئيسية التي تتوقع أن يسير نحوها الطلب العالمي على الطاقة ومصادرها وأسعارها في العقود القادمة حسب الدراسات التي أشارت الوكالة فيها إلى أن الكم الأكبر من الاستثمارات الجديدة في الطاقة التي سوف تأتي تلبية للزيادة في الطلب، سوف تكون في غالبها داخل منطقة الخليج العربي وشمال افريقيا. وتتوقع الوكالة أن تصل الزيادة العالمية على الطلب إلى 50 في المائة خلال ربع القرن القادم ليصل الإنتاج حسب تقديراتها إلى 115 مليون برميل يومياً، وهي زيادة من المفترض أن يتزامن معها صرف مبالغ تصل حسب تقدير الوكالة إلى 17 تريليون دولار. وقد وضعت وكالة الطاقة الدولية منطقة الشرق الأوسط في وسط تلك الصورة القاتمة التي رسمتها لمستقبل الطاقة العالمي، حيث نظرت بتشاؤم شديد للتطورات في المنطقة، وزعمت أن قادة الدول المنتجة للنفط في المنطقة التي تحتوي على أكثر من ثلثي احتياطيات العالم المعروفة منه قد يرون في زيادة الإنتاج لخفض الأسعار تعارضا مع مصالح بلادهم التي تعتمد اقتصاداتها بشكل رئيسي على عوائد تدرها صادراتها من تلك المنتجات. في ذات الوقت توقعت الوكالة اعتماداً أكبر من العالم أجمع في المستقبل على الشرق الأوسط في توفير منتجات الطاقة من غاز طبيعي ونفط في وقت تتقلص فيها القدرات الإنتاجية للدول الغربية.

وقال خبراء في شؤون النفط لـ «الشرق الأوسط» تعليقاً على التقرير انه «لا يخلو من وجهات نظر سياسية قوية جداً» تعد مشكلة في إعداد التقرير كونها تعبر عن رأي الدول الأعضاء بها وهم الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا، حيث يتعرض هؤلاء بدورهم لضغوط شركات النفط والمنظمات البيئية في بلادهم كل حسب أجندته مما ينتج عنه نهاية المطاف، عملية تسييس للتقرير بحيث يعرض الحلول حسب المصالح الاقتصادية لكل عضو ويتناسب مع ما تراها السياسات النفطية لهذه الدول والشركات والمنظمات الدولية أو تلك التي تحمل جنسياتها. «فمنهم شركات النفط التي تنظر للمشكلة من حيث قلة الإنتاج في مقابل الطلب، وبذلك فهم يطلبون بطريقة غير مباشرة فتح سبل الوصول إلى منابع النفط والاستثمار في التنقيب والحفر والإنتاج بدل الاستثمار في التكرير» استناداً إلى زعم القدرة النوعية تسويقياً. هناك آخرون مثلاً في الدول الاسكندنافية واليابان وكوريا الذين تدفع لديهم منظمات البيئة نحو اعتماد أقل على النفط في المستقبل وهناك الفرنسيون الذين يرون المستقبل في الوقود النووي ويريدون استثماراتهم في ذلك الاتجاه. إلى ذلك نشرت جريدة «وول ستريت جورنال» عن فيث بيرول، كبير اقتصاديي الوكالة والناشر الرئيسي للتقرير قوله إنه في حال تم تنفيذ السيناريوهات التي وضعتها الوكالة حتى 2030 من حيث الاستثمارات فإن: «الصورة النهائية سوف تكون بوضع تسيطر فيه خمس أو ست دول في الشرق الأوسط على القرارات الاقتصادية لـ 95 في المائة من العالم».

ولكن حالة القلق التي يعيش فيها العالم اليوم هي بسبب تلاصق معدل الطلب مع معدل الامدادات حيث يمكن لأي حالة طوارئ حول العالم أن تسبب ذعراً في الأسواق الدولية ترتفع بسببه الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة مثل ما حدث عندما ضربت الأعاصير خليج المكسيك.

سر القلق في تقرير الوكالة على زيادة الاعتماد على نفط الشرق الأوسط غير مبرر خاصة أن دولا نفطية مهمة في المنطقة قد قامت بجهود ضخمة للمحافظة على استقرار الأسعار، وتقوم منذ فترة بوضع خطط استثمارية جديدة لزيادة إنتاجها سواء من النفط الخام، أو من الغاز الطبيعي. السعودية على سبيل المثال، وهي أكبر مصدري النفط في العالم منذ عقود، قد أثبتت مصداقيتها في التصدير والالتزام بتلبية حاجات السوق من الامدادات في ذات الوقت التي كانت تراعي فيه بقاء الأسعار في مستويات معقولة سوف تحتاج حسب التقرير إلى استثمار 174 مليار دولار حتى 2030 في مشاريع غاز ونفط حتى تنفذ السيناريو الذي طرحته وكالة الطاقة في تصورها المستقبلي. السعودية التي تملك أكبر احتياطيات مثبتة من النفط في العالم، قد بدأت فعلاً في الاستثمار في قطاعات الطاقة كافة، فقد أعلنت على لسان مسؤولين فيها أنها تعود إلى الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز المصاحب، بالإضافة إلى الاستثمار في مجال مصافي التكرير والتنقيب عن الغاز الطبيعي غير المصاحب التي وقعت عدة اتفاقيات مع شركات دولية لأجله في صحراء الربع الخالي. وقد أشار التقرير إلى أن السعودية لديها الاحتياطات والتمويل الكافي لرفع إنتاجها من النفط الخام إلى 18 مليون برميل يومياً. السعودية قد أعلنت أنها سوف تصل بالإنتاج إلى 12 مليونا بحلول 2010 وأعلنت كذلك أن لديها القدرة لإنتاج 15 مليون برميل لمدة 50 عاماً ولكنها لم تلتزم بأي أرقام أعلى من ذلك الرقم حتى الآن. الوكالة الدولية للطاقة عادت للتحذير مجدداً من إمكانية صعود الأسعار إلى مستويات عالية إن لم يتم الاستثمار في زيادة الإنتاج حيث توقعت الوكالة أن الأسعار قد تصل إلى 86 دولاراً للبرميل بحلول 2030 التي تعني أن السعر سيكون في حدود 52 دولارا من دولارات اليوم بعد حساب معدلات التضخم. ويأخذ على الوكالة إخفاقها في توفير توقعات دقيقة حول مستقبل النفط العراقي الذي ينتج مليوني برميل يومياً في الوقت الحاضر، وقالت إن بإمكانه أن يوصل إنتاجه إلى ثمانية ملايين برميل في اليوم بحلول 2030.