منتدى جدة الاقتصادي.. فكرة تجمّع دولي يرسم مضامين القرارات الاقتصادية العالمية المستقبلية

بمساندة عامل التوقيت ونفوذ الشخصيات الدولية المشاركة

TT

تسهم الظروف المحيطة بمنتدى جدة الاقتصادي، المدينة الراكنة وسط امتداد الساحل غرب السعودية وبوابتها الغربية، في أن تكون مشروعا عالميا يحمل فكرة تجمع دولي ضخم يرسم مضامين قرارات اقتصادية وسياسية عالمية، وكذلك يمكن الاستفادة منه في صناعة رؤى ومبادرات ذات بعد دولي، إذ أن جميع الإمكانيات المتوافرة في المنتدى تمكنه بشكل علمي وعمليّ من تبني مشروعات إصلاح فكري سياسي واقتصادي.

ويساعد هذا التصور عاملين الأول هو توقيت هذا المنتدى والذي يتراوح بين الشهرين الأولين من العام (يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط) ويعني بالضرورة أن الأجندة والترتيبات وحتى الميزانيات لا تزال في مراحل تنفيذها الأولية لكل التجهيزات والاستعدادات الأولية في جميع الدول العالمية المتقدمة منها والنامية وهي قابلة للتغيير والتعديل وتبني إضافات يمكن أن تسهم في تحسين مستواها لاسيما فيما يخص عملية الإصلاح والتطور. في حين يتمثل العامل الثاني أن المنتدى يحتوي على عقول ذات مستوى عال جدا بما تحمله من تجارب وخبرات دولية راقية، تضاف إلى نفوذ سياسي واقتصادي عميق جدا في مناطقها وأقاليمها المختلفة، سيسهم التنوع بالمساهمة في خلق رؤية وحلول متكاملة لجميع المشكلات. ولعل الأهداف الأساسية لفكرة منتدى جدة تؤكد على ذلك حيث يأتي في هرم تلك الأهداف بأن إجراء أبحاث ودراسات قصيرة وبعيدة المدى للقضايا الرئيسية المؤثرة بدرجة أكبر على إمكانية تمتع منطقة الشرق الأوسط عامة، والسعودية خاصة، بنمو اقتصادي قوي يؤدي إلى إيجاد مناخ أعمال مستقر، وتحديد الإجراءات الضرورية لإنجاز الأهداف وترتيبها حسب أولويتها.

وانعقد منتدى جدة الاقتصادي للمرة الأولى في عام 2000 بمبادرة من الغرفة التجارية الصناعية بجدة بهدف الدخول إلى الألفية الجديدة من خلال تعزيز مكانة جدة كعاصمة تجارية للسعودية وإبراز المدينة الساحلية التاريخية كمركز رئيسي للمال والتجارة والاقتصاد في الشرق الأوسط، لذا تم منذ البداية وضع تصور للمنتدى ليكون حدثاً على مستوى عالمي يهدف إلى التقاء العقول والأفكار بهدف دراسة القضايا الاقتصادية العالمية والإقليمية والسعي إلى إيجاد حلول عملية وتنشط النمو من خلال التعاون الدولي. وبمجرد نجاح هذا المنتدى في تجربته الأولى، أصبح يمثل حدثاً سنوياً ثابتاً وتجمعاً هو الأكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط لقادة العالم والوزراء وكبار رجال وسيدات الأعمال والخبراء الاقتصاديين والمحللين الاستراتيجيين والأكاديميين وغيرهم من الشخصيات المؤثرة، وبات يجتذب في دورة انعقاده من كل عام وفودا من كافة أنحاء العالم، يجتمعون لتبادل الأفكار والخبرات والتجارب، إلى جانب أن المنتدى يعتبر فرصة ثمينة لهم للتعارف والترويج لبلادهم ومنظماتهم.

