الوحدة النقدية ما بعد القمة الخليجية

حسين العويد *

TT

صبت القمة الخليجية «ماء باردا» على التفاؤل الذي ابداه البعض بشأن قدرة دول مجلس التعاون على الوفاء باستحقاق اتمام الوحدة النقدية الخليجية بحلول الأول من يناير عام 2010. فإلى جانب التحفظات العمانية التي وردت في المذكرة المطولة لوزير الاقتصاد العماني حمد بن عبد النبي مكي التي رفعها الى الامانة العامة لمجلس التعاون قبيل انعقاد قمة الرياض، أعطت السعودية مؤشرات على ان اصدار «العملة الخليجية الموحدة في التاريخ المشار اليه هو طموح كبير» مما فهم منه ان المعطيات المتوفرة الى الآن ليست كافية للقول بأن مسألة العملة الموحدة يحكمها الجدول الزمني الموضوع وان الموعد المحدد لإصدار العملة هو موعد نهائي لا رجعة عنه. ومع الايمان بأن دول مجلس التعاون امتلكت الدأب والمثابرة على مواصلة جهودها في مجال العمل الاقتصادي المشترك، وأنها نجحت في آخر المطاف على تحقيق العديد من الخطوات في هذا المجال، الا اننا نعتقد ان العمل الخليجي في المستوى الرسمي ما زال متخلفا عن المبادرات التي يقوم بها القطاع الخاص في دول المنطقة وهي المبادرات التي استطاع من خلالها اختراق الحدود السياسية سواء على صعيد التدفق الاستثماري البيني او على صعيد التجارة واقامة المشروعات المشتركة. بل إن هناك من يرى ان التدخل الرسمي في دفع جهود العمل الخليجي المشترك اوجد أطرا بيروقراطية لم تعرفها دول الخليج من قبل حيث كانت التجارة التقليدية بين دول المجلس تتحرك تاريخيا بدون عقبات حين كانت العلاقات الاجتماعية والاسرية بين ابناء دول المجلس كفيلة بتقديم الضمانات التي تحمي استثماراتهم وتجارتهم. صحيح ان اقتصادات دول المجلس بعد الاستقلال وبعد تحسن العوائد المالية لها أصبحت اكثر تعقيدا وأكثر احتياجا للتنظيم، الا ان هذا التنظيم لم يساهم في دفع تلك الاقتصادات للتكامل بل الى نوع من التقوقع بذريعة توفير الحماية التي ثبت فيما بعد انها ساهمت في إضعاف المنتج الخليجي الذي ركن في مرحلة من المراحل الى «المظلة الحمائية» كوسيلة لمواجهة المنافسة في حين كان يفترض ان يكون معيار المنافسة هو الجودة. وعلى غير ما يعتقد الكثيرون فإن التكامل الاقتصادي والوحدة الاقتصادية الخليجية ليست قرارا فوقيا بل هي حاجة تمليها الجغرافيا وتمليها متغيرات الاسواق التي بدأت تنفتح على بعضها البعض وبدأت تشهد ولادة المؤسسات العملاقة التي تتحرك خارج الحدود بملاءة مالية كبيرة وكفاءة فنية مشهود لها. في ضوء هذا الواقع الجديد وفي ظل هذا التطور الكبير لمؤسسات القطاع الخاص الخليجي فإن أي تباطؤ في خطوات التنسيق الخليجي الرسمي، يعني ان ما يعيق العمل الخليجي هو غياب الارادة السياسية القادرة على تلمس الاحتياجات والطموحات الحقيقية لابناء المنطقة. وهذا معناه في المدى الطويل تعميق الهوة التي تفصل المواطن الخليجي عن العمل الرسمي الذي يتم في اطار مجلس التعاون وتعميق حالة عدم الثقة في ما قامت به منظومة مجلس التعاون منذ ما يزيد عن ربع قرن. ان الظرف الذي تعيشه دول مجلس التعاون يشكل فرصة ذهبية لمراجعة اسلوب التكامل الاقتصادي في ما بين دول المجلس. فهذه الدول لديها الموارد ولديها الرغبة والامكانية. واذا وضعت على سبيل التحفظات امام قيام الاتحاد النقدي الخليجي في موازنة مع ما يتوفر لدول المجلس من امكانيات لتجاوز تلك التحفظات سنجد اننا امام كلفة اقتصادية وسياسية ضئيلة قياسا للمردود الناتج عن اصدار عملة موحدة. ان مخاوف سلطنة عمان مثلا من عدم تمكنها من اللحاق بالوحدة النقدية الخليجية في الموعد المحدد بسبب عدم قدرة اقتصاداتها على مجاراة المستوى الاقتصادي الذي تتمتع به الدول الاعضاء الاخرى يمكن تبديدها من خلال قيام دول المجلس بأطلاق صندوق لتنمية البنى التحتية للاقتصادات الخليجية التي تعاني من قصور في معدلات النمو او عجز في الميزانية العامة. ومثل هذا الصندوق من شأنه استثمار موارد مالية كبيرة من ودائع وفوائض الدول الخليجية وتقليص المدة التي تتطلبها الاقتصادات الخليجية الضعيفة من التلاؤم مع متطلبات الوحدة النقدية.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية