العملة الخليجية بين الهواجس السياسية والاعتبارات الفنية

حسين العويد

TT

بالمعايير الفنية المالية منها والاقتصادية فأن الفترة التي تفصل دول مجلس التعاون عن استحقاق إصدار عملة خليجية مشتركة في الأول من يناير (كانون الثاني) عام 2010، تعد مدة قصيرة، بل ان دول المجلس قد تجد إذا استمرت وتيرة العمل لإتمام الوحدة النقدية على الحال التي هي عليه الآن، نفسها في سباق مع الزمن للوفاء بذلك الاستحقاق في موعده ووفق الجدول الزمني الموضوع. وبالرغم من المعلومات القليلة التي رشحت عن الاجتماع الأخير الذي عقده محافظو المصارف المركزية الخليجية في ابوظبي يوم الاثنين الماضي بشأن ما تم انجازه حتى الآن من خطوات على صعيد إصدار العملة الموحدة، فأن الدلائل تشير إلى أن الصعوبات التي قد تعترض دول المجلس في الوصول الى العملة الموحدة لن تكون فنية، وإنما تتصل بتوفر الإرادة السياسية لترجمة ما يتفق عليه محافظو مؤسسات النقد الخليجية إلى واقع على الأرض. ولعل تصريحا ت المسؤولين الخليجيين حول استفادتهم من تجربة الوحدة النقدية الاوروبية ما يشير الى ان دول المجلس لا يعوزها النموذج الفني الذي يمكن الوصول اليه بقدر ما يعوزها التوافق السياسي على هذا النموذج. ولعل نذر الخلاف الذي قد يعيق مثل هذا التوافق قد لاحت في التنافس بين دولة الامارات والبحرين على استضافة مقر البنك المركزي الخليجي الذي ستصدر عنه العملة الموحدة. ومع اننا نأمل الا يستفحل هذا الخلاف لدرجة تعطيل جهود إصدار العملة الموحدة، الا أن الإشارة اليه هنا هو من قبيل التحذير من ان الاعتبارات الفنية هي آخر هموم العملة الموحدة وان هذه الاعتبارات تهون أمام اعتبارات السيادة التي كانت سببا في تعثر الاتحاد الجمركي الخليجي ومراوحته لأكثر من عقد كامل. وحسب ما يقوله خبراء المال والاقتصاد فأن الاقتصادات الخليجية في أفضل حالاتها لإصدار عملة موحدة. فهذه الدول تكونت لديها في السنوات الثلاث الماضية احتياطيات مالية معتبرة بعد عدة سنوات عجاف استنزفت فيه الاحتياطيات المالية الخليجية اما لسد عجز الميزانيات المتراكم ومواجهة عجز موازين المدفوعات أو للوفاء بمتطلبات عملية التنمية وبالخصوص مشروعات تحديث البنية التحتية وتوسيعها. ولم يكن تحسن العوائد النفطية هو العنصر الوحيد الذي ساهم في تعزيز الاحتياطيات المالية لدول مجلس التعاون. فإلى جانب ذلك حققت برامج الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها العديد من دول المجلس وفرا ماليا انعكس على أرقام الموازنات وعلى حجم الاحتياطيات.

وتكوين رصيد معتبر من الاحتياطيات يعني توفير قاعدة نقدية قوية للعملة الموحدة وبناء رصيد يسمح لدول المجلس بالدفاع عن عملتها الموحدة في حال تعرضت لأي ضغوط وتقلبات في أسعار الصرف.

واذا كان تحسن الاحتياطيات من ثمار برامج الإصلاح الاقتصادي في دول المجلس فأن هذه البرامج بحد ذاتها كانت عاملا مهما على صعيد تقليص عبء الإنفاق الحكومي وتحسين دور وأداء القطاع الخاص وهي أمور تعني أن الهوة التي كانت تفصل بين السياسات الاقتصادية والمالية الخليجية هي في انحسار مما اوجد حالة من التماثل في السياسات الاقتصادية وهو عنصر ضروري لثبات واستقرار العملة الموحدة. يضاف إلى ذلك التحسن الملحوظ في التجارة البينية والتدفقات الاستثمارية بين الدول الأعضاء وهو ما يوفر مناخا تزدهر فيه العملة الموحدة. خلاصة القول إن الاعتبارات الفنية المتصلة بالعملة الموحدة تكاد تكون في مجموعها اعتبارات ايجابية، مما يعني أن أي تعثر في إصدار العملة الخليجية خاصة مع الظروف الاقتصادية المواتية حاليا سيكون ناتجا عن خلافات على الشكل السياسي وهو أمر يتعين تجاوزه والقفز عليه تغليبا للمصلحة العليا لدول المجلس التي هي مكملة للمصالح الوطنية للدول الأعضاء.

*الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية