المدير العام لصندوق «أوبك» للتنمية الاجتماعية: الصورة عن الدول النفطية مشوهة ونسعى لتعزيز المساعدات الإنسانية للدول الفقيرة

سليمان الحربش لـ الشرق الاوسط : أكثر من 8 مليارا ت دولار قيمة التمويلات لـ 120 بلدا

TT

تستقطب منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) اهتماماً عالمياً واسعاً، وتحظى اجتماعاتها بمتابعة دقيقة من اهل السياسة والاقتصاد والإعلام، لما يمثله النفط من موقع في خريطة الاقتصاد العالمي، ومما تمثله أسعاره من تأثير في مسارات النمو والتقدم الإنتاجي بمجمل قطاعاته.

وربما من غير المنصف، ان تكون الدول النفطية متهمة غالباً بأنها تتحكم في عصب الاقتصادات الدولية. ويزداد الاتهام وحده مع كل ارتفاع تسجله أسعار النفط فيما تترك تواجه مشاكلها وحدها عند تسجيل انخفاضات دراماتيكية كالتي حصلت في التسعينات مع بلوغ سعر برميل النفط مستوى 9 دولارات.

ويقع في هذا السياق، الإهمال الإعلامي وغير الإعلامي الذي يواجه مبادرات «أوبك» في تجيير جزء من ايراداتها النفطية لمعاونة الدول الأشد فقراً والدول النامية، سواء مباشرة او من خلال صناديق تنشئها الدول المصدرة افرادياً كالصناديق السعودية والكويتية، او تتشارك في انشائها وتمويلها والتي يتقدمها صندوق «أوبك» للتنمية الدولية الذي مضى على انطلاقته 30 عاماً ضخ خلالها نحو 8 مليارات دولار على شكل قروض ومنح في 120 دولة يراوح توصيفها بين الفقيرة والنامية.

ويقول المدير العام للصندوق سليمان الحربش (سعودي الجنسية) في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» اثناء وجوده في بيروت لمتابعة مشاريع تنموية جديدة والنظر في امكان المساهمة بتمويلها: «يظن الكثيرون أن منظمة «أوبك» هي منظمة احتكارية تكونت لاستغلال المستهلكين وهذا ليس صحيحاً، بل انها تهدف منذ نشأتها لاستقرار السوق، وتأمين الامدادات للدول المستهلكة، ومحاولة ايجاد عائد مجز للصناعة البترولية التي يستفيد منها المستهلكون اكثر من المنتجين. ولكن لأن العالم لا يعرف ذلك عنها تظل صورة «أوبك» مشوهة، وهناك من يعمد الى تشويه الرسالة السامية التي تقوم بها «أوبك» خصوصاً عندما يكون الهدف هو النيل من بعض الدول الاعضاء. اما الصندوق فهو يعاني من مشكلة اعلامية. فرغم جهوده خلال العقود الماضية، لا يزال يعيش في الظل. من هنا فان الحملة الإعلامية التي يعتزم الصندوق تبنيها لن تكون تقليدية ولن تلتزم بإطار زمني محدد».

وحول فلسفة انشاء صندوق «أوبك» ونشاطه يقول الحربش: «الصندوق مؤسسة تنموية يستثنى من خدماتها دول «أوبك» التي تمده بالتمويل ويقدم نشاطه عن طريق ثلاثة اشكال، اولها التسهيلات التي تمنح للقطاع العام الذي يستأثر بالنشاط الأكبر من اعمال الصندوق، وهو يصرف للبنى التحتية والاساسية مثل بناء المستشفيات والمدارس والطرق والسدود والمشاريع الكهربائية والصحية، وهنا نقدم قروضاً ميسرة مدتها 20 سنة مع خمس سنوات فترة سماح، وثانيها قروض القطاع الخاص الميسرة، أما الشكل الثالث فهو المنح وهي تشمل قضايا عالمية مثال مكافحة مرض الإيدز وقضايا وطنية مثال مساعدة الأسر المتضررة من الاحتلال في فلسطين، حيث بلغت منح الصندوق للشعب الفلسطيني ما يزيد على 150 منحة تتم كلها عن طريق المنظمات الدولية المعترف بها. وهناك ايضاً منح تقدم تحت اسم المعونة الفنية وكذلك حساب الكوارث الطبيعية الذي قرر المجلس الوزاري تأسيسه كردة فعل طبيعية على التزايد الملحوظ لهذه الكوارث التي تخلف وراءها مآسي انسانية وتعرقل عجلة التنمية. وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن لنشاط الصندوق ان يشمل فيها الدول الاعضاء. ولو عدنا الى قروض القطاع العام فهي تقدم بشروط ميسرة جداً، اضافة الى انها تتضمن ما نسبته 35 الى 40 في المائة من قيمة القرض الميسر كمنحة للدول الفقيرة، وهي الفرق بين تكاليف قرض الصندوق والسعر التجاري السائد في السوق».

