بوش: علاج إدمان أميركا للنفط عبر تكنولوجيا تجعل الاعتماد على الشرق الأوسط طي الماضي

خبراء يتحدثون لـ الشرق الاوسط حول واقعية الاستغناء عن النفط المستورد

TT

اعلن الرئيس جورج بوش، في خطاب الاتحاد امام الكونغرس امس، ان الولايات المتحدة تدمن النفط، ودعا الى الاستغناء عن ثلاثة ارباع نفط الشرق الاوسط المستورد خلال عشرين سنة. وقال بوش، الذي ربط بين تحقيق اهداف اميركا الاستراتيجية في العالم وبين النفط، «نحن نواجه مشكلة جادة: اميركا تدمن النفط الذي تستورده مناطق غير مستقرة». واضاف ان «افضل وسيلة للتخلص من هذا الادمان هي التكنولوجيا». ولهذا قال انه يأمل في ان تقدر الولايات المتحدة، اذا فعلت ذلك، على «الاستغناء عن نسبة 75 في المائة من صادرات النفظ من الشرق الاوسط بحلول سنة 2025». واشار بوش الى ان الولايات المتحدة صرفت، خلال الخمس سنوات الماضية، عشرة بلايين دولار لتطوير بدائل طاقة نظيفة ورخيصة ويمكن الاعتماد عليها. واعلن انه ينوي الاستمرار في هذه الجهود، وسمى ذلك «مبادرة الطاقة المتطورة»، لزيادة ابحاث ومبادرات الطاقة البديلة (التي تشرف عليها وزارة الطاقة) بنسبة 22 في المائة.

ودعا بوش الاميركيين الى «تغيير نوع الطاقة الذي تستعمله سياراتنا»، اشارة الى اهمية التحول من النفط الى بدائله، مثل خليط من طاقة وكهرباء، او كهرباء فقط، او هايدروجين، او غاز ميثانول من الذرة وشرائح الخشب والحشائش. وقال ان «هدفنا هو ان تصبح هذه البدائل عملية ومنافسة خلال ست سنوات».

ووعد بوش الاميركيين بأن هذه الخطوات، وغيرها، «ستجعلنا نودع الى الابد اعتمادنا على نفط الشرق الاوسط». واصدر البيت الابيض، بعد خطاب بوش، تقريرا مفصلا اوضح ان «مبادرة الطاقة المتطورة» تتضمن مبادرات فرعية، مثل:

اولا: «مبادرة ابحاث الفحم» التي سيرصد لها بوش بليوني دولار خلال العشر سنوات الماضية لتطوير الاستفادة من الفحم. يمد الفحم الاميركيين بأكثر من نصف حاجتهم من الكهرباء، وسيكفيهم مخزونه لاكثر من مائتي سنة.

ثانيا، «مبادرة الاجيال القادمة» التي سيرصد لها بوش اكثر من خمسين مليون دولار في ميزانية السنة القادمة، وتهدف الى مشاركة بين القطاعين العام والخاص.

ثالثا، «مبادرة اميركا الشمسية» التي سيرصد لها بوش مائة وخمسين مليون دولار في ميزانية السنة القادمة، لتطوير خلايا شمسية تمد المناطق الريفية بالطاقة وتصبح جزءا من مواد بناء المنازل «لينتج كل منزل طاقة اكثر مما يستهلك».

رابعا، «مبادرة طاقة السيارات» التي تشمل مبادرات فرعية، مثل: صناعة سيارات تستهلك طاقة اقل، وتقليل اعتماد السيارات على النفط، وتطوير الهايدروجين كطاقة للسيارات.

واشار تقرير البيت الابيض، في هذا المجال، الى ان في الولايات المتحدة 250 مليون سيارة، بمعدل سيارة واحدة لكل شخص، كبير وصغير. وان الاميركيين سيشترون 17 مليون سيارة خلال هذه السنة. لكن التقرير حذر من أن تحول الاميركيين الى سيارات تستعمل انواعا بديلة من الطاقة «سيستغرق وقتا طويلا»، وتوقع 15 سنة لذلك، لكنه قال «كلما حققنا اهدافنا سريعا، استفادت اميركا اكثر».

