مصرف الإنماء: وجهة نظر مختلفة

TT

سعدت مثل غيري بقرار تأسيس مصرف الإنماء، ومصدر سعادتي هو الشعور بالحاجة لخلق المزيد من المنافسة في السوق المصرفية السعودية. خصوصاً على مستوى نشاط الخدمات الفردية (Retail Services) للأفراد، والتي يكفي أن تزور أحد فروع البنوك لتلاحظ مدى تكدس العملاء، وتردي الخدمة المصرفية لهم. إلا أن خبرتي المتواضعة في العمل المصرفي قد قادتني لأن أحلل الموضوع بشكل مختلف عن الآخرين الذين كتبوا يباركون القرار، وسأعرض فيما يلي ملخص وجهة نظري المختلفة، ثم سأسوق عدداً من المبررات لدعم وجهة النظر تلك. «لو استبدلت فكرة مصرف عملاق رأسماله (15) بليون ريال، بخمسة مصارف، رأسمال كل منها (3) بلايين ريال، تؤسس بالتدرج، بواقع بنك واحد كل ثلاث سنوات، لكن ذلك أجدى للاقتصاد الوطني». ومبررات ذلك الاقتراح هي:

1 – حجم رأس مال أي مصرف، مرتبط بمدى الحاجة لذلك المال، وفي حالة المملكة، فإن بنوكها ناجحة من حيث ملاءتها المالية، وقدرتها على مواجهة احتياجات التمويل، ومن حيث نسبة الودائع إلى رأس المال، وكذلك العائد على رأس المال، وكلها تبين أن التجربة البنكية السعودية ناجحة عندما كانت، وما زالت حدود رأس مال أي بنك (2 – 3) بلايين ريال.

ويعزز ذلك، الشعور العام بأن مؤسسة النقد السعودي ستبقى الحامي للقطاع البنكي، وهو شعور مبني على حقائق تاريخية عديدة، وهو ما يؤدي بقبول رأس مال أقل لتأسيس أي بنك.

2 – ضخامة رأس المال يمثل مشكلة كبيرة لملاك البنك ولإدارته، لأن منتجات البنك معروفة، ومحدودة، والمصرف الجديد سيأتي إلى بيئة بنكية ناضجة، وقادرة على المنافسة، مما يعني أن ضخامة رأس المال ستكون عبئاً عليه، لا مصدر تميز له، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من مصدر نجاح القطاع المصرفي السعودي هو في الحصول على الودائع غير المكلفة (NIBS)، وليس في حجم رأس المال، وما يتطلبه من عائد كبير كلما تضخم رأس المال.

3 – بتحليل أداء البنوك السعودية نلاحظ أن أكثر النشاطات ربحية هي المنتجات الخاصة (كبار العملاء، الشركات، العمليات الخاصة، بما فيها الخدمات المرتبطة بتداول الأسهم)، وبالمقابل فإن أقلها أداءً هي عمليات الفروع، والتي تمثل للبنوك مصدر إزعاج، ومصدر نزيف، خصوصاً في المناطق والفروع التي لا تتوفر فيها قدرات إدارية تضمن حسن سير العمل.

ولذلك نلاحظ أن أرباح البنوك التي لها أكبر عدد من الفروع في المملكة، هي أقل من أرباح البنوك ذات العدد المحدود من الفروع، إذا قورنت ربحية الفرع الواحد.

4 – هناك مبرر آخر لتجزئة المصرف إلى خمسة مصارف، وهو تقليل المخاطر من الاعتماد على إدارة مصرفية واحدة، وتوزيع ذلك على خمس إدارات مختلفة، ستحضر إلى السوق المصرفي الكثير من التنوع، والمنافسة، والإبداع. 5 – عانت المملكة على مدى العشرين سنة الماضية من انخفاض عدد البنوك (من 12 إلى 10 بنوك)، بالرغم من النمو الاقتصادي الكبير، وهو وضع مصرفي غريب، ولذلك نحن بحاجة لزيادة عدد المصارف، وتنويع نشاطاتها، وتخصصاتها بعيداً عن النمط المصرفي التقليدي القائم حالياً. لهذه الأسباب مجتمعة، يأتي اقتراحي بتقسيم المصرف المقترح إلى خمسة مصارف، رأس مال كل منها (3) بلايين ريال، يؤسس واحد منها كل ثلاث سنوات. أخيراً قد يقول قائل، ما الفائدة من الاقتراح طالما أن القرار قد أتخذ، ويصعب التراجع عنه؟ لكنني سأفترض أننا نعيش في مرحلة قد نجد التراجع فيها فضيلة، إذا كان ذلك التراجع يمثل طريقاً أفضل لتحقيق فائدة أكبر.

* العضو المنتدب للمجموعة السعودية للاستثمار الصناعي