تقرير: الطفرة الاقتصادية في شرق آسيا تنتشل 25 مليون شخص من الفقر المدقع

يتوقع أن تصبح 9 من بين كل 10 دول في المنطقة بلدانا متوسطة الدخل بحلول عام 2010

TT

ساعدت معدلات النمو الاقتصادي القوية التي شهدتها منطقة شرق آسيا في الأشهر التسعة الأولى من عام 2006، على انتشال نحو 25 مليون شخص من براثن الفقر المدقع.

ووفقاً لتقرير «آخر المستجدات في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ» الذي يُصدره البنك كل ستة أشهر، وتم نشره حديثا، لم يستفد الفقراء جميعاً في هذه المنطقة من معدلات النمو التي يُتوقع أن تصل إلى 8 في المائة، فيما بين البلدان ذات الاقتصادات الناشئة، و9.2 في المائة فيما بين البلدان النامية في عام 2006.

وقال هومي خاراس كبير الخبراء الاقتصاديين في إدارة منطقة شرق آسيا بالبنك الدولي، «رغم أن معدلات النمو كانت قوية بالفعل، فإن تأثيرها على الفقر هذا العام كان ضئيلاً مقارنة بالسنوات السابقة»، مضيفاً أن ثمّة 4 ملايين شخص آخرين في إندونيسيا قد سقطوا في براثن الفقر، ويُعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى الارتفاع الحاد في أسعار الأرز التي ارتفعت بمعدل الثلث مقارنة بمستويات الأسعار السائدة في عام 2005.

ويقول التقرير إن ثمّة مؤشرات متنامية على وجود فجوة آخذة في الاتساع في جميع بلدان منطقة شرق آسيا بين الأغنياء والفقراء، وبين المناطق الحضرية والريفية، مع تركّز معظم جيوب الفقر المدقع بين الأقليات المحرومة من حقوق ملكية الأراضي المنتجة ومن الخدمات الاجتماعية.

من جانبه، قال ميلان براهمبهات، الخبير الاقتصادي الأول في إدارة منطقة شرق آسيا والمؤلف الرئيسي لهذا التقرير، إن منطقة شرق آسيا ككل قد أصبحت، بصورة مطردة، منطقة متوسطة الدخل، ومن غير المحتمل أن تؤثر التوقعات الخاصة بحدوث تباطؤ طفيف في النمو في عام 2007 على ذلك الاتجاه، يتوقع «أن تصبح تسعة من بين كل عشرة بلدان في منطقة شرق آسيا بلداناً متوسطة الدخل بحلول عام 2010».

ووفقاً لتقرير، فإن معدلات النمو العشرية في الصين قد بلغت ذروتها في الربع الثاني من عام 2006 محققة 11.3 في المائة، وهو أعلى معدل منذ عشر سنوات، قبل أن تهبط بصورة طفيفة إلى 10.4 في المائة في الربع الثالث.

وتشكل معدلات النمو السريعة تلك، على حد قول هذا التقرير، محركاً مهماً للنمو والتجارة في جميع أنحاء هذه المنطقة. وحققت كل من فيتنام وكمبوديا وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية ومنغوليا معدلات نمو بلغت 7 ـ 9 في المائة، حيث شهدت تلك البلدان الأربعة، إلى جانب الصين، تحقيق أسرع معدلات النمو في هذه المنطقة في السنوات الخمس الأخيرة.

وأضاف التقرير أن الصين تبرز بوصفها «مصنعاً ومركز تجهيز» للأسواق العالمية، حيث إن حوالي 55 في المائة من الصادرات حالياً هي سلع كانت قد استوردتها مؤسسات أعمال أجنبية إلى الصين لتجهيزها، ومن ثمّ إعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تجارة الصين مع البلدان الأخرى في منطقة شرق آسيا تتألف بشكل متزايد من مكونات لمنتجات يتم تحويلها إلى منتجات نهائية في الصين وشحنها إلى الأسواق العالمية.

فعلى سبيل المثال، شكلت الإلكترونيات والمنتجات «عالية التقنية» ما نسبته 37 في المائة من صادرات الصين في عام 2005، وذلك مقابل 7 في المائة فقط في عام 1990. ويضيف هذا التقرير أن الأجزاء والمكونات تشكل حوالي 80 في المائة من واردات الصين ذات التقنية العالية من باقي بلدان منطقة شرق آسيا، «وهي نسبة ارتفعت ارتفاعاً كبيراً على مدى الخمسة عشر عاماً الأخيرة».

ويقول براهمبهات إنه في حين توفر الأسواق الداخلية الكبيرة في الصين وتجارتها مع اليابان وأوروبا الحماية لها ضد الآثار الناجمة عن التراجع المتوقع في نشاط الاقتصاد الأمريكي في عام 2007، فإن شركاءها التجاريين في هذه المنطقة أكثر عرضة للآثار الناجمة عن انخفاض حجم التجارة مع الولايات المتحدة، مضيفاً، «أن معدل النمو الاقتصادي الكلي في الصين يميل إلى ألا يكون وثيق الارتباط بالصادرات، حيث إنه يتمتع بمعدلات نمو داخلية قوية للغاية».

وعلى الرغم من أن التراجع في معدل النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة «قد تكون له بعض الآثار المثبطة، إلا أنه من المُتوقع أن تواصل الصين بصفة عامة تحقيق معدلات نمو قوية إلى حد كبير».