وتطابق تحذير بوش من ادمان النفط مع تحذير جاء في تقرير اصدره أخيرا معهد البترول الاميركي في واشنطن، جاء فيه ان «نقص امداد النفط بعد اعصار «كاترينا»، وارتفاع سعر النفط قبل وبعد ذلك يجب ان يذكرانا بان وطننا قصر في تقديم حل استراتيجي ودائم لمشكلة الطاقة».

ودعا التقرير الى وضع «استراتيجية طاقة وطنية»، وتنفيذها. وقال ان الهدف من هذه الاستراتيجية يجب ان «يضمن تدفئة منازلنا في الشتاء، وتبريدها في الصيف، وأداء اعمالنا، ودفع مصانعنا، وذهابنا الى حيث نريد، وتوفير طاقة لجنودنا ورجال الأمن».

إلى ذلك قال ادموند دوكورو، وزير الدولة النيجيري للبترول ورئيس «اوبك» أمس عندما سئل ان يعقب على كلمة الرئيس الأميركي عن حالة الاتحاد التي وضع من خلالها هدفا هو تقليل «إدمان» الولايات المتحدة على النفط وخفض وارداتها من الخام من الشرق الأوسط « نعتقد ان مسائل الطاقة لا ينبغي معالجتها بطريقة أحادية. يتعين علينا جميعا ان نعمل معا من اجل أمن الطاقة العالمي». وتسعى «اوبك» التي انتهى اجتماعها أمس بتعهد بإبقاء انتاج النفط دونما تغيير قرب اعلى مستوى له في 25 عاما الى تعزيز الروابط مع الدول المستهلكة.

وقال دوكورو «ما زلنا ملتزمين بالعمل مع الأطراف الأخرى».

ووضع بوش هدفا هو زيادة بدائل النفط مثل الايثانول والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقال دوكورو في مؤتمر صحافي مع وزير شؤون الاقتصاد والعمل النمساوي، مارتن بارتنشتاين «نحن نشجع استخدام هذه الموارد في اطار مزيج من موارد الطاقة».

من جهة أخرى، شكك خبراء في الطاقة على قدرة الولايات المتحدة كبح إدمانها على استهلاك الطاقة والالتزام بالتالي بالاستراتيجية التي أعلنها بوش في خطاب حالة الاتحاد. وأكد عبد الله النيباري، وهو خبير نفطي وعضو سابق في مجلس الأمة الكويتي، أن القدرة على تحقيق خطة بوش تكمن في «القدرة على إيجاد اختراقات كبيرة في تقنيات الطاقة». ولم يتوقع النيباري أن يعني هذا الحديث تخفيض استيراد النفط من منطقة الشرق الأوسط في وقت تتعرض فيه هذه الدول المنتجة لضغوط دولية لزيادة إنتاجها وتلبية الطلب العالمي على النفط وتعديل مسار الأسعار المرتفعة.

من جانبه يقول عبد الصمد العوضي، الخبير في شؤون النفط والمقيم في لندن عن خطاب بوش «هذا حديث سياسي غير واقعي»، وتنبأ بأن «كل الجهود التي تبذل في سبيل الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط في المستقبل سوف تلاقي الفشل»، خاصة مع العلم أن استهلاك النفط حول العالم من المتوقع أن يرتفع بقدر عشرين مليون برميل بحلول عام 2025.

وتفيد آخر احصاءات نشرتها وزارة الطاقة الاميركية في يناير (كانون الثاني) الماضي ان الدول الرئيسية المصدرة للنفط الى الولايات المتحدة هي كندا والمكسيك والسعودية ونيجيريا وفنزويلا على التوالي. وتؤمن هذه الدول الخمس67 في المائة من واردات النفط الأميركية. لكن توقعات ادارة معلومات الطاقة الأميركية تشير الى أن برميلا بين كل أربعة براميل من النفط تنتج في العالم في 2025 سوف تأتي من الشرق الأوسط وهو ما سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة ان تتجنب الموردين هناك.

وقال بوش «باستخدام المواهب والتقنيات التي نملكها في اميركا يمكن لهذا البلد ان يحسن الى حد كبير بيئته ويتجاوز اقتصاد يعتمد على النفط ويجعل اعتماده على الشرق الأوسط للحصول على النفط طي الماضي».

