من دلف الأسهم إلى مزراب الصناديق

TT

المتابع لاتجاهات الاستثمار في المنطقة، لا بد ان يتوقف عند امرين: اولهما تزايد عدد الصناديق التي تطلقها البنوك والمؤسسات الاستثمارية. والثاني ازدواجية الافكار والمفاهيم التي تقوم عليها تلك الصناديق، للمدى الذي بات فيه المستثمر غير قادر على المفاضلة بينها، بل ولا حتى التمييز بين غثها من سمينها. وهذه الفوضى في اطلاق الصناديق الاستثمارية المتخصصة ناتجة عن عدة عوامل، يقف على رأسها التحسن الملحوظ في المدخرات، سواء الفردية او المؤسساتية، في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم لمستويات تفوق بكثير معدلات الفائدة البنكية، التي تشكل بالنسبة لأي مستثمر الحد الادني والملاذ الاخير لحماية المدخرات من التآكل والتراجع في قيمها الحقيقية.

إزاء ذلك فإن بعض الذين تسابقوا في اطلاق الصناديق لم يكونوا في الواقع يطرحون فرصا استثمارية بديلة، بل كان معظمهم يحاول استغلال مخاوف المستثمرين على مدخراتهم لطرح بعض البرامج والادوات الاستثمارية، التي ليس لها من معطيات النجاح الا تجارب سابقة نجحت بفضل طابعها الريادي، بحيث ان تكرارها لا يعني بالضرورة تحقيق نفس النجاح ولا نفس النتائج.

أما السبب الثاني في تنامي ظاهرة الصناديق، فيعود الى الاوضاع التي تعيشها اسواق المال، والتي تشهد تذبذبا يدفع المستثمرين إما لسحب جزء من توظيفاتهم في السوق للدخول في استثمارات مباشرة عن طريق الصناديق الجديدة، مدفوعين بالوعود البراقة التي تترافق مع اطلاق كل صندوق، او تحويل المدخرات الجديدة باتجاه تلك الصناديق علها تكون اكثر جدوى وربحية من سوق الاسهم. ومن الواضح ان معظم المستثمرين في المنطقة لا يدركون ان ثمة تناسبا طرديا بين ارتفاع معدل الربحية المحتمل وحجم المخاطرة المنتظر. فالاستثمار في صناديق متخصصة، طمعا في تحقيق عائد اعلى من العائد الذي تعطية الاسهم والسندات، او عائد اكبر من العائد على الودائع البنكية، معناه بالضرورة القبول بمستويات مخاطرة اعلى، لا تقتصر على عجز الصناديق في تحقيق الربحية، التي وعدت بها، بل تمتد احيانا الى رأس المال المستثمر في الصندوق، وهناك حالات كثيرة من هذا القبيل سجلت في دول واسواق مرت بما نمر به الآن. اننا لا ننكر ان هناك فرصا استثمارية كثيرة واعدة، وان هناك حاجة لتوفير تمويلات اضافية لبعض القطاعات، التي تتردد البنوك في الاشتراك بها، بسبب طبيعتها التي لا تتناسب مع طبيعة وآلية عمل البنوك التجارية. كما لا ننكر ان اسواقنا تعيش مرحلة تحول كبيرة، يأخذ فيها القطاع الخاص دورا متناميا، لكن المشكلة تكمن في ان معظم الصناديق الجديدة لا تتوفر لها الادارات القادرة على طرح برامج استثمارية مبتكرة، وذلك بسبب افتقادها لما يعرف بـ«المعايشة» العميقة للواقع الاقتصادي، الامر الذي يجعل تلك الادارات معتمدة في معظم الاحيان على دراسات الجدوى النظرية، التي تتكرر فيها بيانات ومعلومات تعوزها الدقة الكافية والحداثة التي يمكن من خلالها الوصول الى النتائج الصحيحة. الى ذلك فإن المصارف المركزية وهيئات الرقابة الرسمية، بمختلف اشكالها واختصاصاتها، لا تبدو قادرة على توفير وسائل رقابية فعالة على الصناديق الاستثمارية، وجل ما تستطيعه هذه الجهات هو فحص مسوغات ومبررات طلب الترخيص لكل صندوق جديد من الناحيتين الفنية والقانونية، وهو أمر لا يعني ان البنك المركزي وغيره من جهات الرقابة تضمن ان يحقق الصندوق، طالب الترخيص، ما يعد به من نتائج. فهناك عوامل اخرى غير البيانات الرقمية الصماء تؤثر في عمل الصناديق، واهمها توفر الكفاءات الادارية والفنية التي يحتاجها اي صندوق لضمان الحد الادنى من النجاح. ومع التأكيد على ان الصناديق المتخصصة هي من البدائل الاستثمارية الجذابة، الا ان علينا ان نتأكد من ان طرح هذه الصناديق لا يعني هروبا (من دلف الاسهم للوقوف تحت مزراب الصناديق).

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية