حديث الفقاعة وفوبيا التنمية

حسين العويد *

TT

تثير ضخامة وعدد المشروعات التنموية والخدمية التي تنفذها دول المنطقة، مخاوف لدى البعض، من اننا لن نكون قادرين على هضم النتائج والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لما يصفونه (بالتوسع غير المنضبط لتك المشروعات). والواقع ان تلك المخاوف ليست جديدة، فمن يذكر الطفرة النفطية في السبعينات، يجد في الادبيات الاقتصادية والاعلامية لتلك الفترة، تعبيرات عديدة من التحذير والتنبيه، لما كان يعتقد بأنه ارتهان لوتيرة تنمية ليست دول المنطقة قادرة على ادارتها او الوفاء بمتطلباتها. ولعل حديث (الفقاعة) الذي يتردد هذه الايام هو رجع صدى لحديث مماثل كان يردده البعض في السبعينات والثمانيات مع كل مبادرة تنموية وكل مشروع جديد. ومع الاحترام للنوايا الحسنة لمن يتخوف من قطار التنمية السريع، فاننا نجد ان هذا التخوف هو اقرب الى (الفوبيا) التي ليس لها مبررا في الواقع. فالمنطقة اليوم ليست هي نفس ما كانت عليه قبل عقدين او ثلاثة عقود من الزمن. فقد تراكمت لديها ثروات وامكانيات بشرية ومادية تؤهلها لبناء مؤسسات ومشروعات لا تنافس على السوق المحلي بل على حصة من الاسواق الدولية. وما يبدو لدى البعض ازدواجية واستنساخا في المشاريع هو في حقيقته نوع من التأهيل لمثل تلك المنافسة. فعلى سبيل المثال فأن التوسع في صناعة الالمنيوم او الحديد والاسمنت او البتروكيماويات في المنطقة لا ينظر اليه باعتباره تكرارا لمشروعات او منافسة بين دول المنطقة. فرؤية هذه الدول لم تعد محصورة بالاسواق المحلية الضيقة بل تتطلع بثقة نحو الاسواق العالمية خاصة تسويق منتجات تملك فيها مزايا نسبية مثل البتروكيماويات المعتمد على النفط والغاز كمادة خام او الالمنيوم الذي يتطلب توفر طاقة رخيصة. والامر الثاني ان دول المنطقة التي كانت تلعب في الماضي القريب دور المستهلك النهائي اصبحت مؤهلة لكي تلعب دور الوسيط مستفيدة من امكانياتها المالية الهائلة ومن موقعها المتوسط بين الاسواق العالمية. وهذا الدور بابعاده المختلفة، يتطلب نقلة واسعة في حجم الخدمات المقدمة لتلك الاسواق. فالبنية التحتية التي تم تصميمها في عقد السبعينات والثمانينات هي البنية التي كانت تحتاجها المجتمعات المحلية او في اقصى تقدير المجتمعات على مستوى الاقليم. اما اليوم فأن نظرة دول المنطقة تتجه الى الاسواق العالمية التي تملك فيها مزايا نسبية مثل السوق الاسيوية الواعدة والسوق الاوروبية الباحثة عن قاعدة مؤهلة للانطلاق منها لتصريف وترويج منتجاتها في آسيا وأفريقيا. والامر الثالث هو في انفتاح الاسواق وانهيار الحدود التشريعية والحمائية التي كانت الدول تحمي بها اقتصاداتها وتتمترس وراءها في مواجهة منافسيها. وهذا الانفتاح يتطلب مجاراة الآخرين من حيث الحجم والدور، والا تحولت الى لقمة سائغة لجحافل القادمين من كل فج عميق للبحث عن فرص استثمار او للانقضاض على الاسواق. واذا اخذنا بعين الاعتبار الجدول الزمني الموضوع لاتمام تطبيق اتفاقية التجارة العالمية فأن الطفرة الحالية في المشروعات التي تنفذها دول المنطقة على كل صعيد تجيء في الوقت الضائع كما يقولون لان أي تأخير كان سيجعل هذه الدول في ميدان منافسة لم تكن قد استعدت له. واذا كانت دول المنطقة تعمل على جعل مؤسساتها الخدمية ومشروعاتها الانتاجية، دولية في توجهاتها واهدافها، فأن ما يتبقى امامها بعد ان قطعت شوطا على هذا الصعيد، هو زيادة الاهتمام بالعنصر البشري المحلي ليغدو هو الآخر قادرا على العمل برؤية اوسع من المحيط الذي يعيش فيه. وهذا الاهتمام لا يجب ان يأخذ شكل امتيازات للجنسية التي تحملها تلك الكوادر بل حوافز لدفعه الى النجاح في حلبة المنافسة التي بدت تتسع لتشمل اجناسا واعراقا مختلفة معيارها الوحيد في الفوز هو التميز في الاداء.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية