سداد الدين العام... إذا تحقق؟

سعود الأحمد

TT

يبدو أن المجتمع السعودي على موعد لسابق عهد بتلقي الأخبار السعيدة، مع كل إعلان للموازنة العامة للدولة. حيث تشير التوقعات إلى أن دخل ميزانية هذا العام قد بلغ قرابة 600 مليار ريال، في حين كان الدخل المتوقع 390 مليار ريال، أي بزيادة تقارب 50% وهو أمر بلا شك يدعو للتفاؤل... خصوصاً إذا وجه هذا الفائض لسداد الدين العام. فقد نشرت صحيفة الاقتصادية خبراً أمس الأول، مفاده أن الحكومة السعودية ستُعيد شراء سندات الدين العام التي سبق وأن كانت قد باعتها قبل سنوات في سوق المال لتغطية عجز الميزانية العامة آنذاك. أي أن الحكومة ستقوم بإطفاء الدين العام للبنوك ومؤسستي التقاعد والتأمينات.. قبل استحقاقها. وحقيقة الأمر أن أهم قراءة لهذا الخبر تتمثل في مقوماته ومعانيه وانعكاساته على سوق الأسهم واقتصاد البلاد ورفاه المواطن. وعليه فإن المتابع المتخصص يقرأ في معاني ومعطيات الخبر أن ميزانية السنوات القادمة التي ستعقب سداد الدين العام ستكون غير محملة بعبء تسديد أقساط الدين العام، مما يعزز الفرصة لمزيد من الإنفاق الحكومي ويؤدي إلى دفع عجلة التنمية وتفعيل برامج الانتعاش الاقتصادي. وهي خطوة تعكس سياسة الحكومة والتي أكدتها في أكثر من مناسبة رغبة في تخليص الاقتصاد الوطني من عبء الدين العام ودعماً للبرامج والخطط التنموية. من جانب آخر فذلك يعني أن هناك كما هائلا من السيولة قادما للسوق المالي السعودي، يدعمه ترسيخ لسياسة الإنفاق الداخلي ومساهمة منتظرة في تمويل الأفراد في المشاريع بمختلف المجالات التنموية. ولأن من الواضح من الخبر المشار إليه أن التوجه لإطفاء الدين العام سيتم من فائض الميزانية للعام الماضي... أو بعبارة أخرى من وفورات سبق أن تحققت وبالتالي فإن المبلغ شبه مرصود لذلك الغرض. ومن هنا فإن أمر إطفاء الدين العام إذا صدرت التعليمات سيكون في حكم المؤكد. لكنه ومن الطبيعي أن السوق السعودي سيترقب أين ستستخدم هذه الجهات المقرضة مثل هذا الكم الهائل من السيولة المتوقعة والتي بحجم 114 مليار ريال. فالذي يحصل في البداية أن تودع البنوك هذا الفائض لدى مؤسسة النقد بسعر فائدة مع المؤسسة فيما يعرف بالـ Official Repo Rate. أو قد تقوم البنوك باستثمار هذه المبالغ خارجياً بحثاً عن عوائد آنية أكبر وأضمن للاستيراد بحكم أن اقتصادنا حر ومفتوح... وإلى أن تعمل البنوك على إيجاد فرص تمويلية جديدة، بما يصب في صالح السوق المالية بشكل مباشر أو غير مباشر مستقبلاً. لكن المأمول أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بتشغيل هذه السيولة القادمة في السوق السعودي في القريب العاجل... وبما يخدم خطط التنمية ورفاه المواطن.

وفكرة تعجيل تشغيل هذه السيولة داخلياً (بصورة مبسطة) تعتمد على أن السيولة عندما تتداول بين أيدي الناس تتفاعل أقيامها فعلياً. فعندما يضخ المال في الداخل ضمن النقدية المتاحة لدى البنوك فإن ذلك يعزز عرض القروض للمواطنين. وبالتالي فإن البنوك ستسعى جاهدة للتسويق بحثاً عن مقترضين بمجرد أن تحصل على عقود وضمانات تكفل استرداد حقوقها... مما يزيد من عوائدها، وهو ما سيعود ضخه في السوق بصورة أو بأخرى. إضافة إلى أن المقترض عندما يحصل على القرض فهو يسعى لصرفه وبالتالي يعود المبلغ بصورة أو بأخرى وعاجلاً أم آجلاً للبنوك. ومن هنا فإن حجم تأثير ضخ السيولة يكون متضاعفاً. في حين السيولة التي تستغل في الخارج هي إما أن تكون في صورة ودائع ثابتة أو في صورة شراء أصول في شركات أجنبية... وهذه بالفعل قليلة العائد والبركة مقارنة بعوائد الاستثمار الداخلي.

وختاماً... فإن السؤال هو: إذا تم سداد الدين فما هي سياسة تشغيله؟

* محلل مالي [email protected]