النفط يتعزز فوق 70 دولارا و«الطاقة الأميركية» تشير لأول مرة لانخفاض إمدادات وقود السيارات

أجواء التوتر الإيراني ـ الأميركي تشعل الأسعار واجتماع في الدوحة لبحث استقرار السوق

TT

رغم تراجع أسعار النفط الاميركية عن مستوياتها التي سجلتها في التعاملات الإلكترونية الليلة قبل الماضية مع استمرار المبيعات لجني الارباح، الا انها تمسكت بمستوياتها القياسية التي تخطت معها 70 دولارا وتم تسجيل سعر الخام الأميركي الخفيف لعقود مايو(ايار) التي انتهت أمس بتراجع 0.77 دولار عند 71.41 دولار للبرميل، وكان الخام الأميركي قد سجل في وقت سابق 72.49 دولار للبرميل وهو أعلى مستوى للعقود تسليم الشهر التالي منذ بدء تعاملات العقود الاجلة في بورصة نايمكس في عام 1983. واشارت وكالة «رويترز» الى ان سعر برنت في بورصة البترول الدولية بلندن هبط لعقود تسليم يونيو (حزيران) 50 سنتا الى 73.23 دولار للبرميل بعد أن كان قد سجل في وقت سابق من يوم أمس مستوى قياسيا مرتفعا جديدا فوق 74 دولارا.

وفي واشنطن أعلن تقرير أصدرته وزارة الطاقة انخفاضا غير متوقع في امدادات البنزين، وعرضت نشرات الاخبار في التلفزيون صور الاميركيين وهم يملأون سياراتهم بالوقود، ويعلنون قلقهم بسبب ارتفاع سعر الجالون الى رقم قياسي آخر. وفي نفس الوقت اعلنت وزارة الطاقة، في تقريرها الاسبوعي عن توفر وقود السيارات للمستهلكين الاميركيين، ان الامدادات خلال الاسبوع الذي انتهى اول من امس، كانت 202.5 مليون برميل. واضافت بأن هذه اقل من امدادات الاسبوع الذي سبقه. وانها المرة السابعة على التوالي التي انخفضت فيها الامدادات الاسبوعية. وان الامدادات الاسبوعية اقل بنسبة 5 في المائة عما كانت عليه في مثل هذا الوقت من السنة الماضية.

واوضح التقرير انخفاضا آخر، في مخزون النفط الخام. واشار الى انخفاض 800,000 برميل خلال الاسبوع الذي انتهي أول من امس. وان المخزون وصل الآن الى 345 مليون برميل.

وفي نفس الوقت، تخطى سعر وقود السيارات حاجز الثلاثة دولارات للجالون. واضطر سائقو سيارات في ولاية كليفورنيا الى شراء وقود سعره اربعة دولارات للجالون. وعرضت قناة «سي بي اس» التلفزيونية صور سائقي سيارات اميركيين في محطات وقود وهم يعلنون غضبهم على الارتفاع المستمر، ويبدون قلقهم من ما سيحدث في المستقبل. وقالت ماري بنيديتو، في لوس أنجليس: «لا بد ان اقود سيارتي. ماذا افعل بدون سيارة؟ انا اعيش في منزل في الضواحي الجبلية، ولا تذهب الحافلات الشعبية الى تلك المنطقة». وقال واحد في بتسبيرغ: «هذا شيء يدعو للغضب. اصبحت لا اقود سيارتي كثيرا. صدقوني، كثير من الناس لا يقدر على تحمل هذا».

ويشير خبراء الى ان التصريحات النارية المتبادلة بين المسؤولين الاميركيين والايرانيين، واخبار التحركات العسكرية من الجانبين في الخليج، والخوف من عرقلة خطوط امدادات النفط هناك، والتوتر في منطقة استخراج البترول في جنوب نيجيريا، قد اشعلت الاسعار لمستوياتها القياسية الحالية. الى ذلك من المنتظر أن يجتمع مستهلكو النفط ومنتجوه في العالم في قطر غدا السبت لبحث سبل خفض اسعار النفط التي بلغت مستويات قياسية تهدد اقتصادات الدول المستهلكة له ونمو الطلب عليه. ولا يتوقع الكثيرون تحقيق نتائج سريعة.

وفي تعليقه على تخطي النفط لحاجز 73 دولارا، تحدث خبير النفط وشؤون الطاقة كامل الحرمي لـ«الشرق الاوسط» في اتصال هاتفي من الكويت، بان الخطر الذي يتهدد السوق هو في النقص المتوقع للامدادات، في حال المواجهة المتوقعة بين ايران واميركا في المنطقة، مضيفا، بان المشكلة الاكثر تعقيدا هي في «عدم قدرة الدول المنتجة التعويض عن هذا النقص وهو ما سيؤدي فعلا الى مشكلة حقيقية. وقال ان التصريح الذي صدر عن وكالة الطاقة الدولية بالتعويض عن نقص الامدادات الايرانية يطرح العديد من الاسئلة حول اسعار هذه الكميات.. ومن له الافضلية في الشراء، هل هي الدول الصناعية ام الدول الافريقية؟ ام الهند، ام الصين، من كل ذلك يصعب التكهن بالسيناريو المتوقع لحال السوق في ظل وقوع ازمة امدادات مقبلة، في ظل النقص الحاصل في الطاقة التكريرية المتفاقمة في السوق». وهناك اتفاق نادر من نوعه بين المستهلكين وأغلب المنتجين على أن الاسعار الراهنة تشكل خطرا على الجميع اذ انها تقترب من ذروتها بحساب فروق التضخم البالغة 80 دولارا للبرميل التي بلغتها في عام 1980 العام التالي لقيام الثورة الاسلامية في ايران. ويشعر المستهلكون بالقلق من أن يلحق بهم ضرر اقتصادي في حين يخشى المنتجون من انهيار الاسعار.

وقال وزير النفط القطري عبد الله العطية قبيل المحادثات ان هناك وضعا يشبه بدرجة كبيرة هدنة مسلحة ويحرص أغلب اطراف الجانبين على وضع نهاية لذلك بأقل الخسائر والتكاليف. واضاف أن المستهلكين قلقون بشأن الامدادات في حين يتساءل أصحاب الاحتياطيات النفطية الكبيرة متى ستنحسر الموجة ومدى الاضرار التي ستحدثها الاسعار المرتفعة.

وسيحضر وزراء من 65 دولة منها الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم وأعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) منتدى الطاقة العالمي في الدوحة الذي يستمر من 22 الى 24 ابريل (نيسان) الحالي. وسيحضره كذلك مسؤولون بارزون من 32 شركة نفط كبيرة منها شيفرون واكسون موبيل ورويال داتش شل وارامكو.

وسينتهز وزراء أوبك الفرصة لاجراء مناقشات غير رسمية يوم 24 ابريل لكن مع ضخ المنظمة النفط بالفعل بما يقرب من طاقتها القصوى لا يبدو ان بمقدورها عمل شيء لخفض الاسعار.

وعقد أول اجتماع لمنتدى الطاقة العالمي في باريس بعد حرب الخليج بين عامي 1990 و1991 عندما ارتفعت أسعار النفط لفترة وجيزة الى 40 دولارا للبرميل قبل ان تعود للانخفاض عن مستوى 20 دولارا. وعقد المنتدى أحدث اجتماعاته في مايو (ايار) 1994 عندما كان المستوردون يشكون من ارتفاع سعر النفط الى 40 دولارا للبرميل وكان الكثيرون يعتقدون ان بلوغه 50 دولارا سيوقف نمو الاقتصاد العالمي.

وتشير رويترز الى انه لا يتوقع ان ينهي اجتماع المنتدى هذه المرة ارتفاع الاسعار المستمر منذ أربع سنوات والذي اثاره الطلب القوي من الولايات المتحدة واسيا وضعف الاستثمارات في البنية الاساسية لقطاع الطاقة في العقد الماضي.

