ميزانياتنا الشخصية.. متى تتعادل؟

سـعود الأحمد

TT

بداية... علينا أن نتذكر أن التعامل بالسوق المالية أساسه الاكتتاب بالسوق الأولية، وأن المواطن يدفع قيم الاكتتاب من مدخراته ووفوراته، وأن مالك السهم يبيعه ربما لحاجته للسيولة أو لوجود فرصة أخرى بديلة، وبالتالي وجدت السوق الثانوية. وبذلك فإن الوضع الطبيعي أن مصدر السيولة المتداولة في سوق الأسهم هو من تراكم وفورات الأفراد. وأنه كلما زاد الوعي الاستهلاكي كان ذلك في صالح مؤشر سوق الأسهم. لكن الجهود شبه منصبة على نشر الوعي الاستثماري، في حين المجتمع السعودي بأمس الحاجة لنشر الوعي الاستهلاكي.

كما أن مهمة نشر الوعي هي بالتأكيد من أولى مهام وسائل الإعلام وبالأخص الصحافة، بل إن تأثير وسائل الإعلام في هذا المجال أكثر تأثرا من الجهات التنفيذية وساسة الاقتصاد. علينا أن نوعي العامة بأهمية التعود على بناء مفهوم ميزانية الأسرة، وأن على كل رب أسرة أن يقابل دخله بمصروفاته لتكون في حدود ذلك (وكما يقال: مد رجلك على قد لحافك)، لأن تأثير وسائل الإعلام في هذا المجال أبلغ من تأثير الجهات الرسمية. ومن هنا فإن وسائل الإعلام (وبالأخص الصحافة) مدعوة لتحمل هذه المسؤولية. ولتوضح للعامة ما هي الخطوات التي تحققت في هذا المجال، أو نعترف بأننا لم نقدم ما يجب ونشخص الأسباب والمعوقات، حتى يتسنى العودة لترتيب الأوراق ومعالجة الأخطاء. المهم أن نحدد موقفنا من هذه الرسالة. فطبقا للمفهوم المحاسبي، يتم حساب الميزانية بمقارنة إجمالي الإيرادات مع إجمالي المصروفات، لكن هذه المعادلة تختلف عند أهل الاقتصاد، حيث يرى الاقتصاديون أن المصروفات الضمنية يجب أن تدخل في حسابات التكلفة، وربما لديهم شيء من الحقيقة في ذلك.

فلو افترضنا أن معلما دخله الشهري الاجمالي يقارب اثني عشر ألف ريال، ويكاد يصرفه بأكمله مع نهاية كل شهر، صاحبنا هذا يملك السكن وبعض السيارات للاستخدام الشخصي، ولأنه لا يحسب استهلاكا على هذه الأصول، فإنه يعتقد أن ميزانيته بهذا تكون متوازنة. لكن الذي ينبغي ألا يغيب عن الذهن، أنه طبقا للمفهوم الاقتصادي، فإنه يجب على صاحبنا أن يعيد حساب موازنته، كونه يستخدم سكنا وسيارات وإن كان يملكها.

فطبقا لهذا المفهوم فإن على صاحبنا أن يضيف إلى مصروفاته ما يعادل إيجار سكنه وسياراته، بحيث إذا افترضنا أنه يسكن منزلا تبلغ قيمته ثمانمائة ألف ريال وأن إيجاره يقارب ستين ألفا، فإن عليه أن يضيف لمصروفاته الشهرية خمسة آلاف ريال، وإن كان يملك هذا السكن، لأنه يستطيع أن يبيع هذا السكن ويستثمر قيمته ويستأجر سكنا عوضا عنه. وأهم ما في هذا الأمر أننا نحتاج إلى أن نرسخ في الأذهان ثقافة حساب ميزانية الأسرة، وألا نغفل المفهوم الاقتصادي، الذي يأخذ بالاعتبار حساب تكلفة استخدام جميع الأصول والموارد وليس فقط قيمة استهلاكها (كما هو المفهوم المحاسبي). فبعد هذه الموجة العارمة من التغيرات في عاداتنا وسلوكياتنا، جراء تأثرنا بالأحداث التي مرت بها المنطقة وجراء تقارب الحضارات والشعوب، بفعل التقريب الذي سببته وسائل الإعلام المختلفة، وأهمها الصحف والقنوات الفضائية، فإن من المهم عند أي عملية شراء أن نحدد هدفنا من هذه العملية واضعين نصب أعيننا أن الهدف في الأخير هو تحقيق السعادة، وأن السعادة التي ننشدها جميعا ليست بشراء ما هو غالي الثمن وتحمل الالتزامات المالية أو الضغط على ميزانية الأسرة من أجل بعض المشتريات، وبالأخص إذا كانت كمالية أو أساسية ولها بدائل أخرى. علينا أن نربط قرار الشراء بالمنفعة من السلعة المراد شراؤها، وأن ننظر للبدائل الأخرى المتاحة بشيء من الحكمة والموضوعية. وختاما فإن فترات الرخاء لا تدوم، وإن النملة وهي من أصغر وأضعف المخلوقات تدخر من يسرها لعسرها.

* محلل مالي سعودي [email protected]