لكنه شدد على ان «الاحتفاظ بقدرة اميركا على المنافسة يتطلب طاقة رخيصة الثمن» في وقت وصلت فيه أسعار النفط الى مستويات قياسية في الأسواق العالمية وكذلك اسعار المحروقات في محطات البنزين في الولايات المتحدة.

وأكد ان «الطريقة المثلى لإنهاء تبعيتنا هي التكنولوجيا. أنفقنا حوالي عشرة مليارات دولار منذ 2001 لتطوير مصادر للطاقة أنظف وارخص ثمنا وأكثر سلامة ونحن على عتبة تقدم استثنائي».

وأعلن الرئيس الاميركي زيادة نسبتها 22 في المائة للأموال المخصصة للبحث المتعلق بالطاقة النظيفة وخصوصا الفحم النظيف والطاقة الشمسية والهوائية و«طاقة نووية نظيفة وآمنة». ولم تبن الولايات المتحدة اي محطة نووية منذ الحادث الذي وقع في محطة «ثري مايل آيلاند» في بنسلفانيا (شرق) عام 1979.

وتحدث جورج بوش مجددا عن احد مشاريعه المفضلة وهي السيارات بمحرك يعمل على الهيدروجين. ويقول بول روبرتس في كتابه «نهاية النفط» إن تكنولوجيا السيارات الهيدروجينية وصلت مراحل متقدمة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وبدأت شركات السيارات العالمية تنظر بجدية لهذه التكنولوجيا خاصة بعد تبني شركة «ديملر بنز» المنتجة لسيارات مرسيدس الألمانية لهذه التقنية في 1993 ورصدها ميزانية ضخمة لوضعها على مسار تجاري وإنتاجي. وظهرت بعد ذلك برامج مشابهة لدى منتجي سيارات آخرين مثل «جنرال موتورز» و«تويوتا» و«هوندا» و«نيسان». وكان من المفترض أن تنتج «ديملر كرايزلر» مائة ألف سيارة تعمل على الوقود الهيدروجيني بحلول العام الحالي. ولكن هذه الخطط كافة سقطت رغم استثمار مليارات الدولارات في إعدادها بسبب التأثير النفسي الذي تركته فقاعة شركات تكنولوجيا المعلومات الـ«دوت كوم» في وول ستريت عام 2000 عندما انفجرت حسب تحليل بيتر هوفمان محرر مطبوعة «رسالة الهيدروجين والوقود الخلوي»، وقامت بعد ذلك شركات إنتاج السيارات بتأجيل والتخلي عن خططهم الطموحة بشأن الوقود الخلوي والهيدروجيني. ودعا بوش أيضاً الى تطوير وقود الإيثانول كمصدر للطاقة «ليس فقط انطلاقا من الذرة، بل ايضا من نشارة الخشب والنباتات والعشب». وأضاف «هدفنا هو جعل الايثانول هذا قابلا للاستخدام وقادرا على المنافسة في اقل من ست سنوات».

ويؤكد الرئيس الاميركي منذ وصوله الى السلطة في 2001 انه يريد تطوير مصادر طاقة بديلة مثل الهيدروجين وتحديث مصادر قديمة اخرى مثل الفحم وإحياء الطاقة النووية. لكنه واجه صعوبات في اقناع الكونغرس في اقرار برنامجه في مجال الطاقة الذي لم يعتمد الا الصيف الماضي.

وتخلت ادارة بوش خصوصا عن تطوير استغلال الغاز والنفط في محمية طبيعية في ألاسكا كانت تقدمه على انه وسيلة لخفض تبعية الولايات المتحدة حيال واردات النفط.

وأثرت وعود جورج بوش موجة من الاحتجاجات من المعارضة الديمقراطية. وقال السناتور الديمقراطي عن نيويورك، تشارلز شومر، ان الرئيس قال مساء أمس ان «الاميركيين يعتمدون كثيرا على النفط. لكن هذه الحكومة هي التي لديها تبعية كبيرة لشركات النفط ولن نحقق استقلاليتنا في مجال الطاقة طالما لم تحطم الحكومة هذه التبعية».

وجدد اعلان كبرى مجموعات النفط الأميركية «اكسون موبيل» الاثنين عن ارباح قياسية تزيد عن 36 مليار دولار في 2005، النداءات الى فرض ضريبة على هذه الأرباح وتحويل تلك الأموال لتمويل تطوير مصادر طاقة بديلة.