اقتصاد الخليج أصلب من تذبذبات الأسواق

حسين العويد

TT

اعطى طغيان الانشغال بالمضاربة على الاسهم والعقارات، انطباعا لدى العديد من المستثمرين، بأن هذين القطاعين يشكلان «الباروميتر» لقياس مدى العافية التي تتمتع بها اقتصادات المنطقة، وتحسن او ضعف مناخ الاستثمار. ومع اننا لا نختلف على اهمية هذين القطاعين، كمؤشرين مهمين في قراءة الاوضاع الاقتصادية، الا ان اقتصاد الخليج وموارده اكبر واعظم من ان يكونا رهينة لعمليات مضاربة قصيرة النظر لا ترى من الاقتصاد الا الربح السريع العابر، ولا ترى من الكأس الا النصف الفارغ. ان اغفال بعض المؤشرات الاساسية الايجابية في اقتصادات المنطقة، هو الذي يبقي على حالة الهلع والتذبذب التي تعيشها الاسواق في المنطقة، وتجعل هذه الاسواق غير قادرة على تجاوز الكبوة التي مرت بها منذ بداية العام الحالي. فالمستثمر المتعجل، الذي يريد ربحا سريعا او تعويض خسارة دفترية، هو الذي يتحكم في الواقع بحركة الاسواق، من خلال اصراره على اقتناص أي فرصة مهما كانت ضئيلة ومحدودة لجني الارباح، حتى لو كان ثمن ذلك اهتزاز الثقة والمراوحة في النفق المظلم. واللوم هنا لا يقع على المستثمر، الذي نتفهم دوافعه ومبرراته، بل في عدم وجود آليات توعية لربط المستثمرين بالصورة الاقتصادية العامة وحصرهم في نطاق ما يدور في قاعات التداول. ومن ابرز ما يجب التأكيد عليه عند محاولة اخراج المستثمرين من هذه الدائرة الضيقة، التأكيد على عوامل الاستقرار التي تعيشها اقتصادات المنطقة، بما في ذلك حالة الاستقرار السياسي، على المستويين المحلي والاقليمي. فقد اثبتت المنطقة، رغم ما تعرضت له من رياح عاصفة، انها كانت قادرة على هضم وتجاوز الخضات السياسية والخروج منها اكثر قوة وتماسكا عما كانت عليه. وما ينطبق على الاستقرار السياسي يطال ايضا المجال الاقتصادي، الذي يبدو هو الآخر في افضل حالات الاستقرار. فأسعار النفط تتحرك ضمن وتيرة تتناسب مع حركة النمو في الاقتصادات العالمية، وبالتالي فلا مخاوف من حدوث أي انتكاسة في الموارد النفطية، ما دامت الاوضاع الاقتصادية العالمية تتحرك باتجاه نمو متصاعد، وما دام الطلب لا يزال كبيرا على الطاقة.

ومن الامور الاخرى ايضا التحول الكبير في البنية التشريعية والتنظيمية لاقتصادات المنطقة، التي تجعل اقتصاداتها اكثر انفتاحا واكثر ارتباطا بالاقتصاد العالمي، فضلا عما يوجده هذا الوضع من حوافز استثمارية كبيرة تجذب الاستثمارات الاجنبية، لا كاستثمارات ساخنة، بل كمشروعات استراتيجية طويلة الامد. ولعلنا نذكر في هذا المجال، العديد من المبادرات الاستثمارية في مجال الخدمات التعليمية والصحية، التي كانت ثمرة لهذا التحول التنظيمي والتشريعي، حيث تم الارتباط بالعديد من المشروعات المشتركة التي فتحت الباب امام جامعات عريقة ومستشفيات متخصصة عالمية لافتتاح مقار لها في دول المنطقة. والامر الثالث الذي يتعين الاشارة اليه عند رسم الصورة الكلية لاقتصاد المنطقة، هو ان هناك توجها حقيقيا لربط اقتصادات الخليج، لا عبر آليات تعاون بيروقراطية وتنظيمية، بل عبر مبادرات سمحت بزيادة التدفقات الرأسمالية بين دول المجلس وزيادة حركة الاستثمار البينية في اسواقها المالية. ومن شأن هذا الترابط في الاسواق الخليجية ان يعطي المستثمرين المقيمين وغير المقيمين خيارات استثمارية جذابة وواسعة وطويلة المدى. أما الامر الرابع الذي يتعين الانتباه اليه عند تناول الوضع الاقتصادي في المنطقة، فهو ان جملة ما ستقبل عليه المنطقة من تطورات على المديين المتوسط والطويل، ستؤدي الى زيادة الطلب على الخدمات بكافة صورها، مما يعني ان النمو لن يكون قاصرا على قطاعات محددة، بل سيكون نموا شاملا لكل المجالات. وهنا لا بد من الاشارة الى ان التحسن في مختلف القطاعات سيعني زيادة الطلب على خدمات التمويل وعلى الخدمات المالية بشكل عام، مما يعني ان الوعي الاستثماري في المنطقة سيتحسن نتيجة استقطاب المنطقة للعديد من الخبراء الماليين، فضلا عن تطوير مهارات وخبرات العاملين حاليا في المؤسسات المالية المختلفة. ان النظر الى اقتصاد المنطقة بهذا الشمول، هو الاساس الذي تبنى عليه أي تطمينات للمستثمرين، الذين يربطون حياتهم اليومية حاليا بالعجلة التي تدير أسواق المال.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور كابيتل الإماراتية