اقتصاديون يشككون في قدرة دول الخليج على توحيد عملتهم ويضعون السوق المشتركة «محك التجربة»

يرون بتفعيل فتح الحدود وإزالة قيود المتنقلين وقيام التحالفات التجارية قبيل مرحلة توحيد العملة

TT

شكك خبراء اقتصاديون من قدرة دول منطقة الخليج العربي (باستثناء عمان)، على مواصلة تنفيذ مشروع «العملة الخليجية الموحدة»، إذ ربطوا إمكانية مقدرة نجاح دول الخليج بمواصلة نوايا توحيد العملة، بمدى قدرة هذه الدول على التنفيذ الفعلي للسوق الخليجية المشتركة بدون قيود وبدون استثناءات، وكذلك مقدرتها على مواصلة المشاريع المماثلة.

وأكد الخبراء الاقتصاديون أنه في حال نجاح دول المنطقة في اختراق هذه المرحلة الصعبة والتي قد تقف في طريقها الكثير من الصعاب (بخلاف السوق المشتركة) ترتبط بالنظم الاقتصادية والمالية والعمالية وبعض الأنظمة والتشريعات ذات العلاقة بالشأن المالي والاقتصادي والاستثماري، ملمحين إلى أنه بعد نجاح تجربة السوق المشتركة يمكن بث شرارة تفاؤل بنجاح مرحلة الأصعب كطرح العملة الموحدة.

وكانت دول الخليج العربي أعلنت عن اتجاهها لإطلاق العملة الموحدة مطلع عام 2010، بهدف تقوية كفاءتها الاقتصادية وزيادة نفوذها في السوق الاقتصادي العالمي وإلغاء مخاطر العملات الوطنية، دون أن تحدد حتى الآن اسم العملة الخليجية إلا أنه تم الاتفاق على أن تكون إحدى العملات الحالية أو مسمى عملة من التراث الإسلامي، وأن يكون الاسم سهل النطق.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور حسن بن أمين الشقطي محلل اقتصادي متخصص في الشأن المالي بأن بدء اتحاد دول مجلس التعاون في عام 1981، ووصوله إلى مرحلة الاتحاد الجمركي في عام 2003، والسعي لطرح عملة موحدة في عام 2010، بعد 7 سنوات فقط من الاتحاد الجمركي، وأيضا بعد عامين من تنفيذ السوق المشتركة، كل ذلك يضع العديد من القيود والمحاذير ربما حول عدم اكتمال التجهيزات الضرورية واللازمة لضمان نجاح العملة الموحدة، مشيرا إلى توقعه بعدم جهوزية واستعداد كافة المجريات والآثار الاقتصادية والمالية لتطبيق هذه العملة الموحدة.

ويضيف الشقطي أنه لا يزال هناك الكثير والكثير من المعطيات التي ينبغي التروي في تحديدها قبل طرح هذه العملة الموحدة، أولها تساؤله حول ارتباط هذه العملة الجديدة بالدولار أم بسلة من العملات أم ترتبط بالذهب، وأن لكل منها مزاياه وعيوبه، ويقول بالرغم من تفضيل الارتباط بسلة من العملات في ظل تراجع الدولار في ضوء العجز والبطالة والتضخم في الاقتصاد الأميركي، فلا يزال الارتباط الحالي والفعلي لدول مجلس التعاون بالدولار، وأيضا تقييم عوائدها من النفط بالدولار يرجح اختيار ربط العملة الجديدة بالدولار، وهذا الربط بالدولار في حد ذاته يخلق توقعات بمواجهة مشكلات ليست يسيرة تحتاج لوضع سياسات واستراتيجيات لمواجهة أيا منها.

وقال الشطي «إن طرح العملة الخليجية الموحدة إحدى خطوات المرحلة الأخيرة لاتحاد خليجي موحد، وبعد إقرار النظام الأساسي للاتحاد الخليجي في عام 1981، ثم تنفيذ منطقة تجارة حرة في عام 1983، ثم تحويلها إلى اتحاد جمركي في عام 2003، وصلنا الآن إلى اكتمال محاور تنفيذ السوق الخليجية المشتركة والتي يرجئ إتمامها في نهاية عام 2007، وأخيرا ينتظر إقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة في عام 2010».

وأشار الشقطي إلى أنه إذا كانت كافة الخطوات السابقة بل وحتى خطوة تنفيذ السوق الخليجية المشتركة اللاحقة كانت وستكون سهلة وميسرة ولم تصادفها عقبات كبيرة، ولم يكن لها تأثيرات مصيرية على دول وشعوب واقتصاديات دول المجلس، فإن مرحلة الاتحاد النقدي وطرح العملة الخليجية الموحدة قد لا تكون بهذه السهولة، وقد تصادفها عقبات ربما تقف حجر عثرة في سبيل انجازها في الوقت المخطط لها، ويتوقع الشقطي أن يكون لهذه العملة الموحدة آثارا جوهرية على كافة الجوانب الاقتصادية والمالية في اقتصادات دول مجلس الاتحـاد.

