سوق الأسهم السعودي ومخاطر السيولة المرتفعة

TT

يشهد سوق الأسهم السعودية إقبالا شديداً، وقد كان للاكتتابات الأولية الأثر الأكبر في دخول أعداد كبيرة من صغار المستثمرين للسوق، حيث بلغ عدد المساهمين في اكتتاب ينساب نحو 9 ملايين مساهم. ولا يخفى على الجميع مدى تأثير التذبذب الحاد، والذي هو أحد صفات أسواق المال بشكل عام، على معظم المواطنين (والمقيمين من خلال اشتراكهم في صناديق الاستثمار).

وبعد الحركة التصحيحية الأخيرة، فإنه حان الوقت لإعادة النظر وتحديد السلبيات الهيكلية لتخفيف الآثار السلبية للتذبذبات على اقتصادنا ومجتمعنا. إنه من الواضح أن الوعي الاستثماري لدى المجتمع أدنى من الحد المطلوب. وحيث أن رفع التوعية يستغرق فترة من الزمن لا يمكن انتظاره.

إن الهدف الأساسي هو أن ينعكس الانتعاش الاقتصادي، الذي تمر به المملكة على كافة المواطنين، وبخاصة صغار المستثمرين. لذلك يجب أن نقوم بتطوير أساليب وأدوات مالية جديدة لإشراكهم في الطفرة الاقتصادية الحالية وتقليص الآثار السلبية عليهم لتذبذب سوق الأسهم بقدر المستطاع. إن السيولة النقدية المرتفعة والتي أدت إلى ارتفاع أحجام التداول إلى أن بلغت ما بين 40 و50 مليار ريال يوميا أو ما نسبته 10% من إجمالي السيولة النقدية ـ ن2 في الاقتصاد السعودي (النقد المتداول خارج المصارف + الودائع تحت الطلب + الودائع الزمنية والادخارية)، والذي يعكس درجة الاهتمام بسوق الأسهم. كما تشهد هذه السيولة النقدية نمواً متواصلاً بلغت نسبته 12% في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2005 مقابل الشهر نفسه من السنة الماضية. فما نحن فاعلون لامتصاص هذه السيولة الكبيرة وإعادة توظيفها لنمو اقتصادي بعيد عن تقلبات سوق الأسهم.

يوجد العديد من الاقتراحات الممكن عملها من خلال جهات رسمية أخرى، بخلاف المهام التي تقوم بها هيئة السوق المالية.

أولاً: الأسهم المملوكة للدولة: تشكل حصة الحكومة من أسهم الشركات المدرجة في السوق السعودي ما يقارب 38%، ولم نشهد بعد أي عمليات تخصيص تذكر لهذه الأسهم المدرجة في السنوات الماضية. ولربما لو أسس صندوق استثماري مغلق يحتوي على أسهم الدولة في الشركات المدرجة، ويتم طرحه على المواطنين بسعر أقل من القيمة السوقية المتداولة للأسهم (أي بخصم على قيمة الأسهم) مع إلزام المكتتبين في الصندوق بالاحتفاظ به لمدة محددة (على سبيل المثال: 6 أشهر)، والذي سيساعد بشكل كبير على امتصاص السيولة النقدية الفائضة وإبعادها عن المضاربة العشوائية السلبية.

ثانياً: سوق السندات المالية: إن سوق السندات المالية تعتبر من الركائز الأساسية في اقتصادات دول العالم. ورغم ذلك تعتبر شبه معدومة في الاقتصاد السعودي. ومن أهم أسباب عدم وجود الطلب عليها في السوق المحلي، هو الجانب الشرعي في السندات. وقد قامت جهات عديدة حكومية وخاصة بتطوير وإصدار سندات إسلامية (الصكوك)، والتي تعد بديلاً مناسبا للسندات التقليدية وتقوم بنفس وظائفها. فلماذا لا يتم التسريع في إنشاء سوق للسندات الإسلامية (الصكوك) وإصدارها لامتصاص السيولة النقدية الفائضة مع العلم أن سوق السندات يكون عادة أكبر من سوق الأسهم، كما أن العائد فيه يعتبر مستقراً ومخاطره أقل من سوق الأسهم. ثالثاً: تنويع الاستثمارات: من المبادئ الأساسية في الاستثمار هو عدم وضع الاستثمارات في سوق, أو دولة، أو منطقة واحدة. وبالنظر لتوجه الاستثمارات السعودية فإننا نلاحظ التركيز الكبير على سوق الأسهم السعودية وعدم الالتفات إلى سوق العقار الداخلي، أسواق الدول العربية والإسلامية أو أسواق الدول الأخرى، والتي تربط المملكة معها علاقات استراتيجية. وبما أن السياسة الاقتصادية للحكومة هي دعوة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية للاستثمار في المملكة، لذا فإن الوجه الآخر للعملة، هو أن نقوم نحن كذلك بالاستثمار في بلادهم. وحيث أن ارتفاع أسعار النفط كان له أثر كبير على الدول الناشئة مقارنة بالدول المتقدمة، لذا فإن من الحكمة الاقتصادية أن يتم استثمار جزء من هذه الأموال الفائضة في بلادهم. مع العلم أن ريع وملكية هذه الاستثمارات، تعود للاقتصاد المحلي والتي تعتبر من أسس تنويع المخاطر. وختاماً، فإنه من الضروري الإسراع بتطبيق برنامج متكامل للاستفادة من هذه الطفرة الاقتصادية، وهي مسؤولية مشتركة للجميع، وأن لا تلقى على عاتق هيئة سوق المال، ولكي لا يكون للتذبذبات الكبيرة فيها تأثير على الاقتصاد والمجتمع معا.

* محلل اقتصادي سعودي