نائب رئيس البنك الدولي : 1.7 مليار دولار حجم دعم مشروعاتنا في المنطقة العربية

بوتمان لـ الشرق الاوسط : سيولة الخليج يجب أن توظف لتقليص معوقات الاقتصاد .. وتنامي أعداد المصارف يلزم تكثيف المراقبة

TT

نصح كريستيان بورتمان، نائب رئيس البنك الدولي، حكومات منطقة الخليج العربي والسعودية على وجه الخصوص بالاستفادة من الطفرة الاقتصادية والسيولة الكبيرة المتوفرة حاليا مع ارتفاع عوائد بلدان المنطقة إثر صعود أسعار النفط في هذه المرحلة، عبر توجيهها نحو إزالة العوائق أو تقليص حجم العراقيل التي تقف أمام النمو الاقتصادي في المنطقة. ودعا بورتمان دول المنطقة إلى مواصلة الجهود في مسيرة بناء بيئة محيطة بالاستثمار في المنطقة، لا سيما أنها قابلة تماما للتطور المهول والتميز على الصعيد الاقتصادي، مبينا في ذات السياق أن تزايد أعداد المصارف المؤسسة حديثا يثبت الملاءة والقدرة المالية للمنطقة، متوجها بحديثه لحكومات المنطقة بمضاعفة عملية الإشراف وتطوير آليات المراقبة. ويشغل كريستيان بورتمان منصب نائب رئيس البنك الدولي منذ يوليو (تموز) 2003، حيث يشرف على العمليات في كل من الجزائر ومصر وإيران والأردن والمغرب وسورية وتونس واليمن والضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حين عمل قبل ذلك مديراً للعمليات في مكتب نائب الرئيس في إقليم أفريقيا كمنطقة لمعالجة استراتيجية وحاسمة ومسؤول عن مراقبة برنامج العمل الإقليمي.

وشغل منصب مدير منطقة في البوسنة والهرسك كمنسق لجنوب شرق أوروبا ليشمل المراقبة والإشراف على برنامج البنك في كوسوفو ومدير منطقة لألبانيا ومقدونيا وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية. وانضم إلى البنك عام 1976 كمهني شاب وعمل كاقتصادي في قسم برامج الدولة وشرق آسيا والباسيفيكي ورئيس قسم في غرب أفريقيا في عمليات الصناعة والطاقة.

وكان الممثل المقيم للبنك في زمبابوي ورئيس قسم في أوروبا وآسيا الوسطى. وقبل انضمامه للبنك عمل في مكتب الأمم المتحدة للمساعدة التقنية في سوازيلاند كمخطط وخبير اقتصادي. وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد ونظرية الاقتصاد الضخم والماجستير في اقتصادات التطوير من جامعة غروننغن في هولندا كما أتم برنامج هارفارد للتطوير التنفيذي. وفي ما يلي نص الحوار الذي أجري في جدة: > تمر السعودية حاليا بمرحلة طفرة كبرى على جميع الأصعدة الاقتصادية. باعتباركم تقدمون مقترحات كجزء من مهامكم في البنك الدولي، فماذا تنصحون السعودية ودول منطقة الخليج العربي للاستفادة من هذه النمو؟

ـ دعني أشدد على أمر بارز، فأول ما يتبادر لي عند الحديث عن نمو أو تطور اقتصادي، انه لا بد للسعوديين ودول الخليج تحديدا وبظروفهم المنتعشة حاليا القيام بتقليص حجم المشكلات أو العقبات التي تعترض اقتصاداتهم المحلية أو تحد من حركتها، ولا يمكن لي حصر نموذج هنا إذ تختلف باختلاف البلاد وظروفها الداخلية، ما أعنيه أن الاستفادة من الطفرة والانتعاشة لابد أن تسخر في مرحلتها الأولى لاجتثاث أو على الأقل إزالة جزء من العوائق، ثم البدء استراتيجيا في التفكير لخلق بيئة اقتصادية أساسية ليتم البناء فوقها، والتطلع نحو خلق بيئة أخرى تخص الاستثمار الذي يحتاج إلى ظروف واعدة لجذب أدواته، والاستثمار يعني بالضرورة أن هناك مناخا اقتصاديا مفتوحا بجميع تفاصيله.

