خبراء ومسؤولون: الاستثناءات وتعدد القيود غير الجمركية أهم العقبات أمام منطقة التجارة الحرة العربية

مع دخولها العام الثالث مطلع 2007 وشكوى المستثمرين من دخول سلع صينية بأسماء عربية

TT

طالب مسؤولو العمل الاقتصادي العربي، بسرعة إزالة العقبات التي تواجه منطقة التجارة العربية الحرة، وعلى رأسها القيود غير الجمركية والقوائم السلبية والرسوم ذات الأثر المماثل. وأشاروا إلى أن الاستثناءات التي وضعتها عدة حكومات عربية، أضعفت من أداء ونتائج المنطقة وشكلت وتشكل حاجزا كثيفا في وجه الخطوة التالية والأهم، وهي قيام الاتحاد الجمركي العربي. وأعرب المسؤولون الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة دخول منطقة التجارة عامها الثالث مطلع الشهر المقبل، عن اعتقادهم بأن النزعات الحمائية السائدة في كثير من الدول العربية، وخاصة في المجال الزراعي، قد تحول دون اعتراف منظمة التجارة العالمية بالمنطقة.

وأكدوا على أهمية إيجاد أطر تسمح بالمتابعة والتصحيح والتأكد من الالتزام بالتنفيذ، مشيرين إلى ان العوائق لا تمنع من القول بوجود تقدم في التجارة العربية البينية والاستثمار المتبادل، وان المشاكل القائمة ليست مستعصية على الحل، كما أنها من طبائع مثل هذه الاتفاقيات. واشتكى مستثمرون مصريون من استغلال شركات في عدة دول عربية للإعفاءات الجمركية الممنوحة في الاتفاقية لصالح السلع الصينية لا العربية مع التحايل والتزوير في شهادات المنشأ. بينما أشار آخرون إلى عقبات عملية في نقل البضائع وتسوية المدفوعات وإجراءات عبور الحدود ومتطلبات توثيق الشهادات، معددين 5 دول عربية، اثنتان منها في آسيا وثلاث في أفريقيا.

من جانبه، أكد الدكتور محمد بن إبراهيم التويجري الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الجامعة العربية، أن منطقة التجارة الحرة العربية، تواجه معوقات حقيقية تتمثل في غياب الشفافية والمعلومات في التعامل بين الدول الأعضاء.

واشتكى التويجري من عدم تزويد بعض الدول الأعضاء، الأمانة الفنية لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بالقوانين والتشريعات والسياسات التجارية والاقتصادية التي تقوم بسنها، إضافة إلى أن غالبية الدول لا تقدم التقارير الدورية المطلوبة لمتابعة التنفيذ.

وتذمر الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية، من فرض بعض الدول إجراءات غير جمركية بغرض حماية منتجاتها الوطنية، مشيرا إلى تعدد القيود غير الجمركية وتعدد أشكالها وتباينها. ودلل التويجري على ذلك بأن السلع المستوردة في بعض الدول العربية، تخضع لتراخيص الاستيراد تحت مسميات مختلفة، مثل استمارة أو شهادة استيراد، بجانب القيود النقدية وتعقيد الإجراءات المصرفية المتعلقة بفتح الاعتمادات لتمويل التجارة العربية.

وأشار إلى أن الرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل تعد أهم العقبات أمام حركة التجارة البينية، موضحا أن المشكلة الرئيسية لهذه الرسوم، أنها غير واضحة، ويتم فرضها وتحصيلها من قبل جهات حكومية متعددة، في حين أن المصدر أو المستورد ليس على علم بها في أغلب الأحيان مما يؤثر على القيمة السوقية للسلعة.

وطالب بضرورة أن يتم توفيق أوضاع هذه الرسوم أو إدماجها في هيكل التعرفة الجمركية للدول التي تفرضها والعمل على ربط رسوم الخدمات على السلع المستوردة بالتكلفة الفعلية للخدمة مع إلغاء آية رسوم أخرى، متطرقا إلى غياب قواعد المنشأ التفصيلية للسلع العربية، وهو سبب أساسي في طلب العديد من الدول العربية للاستثناءات تجنبا لمنافسة السلع غير العربية وتمتعها بما تتيحه المنطقة من امتيازات للسلع العربية. واستدرك التويجري قائلا إن هذه المعوقات لا تعني أن منطقة التجارة الحرة مهددة، لأن التجانس الاقتصادي العربي موجود، مدللا على ذلك بالنظرة المستقبلية للعمل الاقتصادي العربي المشترك، التي يمكن استعراضها من خلال وثيقة العهد والوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية، المنبثقة عن قرار قمة تونس عام 2004.

وأضاف أن هذه الوثيقة تطرقت في شقها الاقتصادي إلى عدد من المحاور الرئيسية لتطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك وتفعيل آلياته، والتي يمكن حصرها في تطوير مؤسسات وأجهزة العمل الاقتصادي العربي المشترك وبرامج وخطط عملها. ويأتي ذلك كما تضمنته الوثيقة لضمان أداء دورها، وفقا لمتطلبات واحتياجات الدول العربية واستكمال إنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإقامة اتحاد جمركي عربي بما يساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي.

