منح الأثرياء الخيرية تسلط الضوء على معاناة فقراء العالم

العملية الاقتصادية نفسها التي ساعدتهم في تكوين ثروات خلفت مليارات آخرين في فقر مدقع

TT

لندن ـ رويترز: حظيت المنح الخيرية الضخمة من الملياردير الامريكي وارين بافيت وآخرين بالإشادة، لكن البعض يقول ان العملية الاقتصادية نفسها التي ساعدت هؤلاء في تكوين ثروات، خلفت مليارات آخرين في فقر مدقع.

ووعد بافيت بالتبرع بمبلغ 37 مليار دولار من ثروته أي ما يزيد عن تقديرات اجمالي الناتج المحلي لمعظم الدول الافريقية لهذا العام، ويخصص معظم هذا المبلغ لمؤسسة بيل ومليندا غيتس.

ويسلط حجم المنحة ايضا الضوء على التفاوت المتزايد في توزيع الثروات على الرغم من تضاعف الناتج الاقتصادي في السنوات العشر الماضية.

وقال جوزيف ستيجليتز الاقتصادي والاستاذ بجامعة كولومبيا بنيويورك الحاصل على جائزة نوبل «الطريقة التي طبقنا بها العولمة فاقمت من عدم المساواة لانها كانت غير متناسقة للغاية. رأس المال يتحرك بحرية اكبر من الأيدي العاملة».

ويقول محللون ان الاعداد الضخمة من العمال التي تدخل الى السوق من خلال العولمة في الصين والهند، أدت الى انخفاض الاجور في الدول الغنية اذ تتنافس القوى العاملة بها مع ايد عاملة أرخص أجرا في أماكن أخرى.

في الوقت نفسه فإن انخفاض الأجور في الدول الفقيرة، يصاحبه عدد لا نهائي من الأيدي العاملة للاختيار منها.

ولعل هذا يفسر الارقام الواردة في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2005 الذي يظهر أن دخول أغنى 50 شخصا في العالم مجتمعة يتجاوز دخول افقر 416 مليون شخص في العالم، وأن هذا التوزيع غير المتساوي للدخل تفاقم في دول كثيرة في الاعوام العشرين الماضية.

ولا ينحى باللائمة على النمو الاقتصادي غير المحكوم وحده في انعدام المساواة المتزايد.

فالحكومات الوطنية الفاسدة تسهم في استمرار اكثر من نصف سكان قارة افريقيا تحت خط الفقر، وانعدام المساواة المتفشي في امريكا اللاتينية على الرغم من عقدين من الاصلاح الاقتصادي.

ولكن حتى الاقتصاديات الناشئة مثل الهند والصين اللتين ساعدت معدلات نموهما الكبيرة في اخراج الآلاف من الفقر ما زالت تعاني من الهوة المتزايدة بين الثروات.

ويظهر تحليل للبنك الدولي أن في الوقت الذي زاد فيه النمو الاقتصادي في الصين بمعدل عشرة في المائة منذ عام 2001 الى عام 2003، فإن متوسط الدخل لأفقر عشرة في المئة من الاسر في البلاد انخفض بنسبة 5.2 في المائة.

من ناحية أخرى بلغ مؤشر جيني وهو مقياس لعدم المساواة في توزيع الثروات 63 في المناطق الريفية من الهند و66 في المناطق الحضرية هناك عام 2002. وكلما اقترب المؤشر من الرقم 100 يكون هذا دليلا على عدم المساواة. وبلغت الارقام في المقابل في الصين 39 و47 على التوالي. وبغض النظر عن هذا يقول بعض المنتقدين ان الاتجاه نحو تكوين وحدات صغيرة للحكم ترك المسؤولين من دون الوسائل اللازمة لرعاية الفئات الاضعف في المجتمع.

وقال دنكان جرين رئيس قسم الابحاث بمؤسسة اوكسفام الخيرية «أعتقد أن المسؤولية الاولى لضمان استفادة الفقراء من النمو تقع على عاتق الحكومة الوطنية لكن الحكومات لم تتلق استشارات تذكر من صندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات الأخرى على مدار الاعوام الخمسة والعشرين الماضية».

وأضاف «على سبيل المثال النصيحة بفتح أسواق (هذه الدول) أمام التجارة والاستثمار في الوقت الذي كانت فيه كل الاقتصاديات الناجحة مثل كوريا وتايوان كانت حذرة للغاية تجاه التحرر الاقتصادي كما طبقته ببطء».

وتعاني الاقتصاديات المتقدمة ايضا من عدم المساواة وهو ما يعرض قطاعات من سكان هذه الدول لصدمات خارجية وكوارث طبيعية، وهو ما يتضح من خلال تبعات الاعصار كاترينا الذي شهدته الولايات المتحدة.

وبالرغم من أن تقريرا للاتحاد الاوروبي صدر في عام 2005 خلص الى أن هناك عدالة في توزيع الثروات في اوروبا الى حد بعيد، فإنه قال ان عدم المساواة تزايد في التسعينات في دول مثل بريطانيا وبولندا والدنمارك. بل ان تقريرا حكوميا صدر عام 2005 أظهر أنه في المانيا التي تتسم بالوعي الاجتماعي تزايدت الفجوة بين الاغنياء والفقراء منذ عام 1998.

لكن هذه الفجوات تتسع بشكل خاص في اكبر اقتصاد في العالم واكبر الداعين الى تطبيق سياسة السوق الحرة. وتقول دراسة صدرت في يونيو (حزيران) عن معهد السياسة الاقتصادية وهو معهد بحثي ان متوسط دخل المدير التنفيذي الامريكي العادي يزيد 821 مرة عن دخل أقل عامل بالأجر وهو ما يمثل اكبر فجوة على الاطلاق.

وقال بابلو ايزنبرج زميل معهد السياسة العامة بجامعة جورج تاون «نظامنا السياسي والأيديولوجية المحافظة للغاية التي تقول ان السبيل الى دعم الاقتصاد هو خفض الضرائب المفروضة على شديدي الثراء، زادت من عدم المساواة بشدة في مجتمعنا».