> بالمناسبة، هل لديكم مشروعات تتعلق بالبنك الدولي في السعودية وماذا عن المنطقة العربية؟

ـ ليس لدينا مشروع يمكن الإشارة إليه مع السعودية، لكن لا بد أن تعلم أن السعودية ليست ضمن الدول التي تحتاج إلى مساعدة البنك الدولي في مشروعاتها، فهي دولة غنية بمواردها الطبيعية، ولكن هناك تعاونا وثيقا في ما يخص الدعم المعلوماتي أو التزويد بالتجارب والخبرات المختلفة، وكذلك تقديم بعض الدراسات الفنية. وعند الحديث عن الدول العربية، فالمنطقة تقع تحت بعض الظروف لا سيما في بعضها، ودعني أقل إنه يتم صرف 1.7 مليار دولار سنويا لدعم برامجنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا)، وهي متركزة فعليا على دعم البنية التحتية في الأساس إلى جانب بعض الشؤون الحياتية الرئيسية كالتعليم مثلا ولو كانت ذات تكلفة عالية، وكذلك الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية.

> هل لديكم توجه داخل البنك لإعطاء أفكار جديدة وآليات سهلة التنفيذ في ما يخص مسائل اقتصادية كالاستثمار واستفادة من الميزانيات الفائضة؟

ـ عملنا في الأساس متركز على الدراسات والأبحاث العلمية الدقيقة والتي تمثل في النهاية نصائح عملية مفيدة جدا وخلاصة لتجارب دولية مختلفة ناجحة جدا، وهنا لا يمكن الإجابة بأمور محددة ولكن المنطقة العربية في الإجمال يشملها بعض النقائص بشأن فتح الاقتصاد والتفاعل الناتج عنها. ولا أخفيك إذ ذكرت بأن التنوع في الاقتصاد أمر ضروري ومنعكس بشكل مباشر على الفرد في المجتمع. إن توسيع الاقتصاد وتنمية مصادر الدخل من أبرز المهام التي نركز عليها جنبا إلى جنب مع تطوير نظام التعليم الذي سيتمثل الأساس في تكوين بيئة اقتصادية واجتماعية ملائمة. وهناك من بين الموضوعات العامة التي نركز عليها مسألة أنظمة التجارة والتطورات القائمة وكيفية التعامل مع التحديات المستجدة وأساليب خلق فكر اقتصادي جديدة.

> تشهد منطقة الخليج العربي تحديدا، تناميا في حركة تأسيس المصارف، ولعل السعودية وقطر والبحرين والكويت أخيرا في الطريق، خاضت خلال الشهور الماضية تأسيس مصارف كبرى. هل ترى وأنت المصرفي، حاجة أو طلبا فعليا لتصاعد أعدادها في المنطقة؟

ـ تفصيليا لا يمكن أن أحدد لك الحاجة أو مدى الطلب الفعلي، لكن ما أدركه أن التأسيس للمصارف العامة الكبرى ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى دراسات معمقة وقراءات جدوى ذات أبعاد وأهداف اقتصادية ملحة، ما أعنيه أنه من الممكن أن يكون طلب في المنطقة قوي باعتبارات السكان وحجم الأموال وغيره، ولكن الأهم هو ما يمكن أن تقدم البنوك من خدمات وتخلق أجواء استثمارية جديدة وانعكاسات مباشرة على المجتمع. لا بد أن نضع في الاعتبار أن تكون تلك المصارف قادرة على دعم بيئة الاقتصاد، فمثلا القطاع الخاص يمكن أن يحدث تحولا في البلاد إذا وجدت مصارف تقوم بعمليات دعم وإقراض وتقديم خدمات، فهي بطبيعة الحال تساهم في خلق فرص ومشروعات كبيرة تتضمن مجالات صناعية وتجارية واستثمارية. > ولماذا في رأيك التوجه نحو المنتجات الإسلامية أو التحول بالكامل إلى بنوك «إسلامية»؟