ونتيجة لأصداء هذا النجاح الدولي والإقليمي والمحلي المحقق بتنظيم مركز جدة الدولي للمعارض التابع للغرفة التجارية الصناعية بجدة، أنشأت الغرفة مجلس جدة للتسويق برئاسة عمر الدباغ الذي يرأس هيئة الاستثمار حاليا في السعودية، والذي تولى رئاسة المجلس منذ عام 2000 حتى عام 2004، ليقوم بمهمة الترويج لمدينة جدة بين الزوار من رجال الأعمال وجعلها الخيار الأول للزوار من عشاق الترفيه من بقية مناطق السعودية والضيوف العرب المحافظين والمتمسكين بالتقاليد من دول منطقة الشرق الأوسط، وكذلك السياح من ذوي الاهتمامات الخاصة من بقية أنحاء العالم، ليصبح مركز جدة الدولي للمعارض ومنتدى جدة الاقتصادي وحدتين تابعتين لمجلس جدة للتسويق، الذي يترأسه رجل الأعمال السعودي البارز غسان سليمان، بينما يشغل عماد مغربل الرئيس التنفيذي للمجلس.

وتتمثل أبرز محاور وفعاليات سيرة هذا المنتدى الذي انطلق فعليا في العام 2000 تحت شعار «نمو ثابت في اقتصاد عالمي» تم بالتعاون مع مركز الأعمال والحكومة وكلية جون كيندي وجامعة هارفارد، وافتتحه الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة والذي تولى افتتاح جميع مناسبات المنتدى السنوية والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب ورئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور.

في حين كانت القضايا التي تناولها المنتدى الثاني «الثورة الصناعية الثالثة» و«الأعمال الإلكترونية» و«المشاريع التجارية»، والتي تناولها أكثر من 30 متحدثاً، ناقشوا كذلك «نظرة عالمية وسعودية للعام 2002»، «السياحة والسفر في عالم اليوم»، «هل هناك جنة آمنة للمستثمرين العالميين؟»، «حماية النظام المالي العالمي»، «استكشاف المخاطر الجديدة»، «الاتصالات عند الأزمات»، «إعادة تعريف المسؤولية الاجتماعية للشركات»، «الطاقة في الاقتصاد العالمي الجديد»، «التكامل الاقتصادي العالمي واستقرار سوق الطاقة»، «القيادة في أوقات الأزمات الاقتصادية».

وتبنى منتدى جدة الاقتصادي الثالث شعار «الإدارة في بيئة عالمية معقدة»، والذي كان أبرز ضيوفه الرئيس الأميركي السابق كلينتون كمتحدث رئيسي، بينما انعقد منتدى جدة الاقتصادي الرابع لعام 2003 تحت شعار «المنافسة العالمية: التفكير بمنظور عالمي والتطبيق بمنظور محلي».

وأثبت الحضور إلى منتدى جدة الاقتصادي الخامس ما بلغه هذا الحدث السنوي من مكانة على المستوى العالمي، وذلك من خلال مخاطبة متحدثين على مستوى عال والحضور من قادة الشركات والصناعيين والخبراء الماليين والمصرفيين من مختلف أنحاء العالم، حينما انعقد المنتدى تحت شعار «تحقيق نمو اقتصادي متسارع»، كان أبرز المتحدثين فيها الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن والأميرة فيكتوريا ولية عهد السويد ورجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا والرئيس رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان.

وحمل المنتدى الأخير شعار «بناء الطاقات: تطوير الأفراد لتحقيق نمو مستدام»، بعد أن شكل الحدث الاقتصادي الأهم والمحرك الرئيسي للمبادرات والاستراتيجيات الاقتصادية في المنطقة ونقطة جذب لكبار السياسيين والاقتصاديين والأكاديميين والإعلاميين من شتى أنحـاء العالم وذلك لوجود عدد هائل من المتحدثين والمشاركين العالميين والإقليميين والمحليين. وركز المنتدى حينها على تحديد الرؤية لتحقيق تطوير مستدام والذي يتطلب التحول من نظريات التطوير السابقة التي كانت تركز على المنظور الاقتصادي المتمثل في رأس المال والبنية التحتية إلى رؤية أكثر شمولية لتغطي مجالات أكبر مثل بناء الطاقات والموروث الحضاري والثروة البشرية وأسس المعرفة لدى الفئات الشابة. هذه الرؤية والعناصر المرتبطة بها وتطبيقاتها على صعيد الفرد والمؤسسة والمجتمع على المستويين المحلي والدولي، تشكل النقطة الرئيسية التي يركز عليها المنتدى هذا العام.