وعن الآلية المتبعة لاقرار تمويل مشروع تنموي، يقول: «يتبنى الصندوق ما يسمى دورة المشروع ابتداء من اللحظة التي تصل الينا رغبة دول ما او مؤسسة تمويلية في مشاركة صندوق «أوبك». ويخضع الاقتراح المقدم لدراسة على يد فريق عمل قبل عرضه على مجلس المحافظين في صيغته النهائية. ويقوم الصندوق بتكليف احد المتخصصين لديه للتنسيق مع الدولة المعنية التي سينفذ فيها المشروع. اضافة الى انه يعاد النظر في بعض المؤشرات الواردة في المشروع في ضوء التعليمات التي قد تصدر من المجلس، وعندما يتم اقرار المشروع يتم الاتصال بالدولة المعنية ويأتي الوزير المسؤول لتوقيع الاتفاقية ثم ترسل الى الدولة للمصادقة عليها. وحينئذ يبدأ الصرف على المشروع، وتبدأ الرقابة على الصرف للمشروع.

وهكذا فدراسات الجدوى وتقويم المشروع ومتابعته قبل التنفيذ وبعده تهدف الى التحقق من صدقية المشروع ومطابقته للمقاييس والمعايير الدولية. ولحماية حقوقه المالية فان الصندوق يرفض إقراض اي دولة في حالتين، أولاهما عندما تتأخر الدولة في الدفع لأسباب لا يجدها الصندوق مبررة او مقنعة، وثانيتهما اذا كانت في البلد قلاقل سياسية وحروب اهلية تحول دون اداء المهمة المطلوبة».

وعن حجم الموارد والتمويل والقطاعات التي يشملها يقول الحربش: «قاربت التزامات الصندوق 8 مليارات دولار حتى نهاية العام الماضي لصالح مشاريع يبلغ حجم أعمالها الإجمالي نحو 80 مليار دولار. وقد حصل قطاع البنى التحتية على الحصة الكبرى من قروضنا للقطاع العام (27%)، تلته مشاريع توليد الطاقة (18 في المائة)، والزراعة (15 في المائة)، والتربية (12 في المائة)، والمياه والصرف الصحي (8 في المائة) والصحة (7 في المائة)، اضافة الى دعم مصارف التنمية الوطنية والصناعة والاتصالات.

أما موارد الصندوق فتتكون من مساهمات طوعية قدمتها الدول الاعضاء في «أوبك»، ومن الاحتياطات التراكمية لعملياته. وقد بلغت تعهدات الدول الاعضاء لموارده نحو 3.5 مليارات دولار. ويتجاوز الحساب الاحتياطي للصندوق حالياً 2.2 مليار دولار».

وهل موارد الصندوق كافية للاستجابة للطلب؟ يجيب الحربش ان «الطلب على موارد الصندوق متزايد، ويفوق الموجود، وهذا يعكس ضخامة المشاكل وحدة الفقر. نحن نخدم 120 دولة نامية، ويبدو ان تحقيق اهداف التنمية للألفية يتعذر بما هو موجود. لذا طلبنا الى الوزراء في الخطة العشرية العمل على استقطاب موارد جديدة، وحصلنا على تفويض بالبحث عن مصادر تمويل، حتى عن طريق الاقتراض من الأسواق المالية، خاصة لتمويل مشاريع القطاع الخاص في الدول النامية».

ويضيف «استفاد من مساعدات الصندوق المالية خلال 30 سنة 120 بلداً. ومعظم عملياته تغطي قروضاً طويلة الاجل لتمويل مشاريع البنية الأساسية في البلدان النامية، ولدعم ميزان المدفوعات في الدول الفقيرة. وقد التزم الصندوق حتى نهاية عام 2005 بأكثر من 1130 قرضاً لمشاريع وبرامج بنى تحتية وعمليات دعم موازين المدفوعات، تجاوزت قيمتها ستة مليارات دولار. كما قدم اكثر من 766 منحة في مجالات المساعدة الفنية والطوارئ والأبحاث والتغذية والبرامج الخاصة بلغت قيمتها نحو 350 مليون دولار.

وساهم الأعضاء من خلال صندوق «أوبك» بنحو 800 مليون دولار في موارد الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد)، الذي أنشئ عام 1977 لدعم المزارعين في افقر دول العالم وتوفير التمويل للتنمية الريفية. كما التزم بنحو 3996 مليون دولار في برامج تمويل ومشاركة مع القطاع الخاص. وقد تمكن من تحقيق هذه النتائج، رغم عدم زيادة مساهمة الدول الأعضاء، عن طريق إدارة موارده الأساسية في الأسواق المالية وتجديدها مع بدء استعادة مبالغ القروض».

وعن التنسيق بين صناديق التنمية المختلفة، خاصة تلك العاملة ضمن الدول الأعضاء في منطقة الخليج، يشير الحربش الى اجتماع دعا اليه صندوق اوبك في مايو (أيار) المقبل مع رؤساء الصناديق والمؤسسات التمويلية في المنطقة، بما فيها صناديق التنمية في السعودية والكويت وأبو ظبي، والصندوق العربي للتنمية وصندوق التنمية الإسلامي وصندوق النقد العربي وبرنامج الخليج(أغفند). وأكد أن «صندوق أوبك يسعى دائماً الى التنسيق بين المؤسسات المشابهة للخروج باستراتيجية موحدة والوصول الى خطط متكاملة تمنع التكرار والتضارب».

وعن استثمارات الصندوق في مؤسسات القطاع الخاص يقول الحربش: «فتحنا نافذة الاستثمار مع القطاع الخاص قبل 7 سنوات، وخصصنا لذلك مبلغ 500 مليون دولار، وذلك لا يخرج عن أهدافنا الأساسية كون القطاع الخاص يساهم بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وآلية العمل معه أسرع حين يتطلب الأمر ذلك. لكن نشاطنا في هذا المضمار مشروط بتوقيع اتفاقية حماية الاستثمار من قبل الدولة التي تتخذها المؤسسة الخاصة مقراً رئيسياً لعملها. وقد نجحنا حتى الآن في عقد اتفاقيات مع 60 دولة. وهدفنا الوصول الى 90 دولة».

وهل يتناسب دور الصندوق مع الحاجات الفعلية في الدول الفقيرة؟ يختم الحربش: «إن الطموح لمزيد من الإنجازات لا يحد لمن يعرف الحجم الحقيقي لمشاكل الفقر والمرض وتحديات التنمية. كلما جلست الى مائدة الطعام لا أستطيع إلا أن أتذكر مئات ملايين الجياع. أكثر من مليار إنسان يحصل على اقل من دولار واحد يومياً. المواطن في بوركينا فاسو مثلاً يحصل على عشر المعدل العالمي من المياه، ويعتمد بنسبة 80 في المائة من احتياجات الطاقة على الحطب وروث الحيوانات المجفف. تذكرت حين زرت قرى في بوركينا فاسو أن سكان معظم الدول النفطية في منطقة الخليج اعتمدوا على روث الحيوانات، الذي نسميه الجلة، كمصدر للطاقة قبل اكتشاف النفط، وقلت لنفسي: أحسن كما أحسن الله إليك، وهذا ما تفعله دولنا. حاجات التنمية في الدول الفقيرة هائلة، والصندوق يقوم بدور كبير في التصدي لها، بالتعاون مع صناديق التنمية الأخرى والمنظمات الدولية، وإذا أضفنا ما قدمه صندوق «أوبك» الى ما تم استقطابه للمشاريع التي ساهم فيها من مصادر تمويل أخرى، يصل مجموع الأعمال مع الشركاء الى 80 مليار دولار. وما أتمناه هو توسيع أعمال الصندوق واستمراره في دعم البنية الأساسية والتنمية الريفية والتعليم، وفتح نافذة اكبر لدعم البحث العلمي الذي يخدم التنمية».