هل بات التعليم كارثة المستقبل؟

TT

واحسرتاه ويا أسفاه لقد أصبح التعليم وشهاداته الآن سلعة رخيصة تباع وتشترى في أسواق الدهاليز الخلفية، وكذلك في وضح النهار بين أسماع السامعين وأبصار المبصرين من دون خجل. ليس فقط هنا بل أيضا هناك. فشهادات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس، أصبحت سهلة المنال لمن يستطيع دفع ثمنها من جامعات لها أسماء غربية رنانة، لكنها وهمية فلا أصل لها ولا فروع. فخلال شهور معدودة أصبح فلان دكتور، ووضع حرف «د» أمام اسمه بفخر واعتزاز، وآخر حصل على شهادة الماجستير بتفوق، وتخرجت هي من الجامعة بمرتبة الشرف الأولى. فيا لها من مهزلة لا شرف لها ولا حياء. لقد افتتح بعض نشطاء التعليم الوهمي مكاتب في بلادنا وكذلك بلدانهم، ليس فقط بهدف المصلحة المالية، ولكن أيضا بهدف السخرية من البسطاء وأصحاب الطموحات الواهية، ونجحوا إلى حد كبير في تسويق بضاعتهم الفاسدة. فإن لم يكن هناك ضمير وأمانة علمية، فأين الرقابة الإدارية من المؤسسات المختصة؟ ألم يعلم الحائزون مثل هذه الشهادات أن سوق العمل سيلفظ شهادتهم، كما تلفظ الأنفاس عند الرحيل؟ ألم يعلم هؤلاء أن هناك مقابلات شخصية ومسائلات دقيقة لدى مديري التوظيف بالشركات عند طلبهم للوظيفة. فحينئذ لا تساوي شهادتهم مدادها فتتساقط أوراق التين وتنحسر أحجبة الوهم. فهل يعتقد هؤلاء أن شركات القطاع الخاص تجهل أسماء ونوعية الجامعات الأجنبية، فلا تستطيع التمييز بين الشهادات الحقيقية والأخرى الوهمية؟ إن هذا التصرف غير المسؤول والشائن أفقد الاقتصاد الوطني جهود موارد بشرية وطنية، كان من الممكن تسخيرها بما يفيد الوطن لرفع القيمة المضافة للناتج الوطني. هذا لأن الإنتاجية العمالية المتمثلة في رفع الكفاءة الإنتاجية الفنية والإدارية للعامل لزيادة الإنتاج بالشركات والمصانع والمزارع لا يمكن تحقيقها من خلال أفراد يحملون مثل هذه الشهادات الوهمية. فهل تعلم هؤلاء في الفصول الدراسية علوم الاقتصاد بشتى فروعها من سياسات مالية ونقدية واقتصاد طاقة وعمالة وغيرها؟ وهل تعلم هؤلاء علوم الإدارة مثل التسويق والمالية والمحاسبة وعلوم الحاسب الآلي؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي القاطع وهي بدون شك كذلك فكيف يستطيعون العمل والتعامل الفعلي مع آليات هذه العلوم بجانب زملائهم الحاصلين على شهادات حقيقية بالشركات والمؤسسات؟ إنه من خلال هذا الموقع والواقع المؤلم ستنبثق فضائح هؤلاء القوم، الذين لم يخشوا الفضائح، ولم يحسبوا حساب يوم لا تنفع شفاعة هذه الشهادات الوهمية ولا أسماء جامعاتها. إنه يجب الضرب بيد من حديد على أيدى وأكتاف ورقاب أصحاب هذه المكاتب والمؤسسات الوهمية المانحة لهذه الشهادات الكاذبة.

إنها والله لأمانة عبث بها قوم لا يدركون معنى الأمانة والشرف، فهم شرذمة لا تختلف أهدافهم عن أهداف المفسدين بالأرض، لذلك يجب على المسؤولين استئصال جذورها حتى لا تنمو وتتفرع انتشارا لبث سمومها داخل الوطن. كما يجب تشديد النصح وتوجيه الإنذارات لمن يريد شراء مثل هذه الشهادات الوهمية.

إن تنمية الموارد البشرية كانت ومازالت الهدف السامي لحكومة المملكة، حيث بلغت اعتمادات تنمية الموارد البشرية 23.2 مليار دولار في عام 2006، وهي تمثل 26 في المائة من إجمالي اعتمادات الميزانية البالغة 89.3 مليار دولار. فلماذا العبث بهذا الهدف الرشيد؟ ولماذا العبث بهذه الاعتمادات المالية؟ مع العلم بأنه يوجد في أرض المملكة الحبيبة تسع عشرة جامعة، وعشرات المعاهد الفنية والإدارية بجانب فتح أبواب الابتعاث للخارج لنيل الشهادات الجامعية بأنواعها من خلال العلم والمعرفة. فحري بهؤلاء عدم الولوج من الأبواب الخلفية من خلال التعليم الوهمي والشهادات الكاذبة، فلديهم الكثير من الفرص التي أتاحتها الدول للدخول من الأبواب الأمامية. فإن لم يتحقق ذلك فنحن أمام كارثة تعليمية متفاقمة، إذ تركت حبالها ممدودة من دون قيد، فالعاقبة مرة كمرارة العلقم على مواردنا البشرية من الأجيال الحالية والمستقبلية.

* رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية والإدارية ـ جدة