وزاد من ارتفاع الاسعار نقص طاقة المصافي العالمية التي تنتج الوقود ويتعين أن تفي بمعايير بيئية معينة وانخفاض الامدادات من نيجيريا والعراق وفنزويلا.

وقال ديفيد جيه. اوريي الرئيس التنفيذي لشيفرون قبيل اجتماع الدوحة «أمن الطاقة أصبح من أهم القضايا التي تواجه العالم اليوم». وأضاف «مع توقع نمو عدد سكان العالم بمقدار 1.5 مليار نسمة على مدى 20 عاما ونمو الطلب على الطاقة بأكثر من 40 بالمائة، في الفترة نفسها فان توفير امدادات طاقة يعتمد عليها وبسعر معقول أصبح من أكبر التحديات التي نواجهها كقطاع وكمجتمع دولي». وقال كلود ماندل رئيس وكالة الطاقة الذرية التي تقدم المشورة لست وعشرين دولة صناعية ان من القضايا التي ستبحث في الاجتماع أمن الطلب فيما يتعلق بالمخاوف من تغيير في سياسات الدول المستهلكة بما قد يحدث انخفاضا في استهلاك النفط ويهدد استثمارات في مجال انتاجه.

وقال ماندل لرويترز «نحن مستعدون لاظهار أن هذا لن يحدث وسنظل نحتاج الكثير من النفط من دول الشرق الاوسط وأوبك». وقال صندوق النقد الدولي اول من أمس الاربعاء ان النفط أصبح مصدر قلق متناميا على اقتصاد العالم ودعا الولايات المتحدة التي تستهلك أكثر من 40 في المائة من البنزين العالمي ونحو ربع النفط العالمي أن تدرس رفع ضريبة الوقود. وليس من المتوقع كذلك أن تحظى دعوة الصندوق للدول المنتجة للنفط مثل السعودية وروسيا بأن تزيل العقبات أمام الاستثمار استجابة في وقت قريب.

وقال الاكاديمي جون ميتشل «ليس هناك الية دولية سوى سوق النفط العالمية للتعامل مع اضطرابات أسعار النفط». واضاف أن أفضل حل هو الاتفاق على ترتيب لتعزيز التعاون بين الحكومات في أوقات الازمة. وقد يشمل ذلك السحب من المخزونات واستخدام الطاقة الفائضة وتخفيف معايير الوقود. وأبلغ رويترز «أعتقد أن الاسواق ستعمل في الاجلين المتوسط والطويل. المشكلة هي التعطل المؤقت الذي يمكن أن يحدث. الكل يفكر في ايران». وتابع «المسألة الاكثر الحاحا هي كيفية التعامل مع التعطيلات في الاجل القصير. وهو أمر يمكن أن تتناوله المحادثات بشكل قد يؤتي ثماره أكثر من وضع خطة للاجل الطويل».

وعلى ذات الصعيد ورغم النظرة المتفائلة التي عبر عنها صندوق النقد الدولي بشأن آفاق نمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي لا يمكن تجاهل تحذيره الضمني من التداعيات المحتملة لاستمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية على آفاق هذا الاقتصاد.

فبعد شهور قليلة من الهدوء النسبي لاسواق النفط العالمية بعد الطفرة التي شهدتها أثناء كارثة الاعصار كاترينا التي ضربت الولايات الأميركية الجنوبية في أواخر آب (أغسطس) الماضي عادت أسعار النفط العالمية للانفلات مرة أخرى بسبب التعقيدات السياسية التي تحيط بالملف النووي الايراني والمشكلات التي يتعرض لها قطاع النفط في نيجيريا. وكان صندوق النقد الدولي تنبأ اول من أمس الاربعاء بنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي بنسبة 4.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي رغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي مثل ارتفاع أسعار النفط.