ولكن، «من المُمكن أن تكون تلك الآثار أشدّ بكثير بالنسبة لاقتصادات البلدان الأخرى في هذه المنطقة. ولا يرجع ذلك إلى ضخامة صادراتها المباشرة إلى الولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضاً إلى أن الصين تشكل أكبر سوق لصادراتها. إذ ينتهي المطاف بنسبة كبيرة من صادرات تلك البلدان في صادرات الصين، حيث يتم تصديرها ثانية إلى الولايات المتحدة وأسواق أخرى خارج هذه المنطق»، وعليه بحسب التقرير، من الممكن أن يحدث أثر مزدوج في هذه المنطقة في حالة تعرض الولايات المتحدة لتراجع حاد في النشاط الاقتصادي».

ويضيف براهمبهات أن هناك توافقاً في الآراء بشأن توقع ألا تشهد الولايات المتحدة واقتصادات البلدان المتقدمة الأخرى إلا «تباطؤاً طفيفاً»، وعليه فإن الآثار الناجمة عنه يمكن أن تكون ضئيلة إلى حد ما».

وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط، كما يقول التقرير، قد أدت إلى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي في النصف الأول من عام 2006، فإن أسعار النفط قد شهدت انخفاضاً مقداره 15 دولاراً أمريكياً تقريباً من المستويات القياسية التي بلغتها في الصيف، ومن المُتوقع أن تستقر عند مستوياتها الحالية، وأن تنخفض مع مرور الوقت، «الأمر الذي ينبغي أن يساعد في زوال بعض الخسائر التي وقعت في مستويات الدخل بسبب ارتفاع أسعار النفط على مدى السنوات الثلاث الماضية في منطقة تُعتبر مستورداً صافياً للنفط بصفة عامة».

ويقول خاراس إنه بينما تستمر معدلات الفقر في الانحسار في معظم بلدان هذه المنطقة (حيث انخفض عدد الفقراء الذين يعيشون على دولارين اثنين في اليوم للشخص إلى 550 مليون شخص أو ما نسبته 29.3 في المائة من مجموع السكان)، فإن هذه المنطقة ما زالت تواجه عدداً من التحديات مع انتقال السكان، بصورة مطردة، من المناطق الريفية إلى المدن. فعلى سبيل المثال، تشكل الهجرة أحد أسباب ارتفاع معدلات التفاوت الاجتماعي في المناطق الحضرية في الصين، حيث يفتقر المهاجرون الوافدون من المناطق الريفية في أحوال كثيرة إلى إمكانية الحصول على الخدمات التي تقدمها مرافق الرعاية الصحية التي تمولها الحكومة، أو الالتحاق بالمدارس الحكومية المحلية. ووفقاً لهذا التقرير، هناك حوالي 150 مليون شخص يشكلون جزءاً من «السكان غير المستقرين» الذين يعيشون ويكتسبون أرزاقهم في أماكن من المُحتمل أن يعانوا فيها من التمييز من حيث إمكانية الحصول على الفرص الاقتصادية.

ويقول خاراس إنه من المُحتمل أن ينتقل حوالي 25 مليون شخص، أي مليونا شخص شهرياً، إلى المدن على مدى العِقد أو العِقدين القادمين من السنين في جميع أنحاء منطقة آسيا.

واضاف أن معظم التوسع الحضري سيقع في المدن التي يقل عدد سكان الواحدة منها عن مليون نسمة، «وسيؤدي ذلك إلى حدوث مشاكل غير عادية في إدارة شؤون تلك المدن، نظراً لأن ذلك التوسع الحضري سيتم على نحو غير مركزي».

وأوضح «وعلى الأمد المتوسط، فإنني أرى أن التحدي الكبير سيتمثل في كيفية تحقيق التكامل الداخلي. ويعني ذلك ضرورة ربط المدن والمواقع الأخرى التي لا تقع على طرق التجارة الرئيسية مع بعضها البعض؛ ويعني كذلك ضرورة تحسين إدارة شؤون المدن، من حيث الإدارة الاقتصادية لاجتذاب استثمارات جديدة إلى المدن، وكذلك الإدارة الاجتماعية لتحسين الخدمات المُقدمة».

ويعني ذلك أيضاً ضرورة وجود قطاع مالي جديد يتسم بالاستقرار والقدرة على تمويل منشآت الأعمال الجديدة التي توفر الديناميكية لتلك الاقتصادات الجديدة.

ويضيف خاراس قائلاً إن البنك الدولي «يشارك بقوة» في جميع بلدان هذه المنطقة بغرض مساعدتها في «التحوّل من اقتصادات تنظمها سيادة الفرد إلى اقتصادات تنظمها سيادة القانون» ـ وهو تحوّل لا يحدث بنفس سرعة عملية إزالة مركزية اقتصادات تلك البلدان.

واضاف أن الأمر «سيقتضي بذل جهود حثيثة للغاية» للتغلب على ذلك التحدي. «وتمثل القيادة القوية بالفعل أهم عنصر في نجاح ذلك التحوّل، وكذلك الأمر بالنسبة لمواصلة الجهود الرامية إلى تفعيل الشفافية في المالية العامة وكذلك في السياسات العامة، وإخضاع الموظفين العموميين للمساءلة أمام مواطنيهم».