أسواق المال العربية.. مجاملات أدت إلى كارثة

TT

مرت أسواق المال العربية خلال الفترة الماضية بفترة تصحيح.. يعتقد البعض انها وصلت إلى مرحلة النهاية، والبعض الآخر يعتبرها مجرد البداية لمرحلة تصحيح متوسطة المدى قد تستغرق أكثر من ستة أشهر. مهما كانت النظريات، فإن هناك درسا رئيسيا يجب أن لا ينساه المستثمرون، وهو عدم الاستهانة بردة فعل أسواق المال، وان الأسواق تحقق الكثير من الارباح للمستثمرين، إلا انها قد تكبدهم خسائر باهظة أيضا. البعض، وخاصة المستثمرين الجدد الذين دخلوا إلى الأسواق قبل ثلاث سنوات تقريبا، لم يشهدوا أو يجربوا قساوة انخفاض الأسواق، حيث كانت الأسواق خلال هذه المدة تتم بوتيرة واحدة، بالتالي عاشوا الجانب الايجابي المشرق الجميل من السوق. ولذلك، عندما هوت الأسهم بنسب 30% ـ 40% لم يصدقوا أعينهم، واحتاجوا إلى من يضعون اللوم عليه، خاصة اننا نحن العرب ما زلنا نؤمن بأن كل ما يصيبنا هو نتيجة مؤامرات صهيونية امبريالية خارجية تحاول ضربنا والإضرار بمصالحنا. فاتهموا جهات خارجية وأجانب بسحب أموالهم ليوقعوا اكبر الخسائر بالمستثمرين الذين عبرت ثرواتهم الخطوط الحمر غير المسموح لهم بامتلاكها، البعض الآخر اتهم هوامير السوق بضرب الأسهم ليخرجوا الصغار والمساكين من السوق، وتارة أخرى اتهموا الجهات الحكومية بالتقصير. معظمهم لم يشاهدوا الحركات التصحيحية التي ضربت البورصات العربية في عام 1998 عندما ظلت في سبات امتد لأكثر من أربع سنوات، ولم يعيشوا حالة الأسواق يوم انخفضت بعض أسعار الأسهم في أسواق الولايات المتحدة أو أوربا لأكثر من 70 ـ 90% في عام 2000 و2001، على الرغم من ان حجم وعمق أسواقهم وقوة اقتصاداتهم وتنوع مصادر الدخل فيها تصل إلى أضعاف مضاعفة بالقياس إلى قوة وحجم اقتصادات الدول العربية. ولأول مرة تشهد فيها أسواق المال ـ في العالم على ما اعتقد ـ خروج المستثمرين من قاعات التداول ليقوموا بحركات احتجاجية ومظاهرات في الشوارع تطالب الجهات الحكومية والتشريعية بالتدخل لإنقاذ تدهور الأسواق. في البداية، أتمنى أن تكون الخسائر التي تكبدها المستثمرون طفيفة، ولكن قيام الحكومات بالتدخل فعليا لمعالجة حالة الانخفاض سيكون له تأثير سلبي كبير على المدى المتوسط والبعيد. فالمفترض ان يكون دور السلطات حياديا، رقابيا وتشريعيا، تضع الأطر والقوانين للسوق، أما الارتفاع والانخفاض فيحددهما الطلب والعرض، وإذا تعود المستثمرون على الخروج في مظاهرات، كلما انخفضت الأسواق، فإننا سنشهد مظاهرات يومية في المستقبل القريب، خاصة أن أدوات التدخل السوقي في يد الحكومة تظل محدودة، فيمكن أن تتخذ بعض القرارات التي تمسك بالسوق لفترة ما، ولكن كم هي عدد القرارات والمبادرات المتوفرة في جعبتها ؟ واني أتساءل لماذا تضع نفسها في مواقف قد تسبب لها الإحراج مستقبلا ؟ الانخفاض الحاصل هو نتيجة الارتفاع غير المبرر الذي حصل في السابق، عندما ارتفعت قيم أسهم العديد من الشركات بشكل مبالغ فيه، تحت ذرائع مختلفة ومتعددة، أطلقها المستثمرون كإشاعات ثم صدقوها. فجميعنا ندرك أن الأرباح التي تحققها الشركات هي قياسية فعليا، ولكن ذلك لا يعني إن نرفع قيمة الأسهم 100% في غضون عام واحد، وأحيانا خلال عدة أسابيع، فماذا نتوقع نتائج هذه المضاربات ؟ ماذا نأمل من أن نشهد كيف يجازي بعض المستثمرين لأسهم شركات لم تحقق أية أرباح في تاريخها، ولكن يتم رفع أسهمها بقيم خيالية ؟ لا يمكن أن تستوي أسهم الشركات الجيدة مع السيئة، ولا أسهم الشركات الرابحة مع الخاسرة، ولا المستثمر الاستراتيجي مع المضارب اليومي، فلكل سعره وقيمته، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.

*خبير ومحلل اقتصادي