أما الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، فيرى أن منطقة التجارة الحرة العربية تسير بنجاح رغم ما تواجهه من عقبات ومشكلات شأنها شأن أي مشروع وحدوي، خصوصا في المجال الاقتصادي. ودلل جويلي على ذلك بالجدل الصاخب الذي صاحب العملة الأوروبية الموحدة، ومدى ما واجه هذا المشروع من عقبات هددت بفشله، مشيرا إلى أن ما يحدث في العالم العربي ومنطقة التجارة الحرة، لا يختلف كثيرا عن ما حدث في منطقة اليورو، مبينا أن كل دولة لها حساباتها، ولذا فالاختلاف أمر مشروع. لكن جويلي مع ذلك يتحدث بثقة عن نجاح منطقة التجارة العربية الحرة، مستندا في ذلك بالاهتمام الكبير من متخذي القرار في الدول العربية، بضرورة نجاحها في ظل وجود قوة دفع سياسية قوية في ذلك.

وأشار أيضا إلى ما يدفع الدول العربية إلى إنجاح منطقتها الحرة، الحتمية التي تفرضها الظروف الدولية على الدول العربية، بأن يكون لها تجمّع اقتصادي لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية، في عصر لا يمكن فيه لأي دولة أن تعيش بمعزل عن هذه التكتلات.

وقال إن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، يحاول وضع آلية عملية تسهم في تنمية التجارة البينية العربية، ورفع معدلاتها إلى نسب مرتفعة خلال السنوات الخمس المقبلة. وأرجع ذلك إلى أن عدد سكان الوطن العربي يبلغ في الوقت الحاضر أكثر من 290 مليون نسمة، ويزداد بمعدلات سنوية مرتفعة، بحيث يمكن أن يصل إلى 470 مليون نسمة بعد 20 عاما و654 مليوناً عام 2050، مع معدل بطالة 15 في المائة في الوقت الحاضر، وقد ترتفع في المستقبل إذا لم تتوفر وظائف جديدة، خاصة أن تعداد من هم دون سن الـ 15 سنة، يصل إلى 130 مليون نسمة.

وأفاد جويلي بأن إنتاج الدول العربية من السلع والخدمات يصل لنحو 60 مليار دولار، وهذا يعادل نحو 2100 دولار للفرد في العام الواحد، معبرا عن أمله أن تتضاءل الاستثناءات التي تفرضها الدول العربية على السلع والمنتجات التي تتداول ضمن منطقة التجارة الحرة، خاصة فيما يتعلق بالسلع الزراعية والتي تسمى بالرزنامة الزراعية.

وأبان الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية أن هذه الاستثناءات تضعف دور منطقة التجارة الحرة، ولكن من حسن الحظ أن كل الأطراف تدرك ذلك.

وأكد جويلي أن التجارة البينية كانت ضعيفة في السابق، إلا أنها تحركت لأعلى وارتفع معدل الاستثمار البيني، كما أن الاقتصاديات العربية شهدت قفزات في العامين الماضيين نظراً إلى زيادة أسعار النفط.

أما السفير جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، فطالب بإلغاء القوائم السلبية والرزنامات الزراعية في اتفاقية منطقة التجارة العربية، مفيدا بأن استمرار وجود هذه القوائم سيجعل منطقة التجارة العربية مهددة بعدم اعتراف منظمة التجارة العالمية بها.

وأوضح بيومي أن هذا النظام هو الهدف الأشمل، لأنه يعنى قيام أنظمة موحدة في مجالات التجارة ووسائل الدفع والنقد وآليات فض المنازعات التجارية والمسائل الاجتماعية وإقامة وتفعيل أنماط للعلاقات العربية المختلفة التي تؤهل الدول لكي تشارك في منظومة الاقتصاد العالمي بمنظور متكامل.

وأكد أن العمل الاقتصادي العربي يفتقد وجود آلية لإدارته وهو ما يتطلب سكرتارية في نطاق عمل الأمانة العامة تكون لها صفة الإدارة وسلطة التحكيم الفني في الاتفاقيات القائمة. من جهته أكد المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة المصري، أن حجم التجارة البينية العربية زاد بنسبة 40 في المائة مع التطبيق الكامل لاتفاقية تيسير التجارة العربية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، مما يعد مؤشرا جيدا وخطوة أولى نحو قيام السوق العربية المشتركة التي تتطلب إنشاء شركات إقليمية عربية تعمل في كيان واحد مع تنازل الحكومات عن بعض سلطاتها إلى السلطة الإقليمية.

وزاد رشيد أن الانتقال من سوق محلية إلى شركات إقليمية سيكون عائده إيجابيا على كل الدول، معتبرا أن هذه الاتفاقية في مصلحة مصر والدول العربية، مشيرا إلى أن الدول التي طبقت الاتفاقية بصورة كاملة استفادت بصورة اكبر من الدول التي لم تطبق الاتفاق.

وطبقا لتقارير متابعة ميدانية مصرية، تبين أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، تواجه العديد من العقبات العملية أبرزها تعدد البيانات المطلوبة لشهادات المنشأ، والمغالاة في إعادة التثمين الجمركي، وتعقيد إجراءات العبور على الحدود، والمبالغة في المدة التي تستغرقها إجراءات فحص العينات وإجراءات التفتيش، إضافة إلى المبالغة في متطلبات المواصفات والمقاييس. كما تضمنت قائمة المعوقات: القيود الصارمة على تحديد الوزن، وتعقيد إجراءات الكشف والمعاينة، والمغالاة في الإجراءات الصحية بجانب الرسوم والضرائب الإدارية والفنية المماثلة للتعريفات الجمركية، التي تحول دون تحقيق الفوائد، خاصة أنها تشهد ازدياداً مستمراً عن السابق، بالأخص في مجال الشحن البري والترانزيت. يضاف إلى ذلك عدم التوصل إلى إقرار قواعد منشأ تفصيلية موحدة للسلع العربية المنشأ واستمرار انتهاج بعض الدول الأعضاء لحالات معينة من الاستثناء في التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية.