نحو سوق مالية منتظمة

TT

التوجيه الكريم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، في جلسة مجلس الوزراء الاثنين الماضي (الموافق 26 ربيع الأول 1427هـ) بالعمل على انتظام سوق الأسهم السعودي، هذا التوجيه فيه تأكيد واضح من القيادة السعودية على الاهتمام بإصلاح أوضاع سوق الأسهم، وحل مختلف مشاكله. لكن السؤال هو: ما الذي يعترض ذلك؟

وحقيقة الأمر، فإن أبرز مشكلة، بل (أبرز تحدٍ) يواجه تنظيم سوق الأسهم السعودي هو «تسرب المعلومات الداخلية». مع أنه من المتعارف عليه علمياً، أنه لا يمكن القول بوجود سوق مالية منتظمة وفاعلةEfficient Market لدعم الاقتصاد المحلي، في ظل وجود تعاملات بالاستفادة من المعلومات الداخلية! فهل شُرع بجدية في حل المشكلة؟! وهل بدئ (أصلاً) في تعريف رسمي واضح للمعلومات الداخلية، التي يجب ألا تتسرب للغير؟!..ثم، من هم الأشخاص الداخليون!؟ وهل يجوز للشخص الداخلي الاستفادة من المعلومات الداخلية للاستثمار باسمه أو باسم شخص آخر لمصلحته أو لحسابه (بطريق مباشر أو غير مباشر)؟ وبعبارة أخرى أكثر مباشرة: هل لدينا قناعة بأن في سوقنا المالية من يكسب بالاستفادة من المعلومات الداخلية!؟.. الإجابة للأسف الشديد (نعم). فعلى سبيل المثال: موظف في شركة مساهمة أو موظف في هيئة سوق المال أو وزارة التجارة، أو أي جهة رسمية أو مؤسسة إعلامية، هل يعتبر من الأشخاص الداخليين (أم لا؟). أليس منتهى الغبن أن تبيع أسهمك قبل إعلان خبر يرفع سعرها، ليستفيد منه شخص آخر اشترى لأنه يعلم مسبقاً من داخل الشركة أو من جهة رسمية، بأن هذا السهم له خبر سيرفع سعره! هذه الحالة مشابهة للشراء بتلقي الركبان وفيه بخس للناس أشياءهم (الذي يحرمه الإسلام). والسؤال الأهم هنا: لماذا لم نسمع عن حالات لعقوبات صدرت ضد مستثمرين أو مضاربين مستفيدين من معلومات داخلية؟.. وما هو عليه الحال بالدول المتقدمة، أم أننا نعتقد بأننا في المدينة الفاضلة، والناس كلهم ورعون ويعتبرون هذه التعاملات ممقوتة وجريمة في حق المجتمع، (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؟!).

والواقع أن المشكلة مستفحلة وحلها ممكن (لكنه بحاجة لجهود لتطبيقه). وبهذا الخصوص لعلي أذكر بأن متطلبات حل المشكلة معروفة، ومشار إليها منذ زمن طويل بقرار اللجنة الوزارية في اجتماعها المنعقد بتاريخ 17/9/ 1417 هـ الصادرة بموجب تعميم معالي وزير التجارة برقم 222/221/9/ 3340 وتاريخ 8/11/ 1417هـ وهي اللجنة المشكلة بناءً على المرسوم الملكي الكريم رقم 1230/8 وتاريخ 21/7/1403هـ.. ففي قرار اللجنة الوزارية المشار إليه، تم تحديد أهم القواعد المنظمة لتداول الأسهم في السوق السعودية، هذا التعميم لو أعيدت كتابته وطُبق لكان أكثر فاعلية لتنظيم سوق الأسهم.. لكن كل هذه السنين الطويلة مرت، ونحن لا نزال بانتظار آلية تحمي المتعاملين بسوق الأسهم السعودي وحماية مصالح الناس.. وكأننا لا نرى للمشكلة من حل! ختاماً.. فإن في هذا التوجيه الملكي الكريم، مؤشر وحافز لجلب المستثمرين الأجانب، لما فيه من تأكيد على أن الحكومة السعودية، تعمل على حماية مصالح المتعاملين في أسواقها.

* محلل مالي