ـ قبل الإجابة هناك نقطة ضروري جدا التعليق على السؤال الفائت وهي أنه لا بد على حكومات المنطقة زيادة مراقبة تحركات البنوك وتوجهات أعمالها بشكل دقيق جدا إذ أن حساسية القطاع تكمن في مدى خطورة عواقبه في حال حدوث إشكالات لا سيما أننا نتحدث عن أموال شعوب وحسابات قطاعات وأرصدة مالية لجهات مختلفة تمثل مئات الملايين من الأموال، لذا لا بد أن يتواكب مع نمو تأسيس المصارف، تصاعد في الحيطة والحذر وتحديث آليات المراقبة والمتابعة الدقيقة وسط تكوين مناخ تنافسي راق لتلك المصارف. وفي ما يخص المصارف الإسلامية، فالأمر الذي لاحظته هو زيادة المنتجات الإسلامية والتوسع التعامل بها ليس فقط في المنطقة ولكن في أرجاء مختلفة، ولا يمكن أن أضيف أكثر من هذا في ما يخص هذه النقطة لأن معلوماتي محدودة في هذه النوع من البنوك، إنما أي برامج بنكية يمكن أن تساهم في زيادة النمو والتقدم للاقتصاد والمجتمع فهي محل ترحيب وستفرض نفسها. > أبرز سمات الميزانية السعودية، ودول الخليج، وفرة سيولة عالية جدا بدلالة تجربة الاكتتابات التي حصلت في الفترة الماضية وانضمام ملايين من أفراد المنطقة إلى أسواق الأسهم، والمساهمات العقارية الضخمة، باعتبار تجربتك الطويلة كيف يمكن تحقيق أكبر استفادة ممكنة في هذه الفترة، أو بصيغة أخرى هل هنا أشكال استثمارية يمكن إضافتها لاحتواء السيولة العالية؟

ـ صعب، لا يمكن تحديد شكل معين للاستفادة من السيولة، لا بد من وضع اعتبارات اختلاف الظروف والمسببات والأجواء الاقتصادية المتوفرة. ولا بد من العودة إلى البنية التحتية والتأكيد على أنها من أبرز الاهتمامات التي يمكن استغلالها وتحقيق الفائدة منها خاصة بتميزها بأنها مشروعات ضخمة وتحتاج إلى أموال طائلة لتطويرها والاستفادة منها بالطرق الاستثمارية. هذه إحدى الحلول. ولعل فكرة «صندوق للأجيال القادمة» كما في تجربة جمهورية إيران، بمقدورها امتصاص السيولة وحفظها للمستقبل، وعموما الأفكار المشابهة كثيرا، لكن المهم أن تنبع من بيئة المنطقة.

> تعمل السعودية على سياسة توطين مستمرة ضمن محاولتها لخلق مزيد من الفرص أمام مواطنيها، في مقابل ذلك هناك عملية خصخصة لقطاعات حكومية كبرى بعضها تم الانتهاء منه والبعض الآخر في القريب العاجل. هل ترى أن هذه المعادلة قادرة على التوافق؟

ـ عليك أن تعلم أن لكل بلاد الحق في عمل أنظمة غير مجحفة وتضمن توظيف رعيتها، والسعودية إحدى الدول التي تؤمن بهذا المنظور، وعليه فإن الحسبة تصبح معقدة حين الحكم على مسألة «السعودة» بطريقة غير علمية، فهناك معادلة للعرض والطلب وتعداد القادرين على العمل والقوى العاملة لا بد من دراساتها بعمق، وستكشف عن المتطلبات الضرورية وغير ذلك، بعدها يمكن عليها بناء التصور العام، ولكن لا أتمنى أن تتم عملية «السعودة» بشكل خاطئ، حينها ستصبح العملية خطيرة وتؤدي إلى نتائج سيئة كإحباط مشروعات طموحة أو تعطيل أخرى. > إشكالية الفقر والتعليم، هي من أهم الأهداف التي يحاول البنك إيجاد حلول لها، فما هي النتائج التي توصلتم إليها؟

ـ المهم في مشكلة الفقر لأي حكومة هي تقنين دراساتها لمعرفة الحجم الحقيقي للفقر وتبني عليه اتخاذ الحلول لتقليصه، والمنطقة العربية معنية بهذا الكلام حيث أن معدلات الفقر ترتفع في بعض الدول كاليمن ومصر حيث بلغت معدلات الفقر في جنوب مصر 19 في المائة مقارنة بالمدن الكبرى 5 في المائة. كما أنه لا بد أن لا تقتصر معرفة الفقر على الافتقار إلى المال فقط بل يتعدى ذلك إلى مسائل التعليم والثقافة. وإجابة عن التعليم فإنه من الضروري الانتقال بسياسات التعليم في المنطقة العربية من التركيز على الكم إلى الكيف، وهو الأمر الذي نجحت فيه دول شمال أفريقيا. إلا أن ذلك يتطلب تعزيزا من حيث تحسين القدرة التنافسية وخلق ثقافة اقتصادي لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.