العقارات لا تعيش في جلباب الأسهم

TT

يرى البعض أن التوسع الكبير في الاستثمار العقاري في منطقة الخليج، يحمل في طياته نذر هبوط حاد يعقب الطفرة الحالية. وقد وصلت مخاوف البعض من درجة تفسير التماسك في الايجارات رغم العدد الكبير من المشاريع العقارية التي تم انجازها، الى وجود اتفاق بين الملاك على ابقاء الوحدات السكنية في تلك المشاريع بدون تأجير حتى يظل العرض اقل من الطلب، وتظل مستويات الايجار عند معدلاتها المرتفعة الحالية. وهذا التفسير «التآمري» لظاهرة ارتفاع الايجارات يفترض وجود تنسيق بين الملاك، وينفي عن قطاع العقارات طابعه التنافسي الذي يتسم به السوق. كما انه يفترض ان المستثمرين العقاريين لديهم نفس الظروف سواء من حيث امكانيات التمويل او من حيث اهداف الاستثمار. ومع الاعتراف ان هناك توسعا غير مسبوق في عدد ونوعية العقارات التي يجري تنفيذها في غير مدينة خليجية، فإن هذا الأمر يجب ألا يكون باعثا على التشاؤم حول ما ينتظر سوق العقارات في المدى المنظور لأكثر من سبب. اولا أن الطلب الحالي على المساكن ليس طلبا وهميا بدليل ان الايجارات الحالية لا تزال أعلى بكثير من المستويات التي اعتاد عليها الناس في المنطقة، وبالتالي فإن امكانية امتصاص ما يطرح من مشروعات عقارية جديدة هي امكانية عالية حتى لو اقتضى الأمر بعض التصحيح في الايجارات. ثانيا ان الطلب الحالي على المساكن لا ينبغي النظر اليه، كاستثمار بحد ذاته بمعزل عن المشاريع الانتاجية والخدمية ومشاريع البنية التحتية التي تنفذها حكومات المنطقة. فهناك مشروعات صناعية وتحويلية عديدة وهناك مشروعات لتطوير القطاعات الانتاجية التي تملك فيها دول المنطقة مزايا نسبية مثل الصناعات البترولية والبتروكيماوية المرتبطة بها. كما ان هناك مشروعات لتأهيل مناطق جديدة كانت مهمله أو بعيدة عن دائرة الاهتمام. يضاف الى ذلك ان المنطقة توفر فرصا جذابة للاستثمار الأجنبي كما توفر مناخا آمنا ومستقرا للمستثمرين، الذين لا ينظرون لمنطقة الخليج باعتبارها سوقا نهائية لاستثماراتهم، بل قاعدة انطلاق لأعمالهم في آسيا وافريقيا. وبالتالي فإن المطلوب لإدامة هذا المناخ الجذاب المحافظة على مستوى من الخدمات لانجاح اعمالهم واستثماراتهم. ولعل في اقبال المستثمرين الاجانب على شراء مساكن ومكاتب في بعض دول المنطقة ما يعزز طبيعة المنطقة واتجاهها نحو التحول الى مركز خدمات مالي وتجاري للمنطقة كلها. ان ما يطلقه البعض من تحذيرات بشأن الاستثمار في سوق العقارات الخليجي مرده الاحساس بأن العقارات «تعيش في جلباب الاسهم»، وأن التراجع الذي شهدته اسواق المال في هذا العام قد ينسحب على اسواق العقارات، خاصة أن قطاعي الأسهم والعقارات شهدا انتعاشا متزامنا وسجلا ارتفاعات كبيرة في فترات قياسية. ومع الاعتراف بوجود تأثير متبادل بين ما تمر به القطاعات الاقتصادية المختلفة من ظروف، فإن طبيعة الاستثمار العقاري مختلفة من حيث انه اكثر استقرارا وأكثر قابلية لاحتواء التقلبات التي تشهدها القطاعات الاخرى. فهذا النوع من الاستثمار طويل الأجل بطبيعته وقلما يشهد تراجعا عن المستويات التي يصلها وأقسى ما يمر به ان يشهد نوعا من الثبات والتباطؤ. وفي حالة اسواق الخليج التي لا تزال في المراحل الاولى من عملية تحول عميقة باتجاه اقتصاديات اكثر تنوعا وديناميكية، فإن القطاع العقاري لا يزال ضمن الحدود المطلوبة التي تحتاجها عملية التحول تلك. كما أن الاستثمار في هذا القطاع مرشح للاستمرار في اعطاء عائد يفوق ما تعطيه القطاعات الاخرى. فعائد الاستثمار العقاري يزيد حاليا عن 20 في المائة سنويا وهو عائد مجز، وسيظل كذلك حتى لو تراجع هذا المعدل الى النصف. واذا كان من عمل يمكن ان يطمئن المتشائمين من مستقبل هذا القطاع ويوقف الأجراس التي يقرعونها لإبطاء عجلة نموه، فهو في تطوير التشريعات المنظمة، وجعلها اكثر وضوحا وشفافية.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية