تقرير: هجرة الأيدي العاملة قد تزداد في بلدان أوروبا وآسيا الوسطى

روسيا تضم ثاني أكبر عدد من المهاجرين في العالم بعد الولايات المتحدة

TT

أفاد تقرير حديث صادر عن البنك الدولي بعنوان «الهجرة والتحويلات النقدية: أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق»، فإن العديد من تدفقات الهجرة الأكبر حجماً في العالم، في حقيقة الأمر، تأتي من هذه المنطقة أو تتوجه إليها.

وتضم روسيا ثاني أكبر عدد من المهاجرين في العالم بعد الولايات المتحدة، إذ يبلغ تعداد المهاجرين نحو 3 ـ 3.5 مليون من المهاجرين ممن لا يحملون الوثائق اللازمة.

وتعتمد الكثير من الاقتصادات بشدة على التحويلات النقدية التي يرسلها العمال المهاجرون إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية من الخارج، حيث تشكل تلك التحويلات النقدية، وفقاً للبيانات والأرقام الرسمية، أكثر من 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في مولدوفا والبوسنة، وأكثر من 10 في المائة في ألبانيا وأرمينيا وطاجيكستان. وحسبما يقول تقرير البنك الدولي فإن ثمة شواهد غير موثقة تشير إلى أن تدفقات التحويلات النقدية الفعلية قد تفوق بكثير تلك الأرقام الرسمية.

وفي هذا السياق قال بروس كويلين، الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي الذي شارك في تحرير هذا التقرير مع علي منصور، وهو أيضاً أحد الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي، «إن الهجرة، الوافدة من هذه المنطقة والمتوجهة إليها، موجودة لتبقى».

وطبقاً لما ورد على لسان كويلين، فإن معدلات الهجرة ستشهد كذلك على الأرجح زيادة في السنوات المقبلة، ويرجع ذلك إلى أن روسيا والبلدان الأخرى، التي كانت ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، تعاني نقصاً في القوة العاملة مع تقدم سكانها في العمر، بالإضافة إلى سعي العمالة الماهرة الصغيرة السن لديها إلى العمل في بلدان شرق وغرب أوروبا، وأميركا الشمالية.

ويضيف كويلين، الذي شملت أبحاثه إجراء تحليل للدراسات الاستقصائية وبيانات التعداد وغير ذلك من المعلومات الإحصائية والكمّية الأخرى، فضلاً عن إجراء دراسات استقصائية عن المهاجرين في ستة بلدان، أنه في حين يمكن سد جزءٍ من الطلب على العمالة من بلدان أخرى في منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، إلا أنه سيتعين في آخر المطاف توفير النسبة المتبقية من الخارج، «ومن المرجح أن يكون ذلك من أفريقيا أو آسيا».

ويتدفق العمال من كل من طاجيكستان وجمهورية قيرغيزستان وأرمينيا وجورجيا والصين بالفعل في الوقت الحالي للحصول على فرص عمل في روسيا وكازاخستان، ويشمل ذلك المناطق التي تعاني نقصاً شديداً في السكان في روسيا والبلدان التي شكلت الاتحاد السوفييتي السابق.

ويستطرد كويلين قائلاً «لا يمكن لأحد أن يحدد بدقة أرقام تدفقات العمالة الصينية إلى روسيا، حيث إن معظم هؤلاء المهاجرين تقريباً لا يحملون الوثائق اللازمة»، ناهيك من أن جزءاً كبيراً من تلك التدفقات قد يكون مؤقتاً، أو «دائرياً».

وتخلص الدراسة إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الهجرة هو من البلدان الأعضاء في كومنولث الدول المستقلة إلى روسيا، ومن بلدان وسط وشرق أوروبا إلى بلدان منطقة غرب أوروبا.

ويقول كويلين إن العمالة الأكبر سناً التي تهاجر مع عائلاتها إلى البلدان الغنية في أوروبا ترغب على الأرجح في البقاء هناك، في حين تميل العمالة الأصغر سناً والمتعلمة وغير المتزوجة إلى العودة إلى أوطانها الأصلية بعد العمل في الخارج.

ويُعد جزء كبير من هذه الهجرة غير شرعي، وهو وضع يُلحق الضرر بالبلدان وكذلك بالعمال أنفسهم الذين قد يتعرضون لمعاملة سيئة، وقد لا يكون بوسعهم الحصول على الخدمات الطبية وغيرها من الخدمات الأخرى.

من جهة أخرى، ينوه وليم فان إيغهن، وهو خبير اقتصادي أول في مكتب منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بالبنك الدولي، إلى أن البلدان «المصدرة» للعمالة تشهد «هجرة في الكفاءات» المتوفرة لديها.

حيث تخسر تلك البلدان العمالة الماهرة، في حين تخسر البلدان «المتلقية» عائدات الضرائب أو أنها تعاني تكلفة اجتماعية أو أن العمالة غير الشرعية تؤدي إلى تدني مستوى أجور العمالة منخفضة المهارة أو المهاجرين الشرعيين.

ويتابع إيغهن قائلا: يوفر المهاجرون منافع كثيرة للبلدان، إلا أن لذلك تكلفة ليست بالقليلة كذلك، وإذا ما نظرت إلى الطريقة التي تتم بها إدارة الهجرة، فسوف تدرك أن هناك بالتأكيد إمكانيات لتحسينها».

ويقول التقرير إن الاتفاقيات الثنائية لتنظيم العمالة بين البلدان قد لا تتسم دائماً بالفعالية. كما تطرح توصيات أولية لتحسين إدارة تدفق الأيدي العاملة المهاجرة حتى يمكن لهؤلاء العمال زيادة دخولهم ومدخراتهم، وأن يظلوا على صلة بعائلاتهم، في الوقت الذي يمكن فيه للبلدان التي يعملون بها أن تسد النقص في العمالة، ويمكن لبلدانهم الأصلية أن تشهد زيادة في إجمالي الناتج المحلي بها نتيجة للتحويلات النقدية، بالإضافة إلى الانتفاع بالمهارات التي يكتسبها هؤلاء المهاجرون في الخارج عند عودتهم إلى أوطانهم الأصلية.

ويضيف كويلين قائلاً، «هذا هو السبب في القول إنه إذا ما أمكن وضع وتفعيل سياسات ملائمة لتشجيع الهجرة الدائرية، فإن ذلك سيحقق كسباً ثلاثياً ـ للمهاجرين أنفسهم، وللبلدان المصدرة للعمالة، وكذلك للبلدان المتلقية لها».