ويلاحظ الشقطي تسارع الخطوات التنفيذية بشكل مقارن في سبيل إتمام التكامل الخليجي، وهذا التسارع إن كان مرغوبا وصحيا في تنفيذ كافة مراحل الاندماج والتكامل السابقة وحتى في مرحلة تنفيذ السوق الخليجية المشتركة، إلا أنه قد يكون مثيرا للجدل في تنفيذ مرحلة العملة الخليجية الموحدة التي تشير أحدث تجارب التكامل، وهي تجربة الاتحاد الأوروبي إلى استغراقها نحو 56 عاما، ويقول أن طرح اليورو قد يراه البعض تم بسهولة، إلا أنه في الواقع استغرق زمنا طويلا بدأ منذ مساعي تشرشل في عام 1946، ونفذ فعليا في عام 2002، حيث واجهته عقبات ومشكلات كبيرة أجلت طرحه كعملة موحدة لفترة طويلة نسبيا، وبالرغم من اكتمال مراحل التكامل الأولي من منطقة حرة واتحاد جمركي وسوق أوروبية مشتركة في زمن قصير نسبيا، إلا إن طرح العملة الموحدة أخذ وقتا أطول للتغلب على كافة العقبات، ويؤكد أن هذا ضمانا لنجاح طرح العملة الجديدة، وأيضا لمعرفة الجميع من مسؤولين ومراقبين أن طرح هذه العملة لن يكون سهلا، بل سيكون مؤثرا في كثير من الجوانب الاقتصادية الأوروبية فيما بعد.

إلى ذلك، يرى الدكتور عقيل العقيل محلل اقتصادي خليجي، أن التقارب الاقتصادي الخليجي تأخر طويلا وقيام الدول الخليجية بتوحيد العملة هو خطوة مناسبة ولكن هناك خطوات قبلها مثلا فتح الحدود الجغرافية وازالة القيود عن المتنقلين بأنفسهم وبضائعهم بين الحدود، وقيام التحالفات التجارية بين الدول الخليجية أو تكتلاتها التجارية مجتمعة من جهة وبين التكتلات الاقتصادية العالمية من جهة أخرى.

وأبان العقيل أن تأثير توحيد العملة هو تأثير نفسي أكثر منه اقتصادي على أرض الواقع، ويقول إن ايرادات الدول لن تتأثر ومصروفاتها وقيم تعاقداتها لن تتغير، وأن التأثير سيكون عند إنشاء البنك المركزي الخليجي الذي سيقوم برسم السياسات المالية الخليجية العريضة والتحكم بأسعار الفائدة ومراقبة النمو الاقتصادي لكل دولة وتأثيرها سلبا وايجابا على الاقتصاد الخليجي ككل، ويشير إلى أن ما غير السياسات الأوروبية ودفعها الى مستويات أعلى منها قبل قيام الاتحاد الأوروبي ليس طلاق اليورو بل البنك المركزي الأوروبي كان هو العامل الأكبر.

وحول اسم العملة المقترح يبين العقيل أن إطلاق اسم خليجي على العملة الجديدة هو الأنسب، ويقترح اختيار اسم الريال للعملة الرئيسية والفلس لأجزاء الريال، أو العكس فالدينار للعملة الرئيسية والقرش لأجزاء الدينار.

من ناحيته، يقول الرئيس التنفيذي لشركة رسملة للاستثمار علي الشهابي إن العملة الخليجية الموحدة ستساعد على تسهيل الاستثمار والتجارة والتعامل، كما ستساهم على توحيد البيئة التي يعمل من خلالها رجال الأعمال، وهذا له أثر فعلي ونفسي، ولا يقل احدهما أهمية عن الآخر.

ويشدد الشهابي على دور المؤسسات المصرفية الاستثمارية في تهيئة السوق الخليجية لاتحاد العملة من خلال الإبتكار والبحث عن مشاريع مشتركة تجتمع فيها رؤوس الأموال الخليجية ويتم استثمارها في هذه الأمور، كما يجب على هذه المؤسسات أن تكون السباقة في هذا المجال وان تلعب الشركات الخليجية دورا فعالا في جذب الاستثمارات بين دول مجلس التعاون الخليجي وتبادل المشاريع الاستثمارية، واقترح أن يكون اسم العملة الموحدة هو الدينار الخليجي.

وفي صدد آخر، يعود الشقطي إلى التأكيد بأن دول الأقليم تواجه وتشهد معدلات متباينة من حيث سعر الفائدة ومعدل التضخم وحجم الاحتياطيات وحجم العجز في الميزانيات الحكومية وحجم الدين العام، وإذا كنا بصدد إنشاء بنك مركزي خليجي تخضع له كافة البنوك المركزية الوطنية في دول المجلس، فلابد من توحيد هذه النسب والمعدلات، وإذا كان بالفعل قد تم اتخاذ خطوات في سبيل توحيد هذه النسب، إلا إن تنفيذها لا يزال يواجه ومن المتوقع أن يواجه صعوبات تفضيل الانفرادية لمواجهة المشكلات القطرية.

ويؤكد الشقطي أن طرح العملة الخليجية الموحدة يختلف عن كافة مراحل التكامل السابقة، ويحتاج لمزيد من الوقت والجهد لضمان عدم فشله، فهذه العملة ستطرح لاقتصاد موحد يقدر حجم الناتج القومي فيه بنحو 1.4 تريليون ريال، ويبلغ فيه حجم السيولة النقدية نحو 859 مليار ريال، في حين أنه يمتلك ما يقترب من نصف احتياطيات العالم من النفط، كما يؤكد أيضا أن نجاح أو فشل العملة الموحدة متوقف بشكل رئيسي على مدى قدرة هذه الدول على التنفيذ الفعلي للسوق الخليجية المشتركة بدون قيود وبدون استثناءات، فإذا نجحت في اختراق هذه المرحلة الصعبة والتي قد تقف في طريقها الكثير من الصعاب التي ترتبط بالنظم الاقتصادية والمالية والعمالية المتباينة، فإذا نجحت في تخطي هذه الصعاب قد يكون بالإمكان توقع نجاح مرحلة أكثر تقدمية وأعتى صعوبة مثل طرح العملة الموحدة.